غدًا.. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المولات التجارية ب القليوبية    باحث: أوروبا تستقطب قادة التنظيمات الإرهابية لهذا السبب    يورو 2024 – تيديسكو: علينا أن نآمن بقدرتنا في الفوز على فرنسا    ثروت سويلم: ليس حقيقي أن الموسم الحالي هو الأخير لعامر حسين    تطورات أحوال الطقس.. شديد الحرارة على القاهرة الكبرى    انتظام حركة القطارات بعد حادث الفردان في الإسماعيلية    بحضور 6 أساقفة عموم.. سيامة 3 رهبان جدد للخدمة الروحية بدير الشهيد مارمينا العجائبي بالإسكندرية    «المؤتمر»: اعتماد الحكومة الجديدة على مخرجات الحوار الوطني كجزء من برنامجها يعزز ثقة المواطنين فيها    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    قتلى وجرحى بالعشرات.. انفجار خط للغاز الطبيعي في مطعم بإزمير غرب تركيا    احتفالات متنوعة لقصور الثقافة بالإسكندرية في ذكرى ثورة 30 يونيو    أشرف زكي يكشف حقيقة وجود الفنانة عواطف حلمي في دار للمسنين    جيش الاحتلال: إصابة 18 جنديا إثر سقوط طائرة مسيرة في الجولان    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    بدء مشروع ميكنة الكلى بمستشفى حميات الزقازيق    وزيرة الثقافة: ثورة 30 يونيو عيد لاستعادة الهوية الوطنية    الإعلان عن فرص عمل شاغرة ضمن النشرة القومية للتوظيف بالقليوبية    تكريم خالد صالح وفتحية العسال وجلال الشرقاوى وأحمد شيحة باحتفالية ثورة 30 يونيو    حقوق المرأة في الزواج وتعدد الزوجات: بين الشرع والفقه    تحذير ل4 أبراج فلكية في شهر يوليو 2024 (تفاصيل)    3 عوامل رئيسية تسبب مشاكل صحة القلب لدى الشباب    أمين الفتوى: لا يجوز الصلاة بالحذاء في هذه الحالة    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    بيريرا ل في الجول: هذا ردي على طلب المقاولون إعادة مباراة بيراميدز    نائب بالشيوخ: الشعب توحدت كلمته وإرادته في ثورة 30 يونيو    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    موعد بداية العام الهجري 1446    رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية لتوسيع عمليات شركة "نوكيا" بمصر    محمد الباز يقدم «الحياة اليوم»    نجم الدنمارك يهاجم حكم مباراتهم مع ألمانيا    إرادة الشعب    استخراج 8 آلاف بطاقة رقم قومي بقوافل الأحوال المدنية في 11 محافظة    رئيس اتحاد البادل يشيد بالنسخة الأولى من بطولة الدوري    تعليم دمياط تعلن جداول المراجعات النهائية فى اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية    انطلاق جولة مفاوضات لتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين في مسقط    رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: مصر تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتوثيق الآثار    ياسمين عبد العزيز تعود للجيم مرة أخرى بعد فترة توقف    مفيدة شيحة عن انتقادات حفل زفاف ابنتها: لو تكرر نفس الموضوع هنرقص ونغني ونعمل اللي إحنا عاوزينه    شوبير يوجه رسالة قوية لجماهير الزمالك بعد غيابها عن مباراة سيراميكا    أحمد شوبير عن استمرار منافسة الزمالك على لقب الدوري: «أديني أمارة يا جوميز»    صور| الأمن يكشف كواليس فيديو استعراض شخص بسيارته على الطرق السريعة    رئيس جامعة المنوفية: بدء اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء معهد الأورام    نتيجة دبلوم تجارة.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 دور أول بوابة التعليم الفني    ياسر حفني أفضل مدرب في بطولة العالم للخماسي الحديث للناشئين    ضبط 388 قضية مخدرات و211 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    مسؤول أممي: الدمار الشديد في قطاع غزة يعرقل عمل الجهات الإغاثية الدولية    أكثر من 15 سيارة جديدة تدخل السوق المصري لأول مرة في 2024    الحوار الوطنى يهنئ الشعب المصرى بذكرى ثورة 30 يونيو    صناعة الحبوب: ثورة 30 يونيو حافظت على أمن الوطن والتوسع في المشروعات القومية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    عبدالغفار يبحث مع «الصحة العالمية» إجراءات حصول مصر على الإشهاد الدولي بالخلو من مرض الملاريا    أبو الغيط يكشف صفحات مخفية في حياة الرئيس الراحل مبارك وتوريث الحكم وانقلاب واشنطن عليه    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة فى إجازة 30 يونيو    أبو الغيط يلتقي وزير خارجية الصومال    بكين: ارتفاع أرباح خدمات البرمجيات والتكنولوجيا 16.3% خلال أول 5 أشهر في 2024    أسعار الخضراوات اليوم 30 يونيو في سوق العبور    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. اليوم الأحد 30 يونيو    إسرائيل تهدد بالعمل على إطلاق سراح أي شخص ستعتقله الجنائية الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمح الليلة
نشر في المصري اليوم يوم 12 - 08 - 2010

جاء الصيف بلهيبه الحارق ليكشف عيوبنا وقصورنا، فقد أدت التغيرات المناخية والبيئية إلى ارتفاع حاد فى درجات الحرارة، حتى تجاوزت فى روسيا 34 درجة وهى درجة لم تحدث هناك منذ أكثر من 130 عاماً، مما أدى إلى اشتعال حرائق الغابات وتهدد محصول القمح الروسى، فاتخذ فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسى، قراراً بحظر تصدير القمح، لأن الفائض لديهم قد لا يفى بالاستهلاك المحلى، ونحن فى مصر أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، وهذا ينعكس- بالتأكيد- علينا.. وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد حاول أن يطمئننا، وقال لا داعى للقلق، وهو كوزير من واجبه أن يطمئن الجمهور، وكشف عن خطة لمواجهة تلك الأزمة،
حيث تم التعاقد مع فرنسا على استيراد ربع مليون طن قمح، وأن أمامنا فرصاً للاستيراد من أسواق أخرى مثل الأرجنتين وكندا والولايات المتحدة. الوزير رشيد أعلن كذلك أن الأزمة سوف تكلفنا مبلغاً يتراوح بين 2.5 مليار جنيه وأربعة مليارات.. لكن فى هذه الأزمة لم نسمع صوت وزير الزراعة ولا وزير الدولة للتخطيط.. إن صح أن هناك تخطيطاً للمستقبل فلا يعقل أن تترك سلعة حيوية إلى هذه الدرجة بعيدة عنا.
ولابد من التذكير بأن مصر زمن الدولة الرومانية كانت أكبر مصدر للقمح فى العالم، حيث كان قمحها يطعم الإمبراطورية كلها وروما تحديداً.. وفى عام الرمادة أرسل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى والى مصر عمرو بن العاص فى كلمات حازمة يطلب منه أن يمده بالقمح، فرد عليه ابن العاص بأنه سوف يرسل إليه مدداً أو قافلة أولها عنده فى المدينة المنورة وآخرها فى مصر،
وربما كانت هناك مبالغة أدبية وخطابية فى الرسالة، لكن معناها واضح وهو أنه كان لدى مصر وفرة فى محصول القمح، وطوال العصر العثمانى كانت مصر ترسل بانتظام القمح إلى الحجاز والجزيرة العربية وإلى الأستانة، وظل ذلك حال مصر حتى العصر الحديث، حيث قام محمد على بإجراء تغيير فى التركيب المحصولى وخطة الفلاح، حيث أدخل زراعة القطن الذى كان يصدره ومن عائده المالى كان يقوم بمشاريعه الإصلاحية التى فى مقدمتها بناء الجيش..
المهم لم يعد القمح هو المحصول الأول لمصر.. ولم يكن فى ذلك مشكلة حيث كان القطن المصرى يدرّ عائداً مالياً ضخماً، ولم تكن هناك مشكلة فى استيراد القمح، كان متوفراً عالمياً وكان سعره محدوداً. لكن منذ سنة 1964 حين وقعت أزمة فى العلاقات بين مصر والولايات المتحدة وضح أن القمح أصبح مشكلة وأنه يمكن أن يكون وسيلة للضغط على مصر لأسباب سياسية، والذى حدث أن مصر كانت تستورد القمح من الولايات المتحدة،
ومع الخلاف السياسى أوقفت الولايات المتحدة تصدير القمح، وتدخل الاتحاد السوفيتى وقتها ليرسل إلى مصر القمح، وظل القطن هو المحصول الأول.. ويمكن القول إن القطن المصرى أتاح لمصر فى سنوات الحرب مع إسرائيل أن تتجنب الكثير من الضغوط.. كانت مصر تصدره للسوفييت وتحصل منهم على السلاح وعلى المعونات الفنية فى بناء السد العالى وغيره، أى أن عدم إعطاء الأولوية لزراعة القمح فى تلك السنوات يمكن أن يكون مفهوماً أو مبرراً.
حين جاء د. يوسف والى، وزيراً للزراعة، حدث انقلاب فى الزراعة المصرية، وجرى عن عمد هدم التركيب المحصولى فى مصر، جرى إسقاط القطن المصرى عن عرشه محلياً وعالمياً، حتى أصبح بعضنا الآن يباهى بالمنسوجات التى صنعت من القطن الأمريكى، وجرى إهدار لزراعة القمح، وتم التركيز على الكنتالوب والفراولة والخيار، وهى محصولات ليست أساسية وتستهلك كميات كبيرة من المياه، لذا نجد أن دولة مثل إسرائيل تفضل استيراد الخيار على زراعته، ورحنا نحن نباهى بأن الأسواق لدينا امتلأت بالكنتالوب والفراولة،
وأن الفلاح المصرى صار يأكل الكنتالوب، حتى الأرض التى تم استصلاحها فى المناطق الجديدة زرعت بالكنتالوب والتفاح، ومن يتابع صفحات المطبخ بالمجلات وكذلك برامج المطبخ يلاحظ أن التفاح صار عنصراً أساسياً فى طبق «السلاطة».. وهكذا أهدرنا المحاصيل الأساسية وفى مقدمتها- الآن- القمح.. وحين وقعت أزمة رغيف العيش قبل عامين، تصورنا أنها جرس إنذار وأننا سنعيد التخطيط ونعيد وضع سياسة للتركيب المحصولى فى الزراعة المصرية.. لكن لم يحدث شىء من هذا.
لابد من العودة إلى سياسة جديدة فى الزراعة، ومقولة إنه لا يمكننا الاكتفاء الذاتى من القمح التى روج لها عدد من السادة الوزراء، تكشف عن خيبة حقيقية، فالعلم لا يعرف المستحيل والخيال السياسى بلا حدود.. كفانا «كنتالوب» وما أشبه، فالشعوب لا تعيش عليه، لكن الشعوب تعيش على ما يكفى احتياجاتها الأساسية، واحتياجنا الآن هو «القمح».. أعرف أن هناك من يستفيد من الاستيراد وعقد الصفقات، ولعل صفقة القمح الفاسد فى العام الماضى التى كشف عنها النائب مصطفى بكرى تؤكد ذلك، لكن لا يجب أن يترك مصير شعب وقدرة وطن رهناً بمسؤولين عاجزين عن التخطيط وبلا خيال أو مستوردين فاسدين يهمهم أن نظل نستورد ليبقى التربح..
والواضح أن القمح قد يكون عنصر ضغط سياسى علينا أو عنصر ضغط بنقل التحولات المناخية، ومن قبل كانت هناك أفكار لاستئجار أراض وزراعتها بالقمح فى كندا أو فى أفريقيا، فى السودان تحديداً، ولم يتجاوز الأمر حدود التصريحات والكلمات.. تحدث أحمد الليثى، وزير الزراعة السابق، فى ذلك وقت أن كان وزيراً، وكان لدى وزير التموين السابق د. حسن خضر تصور فى هذا الأمر، وأشبعه أحمد رجب نقداً وسخرية، أياً كان الأمر فقد كان هناك إدارة للأزمة وتصورات للتعامل معها، أما الآن فلا شىء جاد وحقيقى، وأظن أنه من العار علينا أن يكون محصولنا الأساسى غير آمن على هذا النحو.
كانت الثقافة المصرية والوجدان العام يتعاملان مع القمح باحترام وتقدير خاص، كان هناك «عيد الحصاد».. وهو عيد سنوى لحصاد القمح، كان يتم الاحتفاء به، ثم جرى إهداره باعتباره من بقايا «العهد البائد»، وكان محمد عبدالوهاب يغنى «القمح الليلة ليلة عيده.. يا رب تبارك وتزيده،..» فاعتبر بعض المتقعرين منا أن عبدالوهاب يبرر سوء أوضاع الفلاح.. وجرى ما جرى وها هى النتيجة.. فمصر التى كانت مخزن طعام العالم، وأشاد القرآن الكريم بمحصولاتها وإنتاجها الزراعى- لا تتمكن الآن من إنتاج غذاء شعبها وأبنائها.
وهناك أحاديث عن سوء استهلاك القمح فى بعض المستويات، وذلك صحيح، لكن لدى الدولة المصرية ترسانات من القوانين والتشريعات، ولديها كذلك الأدوات والآليات لمواجهة سوء الاستهلاك إذا أرادت ورغبت.
نعرف أن عدد أفراد الشعب المصرى ازداد زيادة كبيرة، نحن الآن حوالى 84 مليون نسمة، وكنا زمن محمد على 2.5 مليون نسمة، لكن نعرف أيضاً أن العلم تقدم تقدماً كبيراً، إنتاجية الفدان تضاعفت كثيراً عن ذى قبل، وكان لدى الراحل د. أحمد مستجير وأحد تلاميذه مشروع لتهجين محصول القمح بنبات البوص ليتم زراعته فى الصحراء وريه بالماء المالح، حيث إن البوص يمكنه أن يعيش على الماء المالح، ونجحت التجربة، وكانت وزارة الزراعة على علم تام بهذه التجربة وبمشروع مستجير لزراعة الساحل الشمالى كله بالقمح، ماذا تم فى هذا الأمر بعد رحيل مستجير؟ الله أعلم.
الموضوع جاد ولا يحتمل الهذر.. الزراعة المصرية بحاجة إلى رد اعتبار لأهم الزراعات وفى قلبها محصول القمح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.