قادة الاتحاد الأوروبي يرشحون فون دير لاين لولاية ثانية في رئاسة المفوضية    3 شهداء بينهم طفلة جراء قصف الاحتلال منزلًا في دير البلح وسط قطاع غزة    بايدن قبل دقائق من المناظرة الرئاسية: «دعونا نُكمل المهمة» (صور)    منتخب بنما يخطف فوز ثمين في الدقائق الأخيرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية و ينعش أماله في التأهل لربع نهائي بطولة كوبا أمريكا .    طاقم حكام مباراة المقاولون العرب والبنك الأهلي في الدوري المصري    نجم الزمالك السابق: جوميز كان يريد مواجهة الأهلي وانفعل على قرارات النادي    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 28 يونيو 2024.. تحذير ل«العقرب» وخبر غير سعيد ل«العذراء»    تراجع المبيعات المؤجلة للمساكن في أمريكا على خلاف التوقعات خلال الشهر الماضي    RSQ8 المحدثة هي أقوى أودي تعمل بالبنزين    كوبا أمريكا 2024، الولايات المتحدة ب10 لاعبين يتعادل مع بنما 1-1 بالشوط الأول (فيديو)    موقف الزمالك من المشاركة أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    موعد مباراة الأهلي وفاركو اليوم الجمعة في الدوري    ضحية مشاجرة إمام عاشور: إحنا مش في غابة وهاخد حقي بالقانون (فيديو)    مسؤولون أمريكيون يفندون مزاعم نتنياهو حول تأخير الأسلحة    ميسرة: بوسة عادل إمام حقيقية ومش ندمانة عليها وفيلم المذنبون سينما نظيفة (فيديو)    بعد دخولها مصحة نفسية.. شقيق شيرين عبدالوهاب يرد على اتهاماتها ويثير الجدل (صور)    كيف تؤثر المباعدة بين الولادات في صحة الأم والطفل؟ الصحة توضح    وزير الطيران يلتقي وفدا من السفارة البريطانية لبحث سبل دعم التعاون المشترك بين البلدين    "البحوث الفلكية": من الممكن استخدام أماكن الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء    الأنبا باسيليوس يترأس افتتاح المركز الثقافي الكاثوليكي بكنيسة القيامة بالمنيا الجديدة    شروط ومميزات الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية    لماذا لم يغلق مسجد عمر مكرم يوم 28 يناير 2011؟ مظهر شاهين يوضح    رابط متاح.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس عبر بوابة التعليم الفني (استعلم الآن مجانا)    الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة    عطل فني يضرب تطبيق واتساب    العثور على جثة شاب داخل صالون حلاقة في الفيوم    مصطفى بكري: الوزراء لا ينفذون منهج الرئيس بالشكل الذي يريده    وزير الخارجية الجزائرى: تسجيل مؤشرات اقتصادية إيجابية بمعدل نمو أكثر من 4 ٪؜    بوكثير: اتحاد إذاعات الدول العربية يعمل على زيادة استخدام التكنولوجيا الحديثة    «مغلطتش فيك يا حضري».. إبراهيم سعيد: النادي الأهلي اللي خلاك تركب عربية (فيديو)    مظهر شاهين يكشف ل"الشاهد" سبب رفضه غلق مسجد عمر مكرم يوم 28 يناير    "30 يونيو".. جهود الدولة لتنمية صعيد مصر خلال 11 عاما.. فيديو    الموسيقار نصير شمة: عودي عمره 100 سنة وآلة العود عمرها يعود ل2350 قبل الميلاد    محافظ الإسكندرية يشهد فعاليات معرض علاج شبكية العين الدولي    انتخاب التونسية ليلى بلخيرية نائبة لرئيسة منظمة كوميسا للنساء صاحبات المؤسسات    10 نصائح مفيدة لمرضى السكر في فصل الصيف.. وهذه الأطعمة مفيدة    تأثيرات التغذية السيئة على الصحة العامة    تشكيل منتخب أمريكا الرسمي لمواجهة بنما في كوبا أمريكا 2024    أول الراحلين.. الزمالك يوجه رسالة مؤثرة ل محمود علاء (صورة)    افتتاح النادي البحري للنيابة الإدارية بالإسكندرية بحضور المحافظ ورئيس الهيئة    الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 28 يونيو 2024    شعبة السيارات: توقف كامل للاستيراد منذ شهر ونصف.. ولا يصح التعامل بهذه العشوائية    الاحتلال يلاحق سيارات الإسعاف ويطلق عليها النيران بشكل مباشر في غزة    إعلام أمريكي: واشنطن مستعدة لإجلاء مواطنيها من لبنان إذا اشتد القتال بين إسرائيل وحزب الله    دعاء سداد الدين من السنة النبوية.. «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك»    عاجل - اعرف موعد رأس السنة الهجرية 2024.. وما حكم صيام أول أيام شهر محرم 1446؟    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة حتى الأربعاء المقبل    مستعينًا ب«الذكاء الاصطناعي».. شوبير يقدم حلًا جذريًا لأزمة التحكيم    بسبب "مانشيت" الهروب الكبير.. قرار قوي من الخطيب بشأن مجلة الأهلي    3 عناصر قد تدمر أمعاءك وعطلتك الصيفية حتى بالفنادق الفاخرة    النيابة تصطحب قاتل أسرته بالغربية لتمثيل الجريمة    على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى نبروه المركزي (صور)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    محافظ شمال سيناء: 30 يونيو انتفاضة شعب ضد فئة ضالة اختطفت الوطن    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارج دائرة الضوء
نغرق‏..‏ نغرق‏..‏ نغرق
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 04 - 2012

‏‏ أما وأننا اتفقنا علي ألا نتفق وقررنا أن نختلف في كل أمر وعلي كل رأي لتجبرنا الخلافات علي البقاء مكاننا بل والتراجع للخلف‏...‏ أما وأن أصبح هذا حالنا وبات من الصعب اتفاقنا ومن المستبعد نهوضنا وتحركنا وتقدمنا.. يصبح الأمل الوحيد ألا نكون فقدنا الرؤية.. رؤية الحقيقة ورؤية الواقع بكل ما فيه من مشكلات مزمنة أي واحدة منها تبتلع وطنا...
نعرف أن عندنا مشكلات إن لم نعمل علي حلها حلت هي مفاصلنا ووسطنا بل عمرنا...
نعرف أن هذه المشكلات هي الأجدر باهتمامنا وهي الأهم من التأسيسية ومن انتخابات الرياسة ومن معركة تكسير العظام.. عظام مصر التي يقوم بها من يريدون حكم الوطن...
أقصي ما أتمناه أن نتعرف علي بحر المشكلات الذي نغوص فيه ربما تعلق في ذاكرتنا وربما تصبح دافعا لنا لإسقاط خلافاتنا والنهوض معا والتصدي لما يواجهنا بدلا من تصدينا لبعضنا بعضا وترك أزمات الوطن تكبر وتتضخم وتتفاقم...
عندنا مشكلات قديمة متراكمة مزمنة وأخري طارئة جديدة مفزعة.. وكلتاهما غول يريد ابتلاعنا...
1 التعليم مشكلة قديمة حالية مستقبلية...
عدد المدارس بالقياس للتعداد البشري.. مشكلة. الراتب الذي يتقاضاه المعلم مشكلة. مكانة المعلم في المجتمع مشكلة. المناهج التعليمية المتخلفة القائمة علي الحفظ والتلقين والمنقرضة في العالم مشكلة. المرحلة المنتهية للتعليم مشكلة وهي في الدول المتقدمة الشهادة الثانوية ونحن دون خلق الله من جعلنا الجامعة هي المرحلة المنتهية وجعلنا الشهادة الثانوية أو الدبلوم وصمة عار تلاحق صاحبها وربما عائلته مدي العمر.. لا عمل حقيقي بها ولا نظرة محترمة من مجتمع له وكأنه أجرم ولا عائلة ترضي بزواج ابنتها منه لأنه لا يحمل شهادة وازداد الطين بلة بدخول الدولة طرفا في هذا التخلف المجتمعي ومن لا يحمل الشهادة لا يحق له الدخول في عضوية ناد وإن حدث هو محروم من الترشح لعضوية مجلس إدارة النادي وهو محرم من عضوية مجلس إدارة أي اتحاد رياضي أو اللجنة الأوليمبية لأنه لا يملك شهادة!. خلاصة القول إنه لا توجد دولة في أوروبا المرحلة المنتهية للتعليم فيها هي الجامعة إنما المرحلة الثانوية هي نهاية التعليم وشهادتها محترمة والمجتمع ينظر لها نظرة محترمة والدولة تراها محترمة والأغلبية تعمل بهذه الشهادة التي هي مطلوبة في سوق العمل والأقلية هي من تكمل التعليم الجامعي والذي تتحدد مقرراته وأعداده علي احتياجات سوق العمل...
إصلاح التعليم يبدأ من إعادة المرحلة المنتهية إلي ما كانت عليه إلي الشهادة الثانوية وأي كلام غير ذلك معناه بناء بيت بدون أساسات.. استحالة أن يرتفع ولو حاولنا ينهار لأنه بلا أساس!.
المرحلة الابتدائية هي أساس التعليم وهي محور الاهتمام وهي الأهم والأحق بالإنفاق والرعاية والمعلم الأكفأ هو من يعمل في الابتدائي...
مستقبل الوطن يتحدد في هذه المرحلة التعليمية.. تربويا وثقافيا وبدنيا وصحيا ونفسيا وأخلاقيا.. وهذه المرحلة بكل أسف ليست موجودة علي خريطة اهتمامنا ولا اهتمام بالطفل ولا المعلم ولا المنهج ولا الرعاية.. فكيف ننتظر خيرا ونحن من أغلقنا أبواب الرحمة علي الصغار وعلي من يتولون تعليم الصغار؟.
2 انهيار التعليم تحول إلي واقع قبلناه وتقبلناه وتعايشنا معه وكأنه قدر محتوم لا مفر منه...
هذه حقيقة يستحيل إنكارها وأيضا يستحيل رؤيتها لأننا لا نحب أن نري خطايانا.. نعيش فيها ونتعامل معها لكننا لا نريد أن نراها وربما يكون السبب في ذلك الجزء القليل المتبقي من ضمير داخلنا...
والحقيقة الثانية أننا نفعل نفس السلوك في كل المجالات والطبيعي أنه أصبح عندنا مشكلة مزمنة في كل مجال.. نحن من تركنا كل مشكلة بدون حل إلي أن فوجئنا بأزمات مستحكمة في كل شيء وأي شيء.. والكارثة الأفدح أننا استسلمنا لمشكلاتنا ورضينا بها وتعايشنا معها باعتبارها واقعا لا مفر منه وعلينا التعامل معه وليس التخلص منه...
3 أهملنا علي مدي أكثر من نصف قرن محافظات مصر ظنا منا أن القاهرة هي مصر ومصر هي القاهرة والنتيجة هجرة من كل أنحاء مصر تجاه القاهرة بحثا عن الحياة وعن لقمة العيش والذي هربوا منه هناك وجدوه هنا لأنها هجرة غير مدروسة وغير مقننة وعلي غير أساس.. فحملت علي ظهرها كل خطايا إهمال محافظات مصر إلي القاهرة التي تحولت هي نفسها إلي عشوائيات.. أبراج أقيمت علي أنقاض البيوت الصغيرة دون اعتبار للتخطيط والمرافق والكهرباء والمياه والصرف الصحي وقبلها جميعا المواصلات الموقوف حالها لأن عدد السيارات أضعاف سعة الشوارع...
العشوائيات انتشرت في كل أحياء القاهرة مع هدم البيوت الصغيرة وبناء أبراج شاهقة وكله علي حساب نفس الشوارع ونفس الميادين ونفس الطرق...
والعشوائيات أحاطت بالقاهرة من كل جانب لأن الأقاليم انعدمت فيها التنمية وحدث الزحف إلي القاهرة التي حوصرت من كل اتجاه بالطوب الأحمر وبدون تخطيط وطبيعي ألا يكون هناك تخطيط مادامت القاهرة نفسها تنكرت لهذا التخطيط وسمحت ببناء الأبراج الشاهقة الارتفاع مكان البيوت الدور والدورين...
ونفس المنطق الذي طبقناه علي التعليم.. تعاملنا فيه مع الإسكان والتخطيط المعماري والتنمية.. نتفرج علي كل مشكلة وهي تحدث وهي تكبر وهي تتضخم وهي تتعقد.. نتفرج ونعيش ونعايش وكأنها ليست مشكلتنا أو أننا سنفاجأ يوما بحتمية مواجهتها...
هدم الفيلات الصغيرة في كل أحياء القاهرة وفي قلب القاهرة نفسها وإقامة أبراج مكانها دون اعتبار إلي ما ستخلقه هذه العملية العشوائية من كوارث في المرور وفي المرافق وفي الزحام وفي كل شيء.. هذا الأمر العشوائي لم يحدث في ساعات ليل إنما في أيام وأسابيع وشهور وسنوات ونحن نتفرج وكأن نسف التخطيط العمراني الذي يحدث هو في دولة أخري غير مصر!.
4 مصر بلد زراعي اشتهرت عالميا بالقطن المصري الطويل التيلة الذي ليس له منافس في العالم وفي الخمسينات إنجلترا كانت مديونة لمصر.. تستورد القطن وتدفع الثمن علي أقساط!. مصر عاشت سنين طويلة طويلة طويلة عندها اكتفاء ذاتي من محاصيلها والفائض تصدره للخارج...
ومرت السنوات وحدث تراجع في الإنتاج الزراعي وبدلا من دراسة الأسباب وإعمال العلاج وقفنا كعادتنا نتفرج وكأن الأمر لا يهمنا.. ويوما بعد يوم اتجهنا للاستيراد الذي فيه منافع لأشخاص وضرر لدولة!. أعرف أن الاستيراد وارد وممكن لما لا نقدر علي إنتاجه ولا توجد دولة في العالم إلا وتستورد أشياء وتصدر أشياء وعندها اكتفاء ذاتي في معظم الأشياء...
وقفنا نتفرج علي حال البلد الزراعي وهو يستورد ثلثي القمح الذي منه رغيف العيش الذي يأكله!. زمان كان الفلاح الذي يشتري عيش من الفرن( الطابونة) يتم فضحه وتجريسه لأنه فقد القدرة علي زرع ما يأكل منه!.
وقفنا نتفرج دون إحساس بأن القمح ليس سلعة زراعية إنما هو بالنسبة لنا سلعة استراتيجية يستحيل أن نترك غيرنا يقبض علي رقبتنا بسببها!.
وقفنا نتفرج وكالعادة عشنا وتعايشنا مع استيراد رغيف العيش رغم أننا نقدر علي إنتاجه!. تركنا الفلاح يواجه الحدوتة وحده!. عنده مشكلة في الأسمدة التي تضاعفت أسعارها ونحن نتفرج عليه دون تدخل حماية من الدولة!. عنده مشكلة في المياه.. مياه الري والزرع يموت عطشا والدولة تتفرج ولم تتدخل لحمايته!. عنده مشكلة في المبيدات والأسعار نار لأن الدولة تتفرج!. عنده مشكلة في التسويق والدولة هي المشكلة لأنها تفرض عليه أسعارا منخفضة وتفضل عليه الاستيراد!. خلاصة القول إننا جميعا ارتضينا باستيراد قمح خبزنا بدلا من زراعته واعتبرنا المسألة منتهية!.
علي سبيل المثال لا الحصر.. حاليا الفلاح اتخرب بيته لأن الظروف التي تمر بها البلاد وقفت حال التصدير والفلاح يزرع أي محصول وينتظر شهورا قد تصل إلي نصف السنة لجني هذا المحصول.. شهور وهو يرعي ويروي ويسمد ويرش مبيدات وكل عمل يتطلب جهدا ومالا وعندما يجني المحصول يكتشف أن التصدير اتوقف وسعر محصوله الذي داخ فيه وعليه لا يحقق نصف المصاريف التي أنفقها!. محصول الثوم مثلا الطن حاليا يبيعه الفلاح بأقل من500 جنيه ولا أحد يشتري والسنة الماضية كان سعره ألف جنيه...
المصيبة أنه يريد البيع بالخسارة ولا أحد يشتري والمصيبة الأكبر أن الفلاح ليس عنده فائض مادي يستعوض منه.. والذي حدث في الثوم تم في البطاطس!.
هذا مثال لمشكلات تقضي علي الفلاح.. بعضها مزمن مثل السماد والمبيدات والمياه وبعضها طارئ مثل توقف التصدير وفي الحالتين لا أحد يكترث لمشكلاته أو للخطر الأكبر القادم لا محالة وهو هجرة الفلاح لمهنة الزراعة أصلا وربما يأتي يوم لا نجد فلاحين يزرعون!.
وأعود إلي الزراعات الاستراتيجية التي روحنا فيها والذي حدث للقمح هو نفسه ما تم مع الفول الذي يمثل وجبة استراتيجية لا وجبة غذائية.. رحنا نستورد الفول ونحن نقدر علي توفير احتياجاتنا.. وما انتهي إليه أمر الفول عاش فيه العدس وهو وجبة مهمة مفروض أن تكون كلفتها مقدور عليها.. لكن الاستيراد غير كل الموازين ونحن أيضا نستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي في العدس...
زيت بذرة القطن عشنا عمرنا نعتمد عليه اعتمادا كليا ليس لأنه فقط متوفر إنما لأنه الأفضل علي كل زيوت الطعام التي نستوردها حاليا والتي تضاعف سعرها خمس أو ست مرات مؤخرا والتي هي سلعة أساسية لملايين الشعب...
أهملنا زراعة القطن لمصلحة الكانتلوب والفراولة الأفرنجي والكلام الفارغ إياه!. أهملنا القطن وخسرنا قاعدة تصدير مهمة لأهم منتج عالمي.. وخسرنا معه زيت بذرة القطن الذي كان سيوفر لنا مئات الملايين من الدولارات وخسرنا الكسب وهو بقايا بذرة القطن بعد عصرها وهو أهم علف حيواني مأمون وصحي حيث لا هرمونات ولا دماء ولا بلاوي الأعلاف الموجودة التي هي دمار علي الصحة وإهدار لعملة صعبة!. وخسرنا عيدان القطن التي يتم فرمها وتضاف إلي التبن كغذاء نباتي للحيوان في أليافه زيت بذرة القطن...
كل هذه الأمور ضاعت وخسرناها ونحن نتفرج علي المشكلات التي تولد وتكبر وتتضخم وتتعقد ولابد يوما من حلها قبل أن تحل وسطنا!
أكتفي اليوم بهذا الرصد للمشكلات الموجودة أمامنا هنا وخنقتنا ولا نريد أن نراها وأعرض علي حضراتكم مشكلة من هناك أغلبنا لا يراها حملتها هذه الرسالة التي تقول سطورها:
عملت كموظفة محلية في المكتب الثقافي المصري في واحدة من دول العالم الأول, وذلك لقرابة العام.. انتمائي لبلدي جعلني أتحمس بشدة لهذا العمل ولكن ما شاهدته وعايشته خلال هذه الأشهر القليلة جعلني أقلق بل وأتساءل عن أنواع الرقابة علي هذه المكاتب الخارجية؟ فآلاف الدولارات تدفع شهريا لاستئجار هذه المكاتب السياحية والتجارية والثقافية, فعلي سبيل المثال فإن إيجار المكتب الثقافي وحده يصل إلي عشرة آلاف دولار شهريا! ولكن الخطورة لا تكمن فقط في المبالغ الطائلة التي تتكبدها خزانة الدولة ولكن في السلوكيات المتبعة في هذه المكاتب وهو ما كنت أنا شاهد عيان عليه...
فالمستشار الثقافي الدكتورة بل والأستاذة نسيت أن المكتب الثقافي هو مقر عملها وبدأت بالتعامل علي أنه ضيعتها الخاصة تأتي وقتما تشاء بل وتأتي بزوجها وابنها الشاب ليشاركاها في إدارة شئون المكتب فزوجها والحق يقال دائم التواجد والمعايشة لجميع أحداث المكتب بل يصل الأمر إلي مراجعته لبعض الملفات لإبداء الرأي فيها...
فهم أسرة صغيرة متحابة.. يخصصون يوم الجمعة بعد الصلاة للاستمتاع بالشمس من خلال نافذة مكتبها الموقر ويتابعون أحد الأفلام القديمة أو المسرحيات ويتناقشون في شئون العمل في جو أسري جميل..!!
لم تكتف المستشار الثقافي بذلك فلقد قامت بتعيين عاملة النظافة الخاصة بها' الشغالة يعني' التي تنظف منزلها في المكتب الثقافي.. فأصبحت تعمل أربعة أيام بالمكتب واليوم الخامس في منزل سيادتها...
والحق يقال فالمستشارة الثقافية طيبة القلب فعلي الرغم من عدم حصول هذه العاملة علي أي مؤهل دراسي إلا أنها قامت بتخصيص مكتب لها مع بقية الموظفين بل وأمدتها بكمبيوتر خاص بها لتلعب عليه ألعابها المفضلة أو أحيانا لاستخراج بعض وصفات الطعام وعندما تمل تقوم بغزل التريكو!!.
وهو كله علي حساب صاخب المخل!.
وكم كانت فرحة المكتب عندما اصطحبت الأستاذة الدكتورة قطتها' ليزا' إلي المكتب.. يا سلام.. قطة المدير كيف لأحد أن يمنعها من القفز فوق المكاتب والأجهزة والملفات.. يله خلي الولاد يلعبوا!.
هل تتخيلون أن المستشارة الثقافية تتجول في المكاتب حافية القدمين.. ما علينا مش ده المهم.
ما أذهلني حقا هو سماحها للملحق الإداري والمالي, والتي أوشكت مدته علي الانتهاء, بالعمل فترة مسائية أي بعد مواعيد العمل الرسمية وذلك حتي تمكنه من تحويل تأشيرته الدبلوماسية إلي تأشيرة دراسية بغرض الهجرة.. لذلك فالمسكين مفحوت دراسة في الصباح ومكتب في المساء! مش بقول قلبها طيب...
تتعامل الدكتورة مع المبعوثين المصريين علي أساس' المتهم مدان حتي تثبت إدانته' فجميعهم( لا يتعدي عددهم السبعين مبعوثا) متهمون بالحصول علي بعثات خارجية وعلي المتضرر اللجوء إلي إدارة البعثات بمصر أو لو زنقت أوي' فوت علينا بكرة يا سيد' ويحضرني تعبير استخدمه زوجها المتعاون عندما أصر أحد الدارسين علي مكالمتها تليفونيا قال ضاحكا:' هو جاه لقضاه'!.
أين الرقابة علي هذه المكاتب, لماذا تتعامل المؤسسات الحكومية في الخارج كالجزر المنعزلة, لماذا لا يتم ضمهم في مكان واحد كالقنصلية المصرية أو السفارة وتخصيص مكاتب محددة لهم بداخلها حتي لا تتكبد الدولة هذه الأموال الطائلة وحتي يتم تحجيم هذه السلوكيات الشاذة.
والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هل حجم العمل في هذه المكاتب يتناسب مع حجم البعثة المرسلة؟ بمعني آخر فالمكتب الثقافي الذي أحكي عنه يقوم علي خدمة عدد محدود من الدارسين( بعثات حكومية وإجازات دراسية) ونشاطه الثقافي يكاد يكون منعدما إلا من بعض الندوات الهزيلة, التي لا يتعدي عدد الحضور بها عشرين فردا معظمهم من أعضاء البعثة المصرية.
وفي النهاية أعود إلي نقطة انطلاقي الأولي انتمائي لوطني ومصريتي جعلتني أعرض علي سيادتكم ما كنت أنا شاهدة عليه...
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
مواطنة مصرية
انتهت الرسالة التي تعرض مشكلة أخري ربما أغلبنا لا يعرفها لأنه لا احتكاك له بتلك المكاتب الخارجية الموجودة لمصر في دول كثيرة بالعالم.. لكن عدم معرفة الأغلبية لما يحدث فيها لا يعني عدم وجود مشكلات بها أو أنها أصبحت بالفعل مشكلات مزمنة!.
أن تكون لنا في الخارج مكاتب ثثقافية وإعلامية وسياحية وتجارية مسألة ضرورية بدون شك.. بشرط!.
أن تكون هناك متابعة ورقابة وتقييم وقياس نتائج لضمان تحقيق هذه المكاتب الهدف الذي من أجله أقيمت وبسببه ننفق عليها بالعملات الصعبة...
للأسف الهدف اختفي لأن أغلبها تحول العمل فيه إلي تكريم لأشخاص وليس تكليفا لكفاءات روعي في اختيارها أقصي درجات الدقة باعتبارها واجهة تمثل الوطن في الخارج...
بالتأكيد أنا لا أقصد التعميم وبلا شك هناك مكاتب تقوم برسالتها لأن فيها كفاءات تعمل لكن المؤكد أنها استثناء لقاعدة هي بكل أسف لم يراع الضمير في اختيارها ولا ضمير أصلا في متابعتها...
لو أن كل مكاتبنا الخارجية تعمل لتحقيق الغرض الذي من أجله أقيمت.. ما كانت الأغلبية في أغلب شعوب العالم تعتقد يقينا أننا بلد مازال يركب الجمال...
إن كان أغلبنا لا يعرف هذه المشكلة التي عرضتها تلك الرسالة.. فإن مسئولينا يعرفونها وقبلوها ورضوا بها وتعايشوا معها مثل بقية مشكلاتنا...
كل ما أريد قوله إن إلقاء الضوء علي هذه المشكلات محاولة لتذكير حضراتكم بواقع قائم موجود.. يكبر ويتأزم ولا نريد أن نراه أو حتي نعرفه...
أحاول ربما تبقي التذكرة في الذاكرة وعندما تنتهي يوما صراعات السلطة وصداماتها...
وقتها نتذكر أننا كنا نغرق نغرق نغرق...
وللحديث بقية مادام في العمر بقية
إبراهيم حجازي
المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.