لا يستطيع إنسان مهما جرد من حاسة الرحمة أن يتعاطف مع القتل الذي يروح ضحيته يوميا العشرات.. فهؤلاء الضحايا هم بالفعل شهداء, فالعنف قد بلغ مداه, ولايمكن تبرير العنف في مدن كثيرة في سوريا, فديننا الحنيف ينبذ العنف ويمج أصحابه بل ويعتبرهم ملاحدة أو زنادقة لأنهم يقتلون نفسا بل أنفس بغير سبب معلوم, اللهم إلا التشبث بكراسي الحكم!! لكن والحق يقال ان المسئول عن العنف والقتل ليست الحكومة السورية أو الجيش النظامي فحسب, ولكن المعارضة السورية أيضا التي جعلت الشعب السوري مستباحا وكل من يقف في صف النظام السوري هو عميل أو خائن يجب قطع رأسه! ثم وهذا هو الأهم, لقد أغرقتنا المعارضة السورية المنقسمة علي نفسها أصلا! بعشرات المسميات مثل الائتلافات والتنسيقيات ومراصد حقوق الإنسان وجيش سوريا الحر.. الي آخر هذه المسميات التي ليس لها سبب وجود إلا شيئين, الأول أن تتحدث ليل نهار وسائل الاعلام الغربية عنها بانحياز كامل ضد الشعب والشوري.. والشئ الثاني أن تطلب جماعات المعارضة السورية التدخل العسكري الخارجي وكأنها تريد أن يتكرر سيناريو ليبيا في سوريا! لكن هيهات, فنحن مازلنا نذكر أن جيش سوريا هو الذي صنع لنا مع جيش مصر العظيم نصر أكتوبر المجيد, كما مازلنا نذكر أن شعب سوريا هو الذي رفع سيارة قائد مصر وهو بداخلها علي الأعناق وقبل حكام سوريا الميامين أن يدخلوا في وحدة مع مصر وسموا بلدهم بالإقليم الشمالي.. ولا ننسي أن دمشق, في العصر الحديث, كانت موطنا للابرار من أبناء الشعب العربي الفلسطيني, ودخلت سوريا بسببهم في مناورات سياسية مع إسرائيل وأمريكا لكنها رفضت ولم تقبل أن تحظي بود هاتين الدولتين وبقي أبناء فلسطينالمحتلة يعيشون في حماية اخوانهم السوريين! وكذلك لا أنكر أن حكام سوريا اليوم قد تأخروا طويلا في الاصلاح المطلوب شعبيا من قبل ابناء سوريا, وقد صحا الشعب السوري واستيقظ من غفوته التي طالت, وهزته الثورات التي حدثت في مصر وليبيا واليمن, وأصبح أكثر إيمانا بأن يكون مصدر السلطات, لكن بنفس القدر كيف تريدني المعارضة السورية أن أثق في القوي الغربية التي لا تضمر غير الشر لسوريا وشعبها وأمتها العربية والإسلامية, فأمريكا تقف منذ سنوات في مواجهة سوريا وهي صاحبة قرار محاسبة سوريا, الذي صدر عن الكونجرس منذ سنوات, وقرار حظر سير الدبلوماسيين السوريين والطيران السوري عامة! ثم الوقيعة التي تسبب فيها ساركوزي الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته بين مصر وسوريا.. وتبين للجميع أنه يعمل لصالح إسرائيل من منطلق يهوديته المعروفة! باختصار كيف تريدني المعارضة كعربي مسلم أن أسحب ثقتي في حكام سوريا ولا أسحبها من القوي الغربية وعلي رأسها أمريكا التي تقول علي لسان وزيرة خارجيتها السابقة كوندوليزا رايس, إن إسرائيل هي الصديق الاستراتيجي الوحيد في المنطقة! ثم أين الشعب السوري؟.. وهو أصبح للأسف الشديد بعد سقوط ضحاياه, مضغة في أفواه فصائل المعارضة التي لا أشك لحظة في أن رموزها في هذا البلد أو ذاك تقوم بتصفية حسابات شخصية ولاشئ أكثر من ذلك, بمعني أن الحديث عن الشعب السوري وأوجاعه ومجاعاته هو حديث افك لا أساس له في أفواه المتحدثين من المعارضة.. وفي هذا الإطار كيف تريدني المعارضة أن أصدق كل ما يقال عن مظاهرات سوريا ورفض النظام.. هذا النظام الذي يواجه وحده الحروب عليه من كل جانب حتي بعض الدول العربية وإسرائيل والقوي الغربية وعلي رأسها أمريكا.. يتحدثون عن الربيع العربي.. لكنني لن أنسي أن المسمي نفسه أطلقته قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري, وبرغم أننا مازلنا نتحدث عنه إلا أن القوي الغربية ذاتها تركت الربيع العربي وبدأت تتحدث عن الشتاء الإسلامي.. وهو ما يعني أن هذه القوي ومنذ سقوط الاتحاد السوفييتي السابق تعتقد أن الإسلام هو عدوها الأوحد!.
أيا كان الأمر, يجب ألا ننسي أن النظام السوري يواجه منذ أربعة عشر شهرا ضربات موجعة من فصائل المعارضة والقوي الأوروبية وإسرائيل وأمريكا, وبرغم ذلك فإن النظام باق ومستمر, وانقسمت فصائل المعارضة التي تلقي الدعم عربيا باسم تسليح المعارضة وتلقي الدعم الأمريكي بشهادة الأمريكان أنفسهم!
لاشك أن حالة التشرذم التي يعيشها العالم واحتقان البعض بالربيع العربي فإننا لا نريد أن تنقسم سوريا مثل العراق وليبيا لأن هذا الواقع, لا سمح الله, لن يخدم غير إسرائيل التي تريد أن تهيمن علي المنطقة ولا يقف لها عقبة كؤود سوي الشعب السوري! ثم لا ننسي أن العداء الإسرائيلي الحقيقي هو مع إيران وسوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي تربطها بإيران علاقات طيبة, ولذلك فلابد من القضاء علي سوريا لتضييق الخناق علي إيران وحزب الله في جنوب لبنان الذي يعتبر صداعا في رأس إسرائيل, بكلمة أخري لابد أن نشعر إيران, أنها في عزلة عن العالم العربي بتفكيك سوريا والقضاء علي النظام السوري, وليس أفضل من فصائل المعارضة السورية كي تقوم بهذا الصنيع نيابة عن اسرائيل لتبدأ الحقبة الاسرائيلية التي يودها كل حكام اسرائيل منذ بن جوريون وحتي الآن. لكن ليعلم الجميع أنه اذا سقطت سوريا لا قدر الله فسوف تدور الدوائر علي الدول العربية الأخري, فالسياسة لا تعرف غير لغة المصالح.. والمصلحة تكمن في تفكيك كل الدول العربية واعادة صياغتها من جديد كما تقول بذلك أدبيات الشرق الأوسط الكبير! الساكت عن الحق: أثارت زيارة فضيلة المفتي الشيخ علي جمعة كثيرا من اللغط عن سبب الزيارة وتوقيتها, ولقد أعلن شيخ الأزهر المستنير الشيخ الدكتور أحمد الطيب عدم معرفته بتفاصيل هذه الزيارة التي سمع عنها في وسائل الإعلام, والحق ان هذه الزيارة قد أثارت تساؤلات كثيرة عن فضيلة المفتي الذي عينه رأس النظام السابق وعضويته في أمانة السياسات وفتاواه التي يري البعض أنها كانت تفصيل تسير مع هوي أركان النظام, ثم لماذا أعقبت زيارة أقباط الي الأراضي المقدسة؟ باختصار, لابد أن يتكلم فضيلة المفتي لا أن يترك أحد الموظفين في مكتبه الفني كي يتكلم! لأن مجلس الشعب قد هاج وماج وطالب أحد أعضائه بعزل المفتي.. الذي يجلس في مقعد المستنيرين الكبار أمثال محمد عبده وأحمد الطيب؟! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي