غدًا.. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المولات التجارية ب القليوبية    باحث: أوروبا تستقطب قادة التنظيمات الإرهابية لهذا السبب    يورو 2024 – تيديسكو: علينا أن نآمن بقدرتنا في الفوز على فرنسا    ثروت سويلم: ليس حقيقي أن الموسم الحالي هو الأخير لعامر حسين    تطورات أحوال الطقس.. شديد الحرارة على القاهرة الكبرى    انتظام حركة القطارات بعد حادث الفردان في الإسماعيلية    بحضور 6 أساقفة عموم.. سيامة 3 رهبان جدد للخدمة الروحية بدير الشهيد مارمينا العجائبي بالإسكندرية    «المؤتمر»: اعتماد الحكومة الجديدة على مخرجات الحوار الوطني كجزء من برنامجها يعزز ثقة المواطنين فيها    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    قتلى وجرحى بالعشرات.. انفجار خط للغاز الطبيعي في مطعم بإزمير غرب تركيا    احتفالات متنوعة لقصور الثقافة بالإسكندرية في ذكرى ثورة 30 يونيو    أشرف زكي يكشف حقيقة وجود الفنانة عواطف حلمي في دار للمسنين    جيش الاحتلال: إصابة 18 جنديا إثر سقوط طائرة مسيرة في الجولان    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    بدء مشروع ميكنة الكلى بمستشفى حميات الزقازيق    وزيرة الثقافة: ثورة 30 يونيو عيد لاستعادة الهوية الوطنية    الإعلان عن فرص عمل شاغرة ضمن النشرة القومية للتوظيف بالقليوبية    تكريم خالد صالح وفتحية العسال وجلال الشرقاوى وأحمد شيحة باحتفالية ثورة 30 يونيو    حقوق المرأة في الزواج وتعدد الزوجات: بين الشرع والفقه    تحذير ل4 أبراج فلكية في شهر يوليو 2024 (تفاصيل)    3 عوامل رئيسية تسبب مشاكل صحة القلب لدى الشباب    أمين الفتوى: لا يجوز الصلاة بالحذاء في هذه الحالة    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    بيريرا ل في الجول: هذا ردي على طلب المقاولون إعادة مباراة بيراميدز    نائب بالشيوخ: الشعب توحدت كلمته وإرادته في ثورة 30 يونيو    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    موعد بداية العام الهجري 1446    رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية لتوسيع عمليات شركة "نوكيا" بمصر    محمد الباز يقدم «الحياة اليوم»    نجم الدنمارك يهاجم حكم مباراتهم مع ألمانيا    إرادة الشعب    استخراج 8 آلاف بطاقة رقم قومي بقوافل الأحوال المدنية في 11 محافظة    رئيس اتحاد البادل يشيد بالنسخة الأولى من بطولة الدوري    تعليم دمياط تعلن جداول المراجعات النهائية فى اللغة الإنجليزية لطلاب الثانوية    انطلاق جولة مفاوضات لتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين في مسقط    رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: مصر تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لتوثيق الآثار    ياسمين عبد العزيز تعود للجيم مرة أخرى بعد فترة توقف    مفيدة شيحة عن انتقادات حفل زفاف ابنتها: لو تكرر نفس الموضوع هنرقص ونغني ونعمل اللي إحنا عاوزينه    شوبير يوجه رسالة قوية لجماهير الزمالك بعد غيابها عن مباراة سيراميكا    أحمد شوبير عن استمرار منافسة الزمالك على لقب الدوري: «أديني أمارة يا جوميز»    صور| الأمن يكشف كواليس فيديو استعراض شخص بسيارته على الطرق السريعة    رئيس جامعة المنوفية: بدء اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء معهد الأورام    نتيجة دبلوم تجارة.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 دور أول بوابة التعليم الفني    ياسر حفني أفضل مدرب في بطولة العالم للخماسي الحديث للناشئين    ضبط 388 قضية مخدرات و211 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    مسؤول أممي: الدمار الشديد في قطاع غزة يعرقل عمل الجهات الإغاثية الدولية    أكثر من 15 سيارة جديدة تدخل السوق المصري لأول مرة في 2024    الحوار الوطنى يهنئ الشعب المصرى بذكرى ثورة 30 يونيو    صناعة الحبوب: ثورة 30 يونيو حافظت على أمن الوطن والتوسع في المشروعات القومية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    عبدالغفار يبحث مع «الصحة العالمية» إجراءات حصول مصر على الإشهاد الدولي بالخلو من مرض الملاريا    أبو الغيط يكشف صفحات مخفية في حياة الرئيس الراحل مبارك وتوريث الحكم وانقلاب واشنطن عليه    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة فى إجازة 30 يونيو    أبو الغيط يلتقي وزير خارجية الصومال    بكين: ارتفاع أرباح خدمات البرمجيات والتكنولوجيا 16.3% خلال أول 5 أشهر في 2024    أسعار الخضراوات اليوم 30 يونيو في سوق العبور    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. اليوم الأحد 30 يونيو    إسرائيل تهدد بالعمل على إطلاق سراح أي شخص ستعتقله الجنائية الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارج دائرة الضوء
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 01 - 2012

سوق البطالة ساوي أطفال الشوارع بخريجي الجامعة رغم أنها بلد شهادات‏!‏ دون مقدمات لظروف المساحة.. اقرأوا معي هذه الرسالة:
تحية طيبة وإكبار للروح الوطنية الأصيلة التي نلمسها فيك.
أستاذنا الكبير..
وسط هذا التلاطم الذي يغرق كل ما هو مسموع ومقروء ومرئي والذي يمزق الوطن ويأخذ بتلابيبه إلي الهاوية, ألا نستطيع أن نقدم بادرة أمل؟!
الملايين من الشباب الذي خرج في25 يناير وما بعدها ليطالب بحقه في حياة كريمة في وطنه يطالب بعمل ومساواة, ماذا قدمنا له؟... كم منهم يجيد حرفة؟... لماذا لا نقدم لهم تدريبا وتعليما تكنولوجيا ونهيئ لهم فرص إقامة مشروع؟ ما الذي يمنعنا ويعيقنا عن هذا؟ يا سيدي لابد من مبادرات شعبية تستوعب آلاف الشباب.
إنني أدعو من خلالك إلي إقامة مؤسسة متكاملة تقوم علي ثلاث نقاط:
النقطة الأولي: إقامة تجمع للعقول المصرية في الصناعة كمؤسسة استشارية الحاليين في الخدمة والقدامي منهم تقدم الخبرة والدعم الصناعي والفني والاستشاري لأبنائنا سواء بتقديم دراسات بمشروعات متكاملة أو استشارية لمشروعات قائمة أو تطهير لمشروعات قائمة.
الثانية: تقدم كلية الفنون التطبيقية مناهجها مع استحداث مناهج جديدة لتقديم التعليم الفني التطبيقي للشباب علي نطاق واسع كدراسات حرة دون قيد, مع استخدام لغة العصر المالتي ميديا في تقديم هذه الدراسة وتكون لها شهادتها المعترف بها( وهناك مركز محدود قائم فعلا للدراسات الحرة بالكلية).
النقطة الثالثة: تقديم استشاريي التخطيط العمراني تجمعات صناعية وتسويقية رخيصة التكاليف لنشر الصناعات الصغيرة بالمدن.
هكذا ننهض بمصر ليس بطلب الاستثمار من الخارج فقط ولكن باستثمار طاقة شبابها وطاقة وإمكانات الأمة.. كم يكلفنا هذا؟
لا شيء إن كل العناصر موجودة ومتوفرة فقط توفر العزيمة والإرادة.
لابد يا سيدي من مبادرات شعبية تستوعب آلاف الشباب تقدم لهم العلم والعمل, ومبادرات تقدم له السكن ومبادرات توفر مصادر غذاء للشعب.
إنني أدعو مؤسسة الأهرام وسيادتكم إلي تبني هذه الدعوة وأتمني أن تقوم الأهرام بدعوة عامة لكل المتخصصين المستعدين للتعاون ذوي الخبرة في الصناعة من تكنولوجيا وتمويل إلي اجتماع عام لوضع خطة تفصيلية وانتخاب مجلس أمناء.
إن تحويل الحلم إلي حقيقة قد يكون بخطوة واحدة منك, وكم هي مصر في حاجة إليها وتاريخك الوطني يسبقك وتوليك مبادرات سابقة أحيت نفوسنا بالأمل كبطولة الغردقة للاسكواش وأرض مطار إمبابة والجزيرة, فأرجو ألا تقبع هذه المبادرة خارج دائرة الضوء.
.وتقبلوا سيادتكم وافر التحية والامتنان
مهندس/ محمد فرج أحمد
انتهت الرسالة وأنا متفق مع سطورها لأنها الحل الأمثل في مواجهة أزمة حقيقية بلا حل.. جزء منها شباب ظروفه جعلت الشارع عنوانه المختار.. وشباب آخر أضاع عمره في التعليم ولا يعمل لأن ما تعلمه لا علاقة له بسوق العمل.. وعليه!.
قبل الكلام في الحل لابد أن نبحث عن جذور أحدي أخطر مشكلات حياتنا وخطورتها أن تضرب في مقتل أعز ما نملك وعندما نصل إلي الجذور سنعرف الأسباب التي فصلت التعليم عن الحياة وحولته إلي مجرد شهادة والأسباب التي قضت علي الحرف وحرمت مصر من ثروة لا تقدر بمال اسمها العمالة الماهرة...
تعالوا من خلال هذه النقاط نتعرف علي بداية الحدوتة ونسير معها إلي نهايتها التي لا تريد أن تنتهي...
1 مصر في الثلاثينات والأربعينات وحتي نهاية الخمسينات واحة فيها كل فنون الحياة.. هي مملكة العمالة الماهرة علي مستوي الشرق الأوسط وأفريقيا في كل المجالات...
ما من شيء نستخدمه في حياتنا إلا ومضمون وله أفضل صيانة وأحسن إصلاح من أعظم عمالة مصرية ماهرة. كل ما هو مصنوع في الخارج.. سيارات كانت أو أجهزة كهربائية له عندنا أسطوات أفضل من العمال الذين صنعوه...
وفي صناعات وأعمال بعينها مثل نجارة الأثاث وأعمال الدهانات الخاصة به وأعمال الفضة والنحاس.. فلا أحد في العالم يضاهي الأسطي المصري فيها.
الأسطي الماهر هذا كان جزءا من الشخصية المصرية التي فيها الباشا والبيه والأفندي والفلاح والعامل الماهر أو الأسطي واللقب وسام علي الصدر لأنه في عالم الصناعة اليدوية يعادل لقب أستاذ كرسي في مجال العلم والجامعة...
لم تكن هناك مدارس لتخريج العمالة الماهرة إنما كانت الورشة أو المحل هي المدرسة والأسطي الكبير هو الناظر والأسطوات الأصغر هم المدرسون والأطفال الصغار في سن القبول بالمدرسة والذين لم يدخلوا أي مدرسة هم التلاميذ في الورشة أو المحل...
من سن السادسة والسابعة وليس أكبر من ذلك يلتحق الطفل الصغير بالورشة...
كل المجالات متاحة.. نجارة وسباكة وكهرباء وميكانيكا وخراطة ودهانات موبيليا ودهانات سيارات ومجالات أخري مثل النحت علي الخشب والفضة والنحاس...
في واقع الأمر الطفل لم يكن يختار مهنته إنما ظروفه العائلية والمكانية هي التي كانت تختار.. وربما يستمر الطفل إن وجد نفسه في هذه المهنة وقد لا يستمر لصعوبة تعلمه أو صعوبة انقياده للأوامر الصارمة وينتهي الأمر بالهروب إلي الشارع والاستيطان فيه أو التوجه إلي مهنة أخري وقد يستمر وربما لا إلي أن تتلاقي الموهبة الموجودة داخله مع المهنة التي هو فيها وهنا تنفك الطلاسم وتبدأ أعظم رحلة لصناعة أستاذ في النجارة أو الميكانيكا أو الدهانات...
الأسطي الكبير والورشة هما مدرسة العمالة الماهرة في مصر حتي نهاية الخمسينات.. وبعدها تغير الحال!.
2 نظام التعليم في مصر تعرض إلي تغيير جذري.. رفعنا شعار مجانية التعليم والشعار المقصود به التعليم الجامعي الذي كانت المجانية فيه للمتفوق. تم إلغاء البكالوريا التي كانت شهادة نهاية التعليم العالي الثانوي وهذه الشهادة هي المرحلة المنتهية للتعليم والحاصل عليها يعمل بها في مختلف الوظائف والمجتمع ينظر له باحترام وتقدير أما التعليم الجامعي فهو مرحلة استثنائية يلتحق بها المتفوق علميا ولديه دوافع التعلم وإذا استمر تفوقه العلمي في الجامعة يتعلم بالمجان وكانت أعداد خريجي الجامعات محسوبة وفق احتياجات المجتمع وخلاصة القول إن نظام التعليم المصري وقتها هو نفس نظام التعليم في كل دول العالم المتقدم حيث الثانوي هو المرحلة المنتهية للتعليم وهذا النظام قائم للآن في أوروبا وأمريكا واليابان ومعظم دول العالم ولعل مصر هي الدولة الوحيدة التي فيها الجامعة هي المرحلة المنتهية للتعليم...
3 باحتلال الثانوية العامة مكان البكالوريا واعتبار الشهادة الجامعيي هي المرحلة المنتهية للتعليم.. بدأت الكارثة!.
الكل يريد الحصول علي الشهادة الجامعية بعدما أصبحت وسيلة وهدفا وغاية المراد من رب العباد...
الشهادة هي الحلم في المنام.. هي الدعاء والرجاء علي كل لسان.. هي الأمل في الحاضر والرجاء في المستقبل.. هي الليسانس والبكالوريوس وأي شيء غيرهما ضياع...
الدولة والإعلام والسينما والأسرة والمجتمع.. جميعهم رسخ هذه الفكرة في القلوب وطبعها علي العقول...
الدولة.. ولا أعرف كيف فعلت هذا وكيف لم تدرك مصيبة ذلك.. الدولة هي التي بدأت سياسة التمييز بين الشهادة الجامعية وما عداها...
قانون الهيئات الرياضية الميت إكلينيكيا من سنين.. لائحته المضحكة صنعت جدارا عازلا بين الحاصل علي الشهادة وبين من حالت ظروفه دون الوصول إلي الجامعة والاكتفاء بالثانوية أو أي دبلوم فني.. الشهادة اعتبروها أحد مسوغات القبول في الأندية وبدونها لا يقبلون أصلا أي أوراق.. ولا أدري سببا واحدا مقنعا يبرر هذا التمييز لمن يحمل شهادة الجامعة أو المعهد العالي وهذا القهر لمن يحمل ثانوية أو دبلوما...
السنوات الأربع جامعة صنعت مسافة شاسعة بين من حصل عليها ومن لم يدخلها.. أصبح هناك مواطن درجة أولي ومواطن درجة ثانية.. الأول بإمكانه أن يتقدم لعضوية أي ناد والثاني نهاره أسود من قرون الخروب لو اقترب من بوابة أي ناد...
الأول بإمكانه أن يترشح لعضوية الاتحادات الرياضية واللجنة الأوليمبية والثاني ممنوع عليه لأنه لا يحمل الشهادة...
4 التمييز بين أبناء الوطن الواحد انحاز إلي أبوشهادة علي حساب كل من هو بدون شهادة.. والذي حدث في الأندية لم يكن سلوكا منفردا إنما انعكاس لحال ومزاج وفكر وثقافة مجتمع انساق بلا فكر وبدون وعي إلي عبودية الشهادة.. وخلال سنوات قليلة أصبحت مصر بلد شهادات...
إياك أن تفكر في التقدم لخطبة فتاة أحببتها وأنت لا تحمل شهادة...
جرب وتقدم واذهب وادخل غرفة الصالون واجلس مع أبيها وشاهد إنصاته وأنت تقول له إنك تكسب وتملك شقة وعندك سيارة ولا أحد في رقبتك من أهلك لأنهم ماتوا...
أبوها تجده مصغيا يسمعك وابتسامة غير موجودة علي الوجه فضحتها عيناه..لكنها لا تعني القبول لأن السؤال الأهم لم يطرح بعد...
ما إن عرف إجابتك عن سؤاله.. تسمع وتري تكشيرة غطت وجهه وطالت قفاه.. تحاول فك طلاسم الغضب وإضفاء الحميمية علي الموقف فتضيف لقب يا عمي لكلامك.. تسمع كلمتين: عمي الدبب.. وتنتهي القصة كلها وأنت تري قرف الدنيا علي وجهه.. قرف لو ترجمته لكلام لوجدته يقول لك: شربت قهوتك.. سمعنا خطوتك...
5 الروايات والقصص والسينما والإعلام.. الكل شارك في صناعة هذا الجدار العازل وذلك التمييز الفاضح إلي أن أصبح الإنسان في مصر قبوله من عدمه متوقف علي الشهادة...
النظرة أصبحت دونية لكل من لا يحمل شهادة والسخرية واضحة في السينما ممن هو بدون شهادة.. والأمر انعكس تلقائيا علي المهن ولم يعد هناك احترام وتقدير للمهنة ومن يعمل بها لأن الاحترام كله للشهادة ومن يحملها...
ضاعت واندهست كل القيم التي تري العمل شرفا وتري كل مهنة محترمة ومهمة ولا غني عنها...
ضاعت هذه القيمة واندهست عندها وصفت السينما البنت التي تعمل في منزل بأنها خادمة وحقرت السينما من هذه المهنة.. ونفس الشيء فعلته السينما في المهن الأخري لمجرد أن أصحابها لا يحملون الشهادة.. ورغم أن المهنة التي أتقنوها وأصبحوا أفذاذا فيها هي أعظم من أي شهادة.. لأنها تنتج وإنتاجها مبهر لأنها متمكنة ماهرة ومثل هؤلاء يمثلون أغلي أجر في العالم...
في مصر شركات بترول أجنبية كثيرة ويعمل بها خبراء أجانب كثيرون.. وأي خبير من هؤلاء يمكن أن تعرف حجمه الوظيفي ودخله المادي من الفيلا التي تؤجرها الشركة علي نفقتها ليعيش فيها...
الأغلبية العظمي من هؤلاء الخبراء لا يحملون شهادة عالية إنما معهمHIGHSCHOOL التي هي عندنا شهادة الدبلوم أو الثانوية العامة...
6 بعدما أصبحت الجامعة هي المرحلة المنتهية للتعليم.. أصبح الحصول علي الشهادة أمرا حتميا وحلما يفوق كل الأحلام...
الذي لا يحصل علي شهادة.. موصوم مقهور مطحون...
الأهم أن تحصل علي شهادة والكل علي يقين أنها لن توفر لك فرصة عمل.. ليس مهما العمل لأن الشهادة أهم...
الغريب أن الدولة أنشأت المدارس الفنية لأجل تخريج العمالة الفنية المتعلمة.. لكن التجربة ماتت يوم ولادتها.. لأن الدولة نفسها هي أول من دفعت الشعب لأجل التعليم الجامعي وهي أول من نظرت بسخرية واستهزاء لكل من هو بدون الشهادة وهي التي وضعت لوائح قوانين كثيرة فيها عنصرية فاضحة منحازة لأبو شهادة..
صلاح جاهين في الأغاني التي كتبها والرسوم الكاريكاتيرية التي رسمها حاول أن يصلح وحاول أن يغير المفهوم الذي رسخ.. لكنه لم يقدر.. لأنه وحده في مواجهة دولة قوانينها فيها تحقير لمن لا يحمل شهادة وسينما تسخر من أي مهنة ومجتمع يري أن عدم إكمال التعليم عار والمحصلة...
توقفت الأسر عن إرسال أطفالها إلي الورش ليتعلموا من صغرهم مهنة تجعلهم فيما بعد أسطوات بحق وعن حق...
كل أسرة حريصة علي إرسال أطفالها إلي المدرسة للتعلم وهذا أمر رائع ولابد أن يكون حتميا فيما نعرفه بالمرحلة التعليمية الإلزامية.. والإلزام هنا علي الدولة في توفير المدارس والمدرسين لأجل تعليم كل طفل وطفلة في المرحلة الابتدائية.. وأيضا الإلزام هنا علي الأسرة بحتمية أن يخوض الطفل هذه المرحلة ليتعلم القراءة والكتابة.
المشكلة أن جزءا من هؤلاء الأطفال تسربوا من هذه المرحلة لأسباب أهمها أن إمكاناتهم وقدراتهم العقلية والنفسية تؤهلهم للنجاح في أمور ليست العملية التعليمية من بينها!. قدرته علي التركيز في العملية التعليمية قليلة.. بينما قدرته علي تعلم مهارة في رياضة أو مهارة في مهنة مرتفعة...
في الدول المتقدمة المرحلة التعليمية الإلزامية هي لمحو أمية الأطفال وتعليمهم القراءة والكتابة.. والتعرف علي قدراتهم وإمكاناتهم من خلال ممارسة الأطفال الأنشطة وفي نهاية المرحلة الإلزامية.. تكون المدرسة والأسرة علي معرفة بالطريق الصحيح الذي سيسلكه كل طفل..
هناك العمالة الماهرة يصنعونها في المدرسة.. وعندنا العمالة الماهرة توقف إنتاجها في الورش وفشلنا في تقديمها من المدرسة بفعل تحولنا إلي بلد شهادات...
7 الذين تسربوا من التعليم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية.. واحد منهم في كل ألف من نجح في تعلم مهنة يعيش منها والباقي فشل في التعلم والفشل منطقي لأنه راح يتعلم مهارات مهنة في سن متأخرة وهذا صعب لأن المهارات يتم إتقانها في المرحلة المبكرة من العمر والنتيجة...
أطفال الشوارع.. الذين لن يعيشوا العمر أطفالا.. تحولوا إلي شباب شوارع ثم رجال شوارع.. ونحن نتكلم عن أرقام كبيرة لهم حقوق علينا ومستحيل أن نطالبهم بواجبات.. وأي واجب ننتظره من إنسان يتمرمط في الشوارع من سنين ولم يسأل مخلوق فيه!.
أطفال وشباب الشوارع هؤلاء.. موجودون في كل دولة وهم مشكلة وكل مشكلة لها حل.. لو هناك من يريد فعلا الحل!.
في أمريكا ووقت كانت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي علي أشدها.. كان السوفيت متفوقين باكتساح علي الأمريكان في رياضة البطولة.. والسوفيت يكتسحون بفارق شاسع الميداليات في الدورات الأوليمبية.. فماذا فعل الأمريكان؟.
أطفال الشوارع وجدوا فيهم غايتهم وهدفهم.. أطفال.. الظروف خلقت داخلهم صلابة هائلة ولا شيء يشغلهم إلا الحصول علي قوت يومهم...
أخضعوا هؤلاء الأطفال إلي اختبارات رياضية وطبية وقياسية وكل من اجتازها خلال سنوات كان بطلا أوليمبيا!.. حولوا أطفال الشوارع إلي أبطال عالم.. لأن حافز الإجادة داخل كل طفل لكن الطفل وحده لا يعرف ولا يقدر...
أطفال الشوارع عندنا تركناهم إلي أن أصبحوا فعلا قنابل موقوتة رأيناها تتفجر تباعا خلال الأشهر الماضية التي استغل فيها البعض هؤلاء الأطفال الكبار والشباب الصغير.. استغل معيشتهم في الشارع دون رعاية ودون أسرة ودون حب ودون مشاعر ودون فلوس.. استغلوا هؤلاء وحدث ما حدث من هذا الشباب الصغير ويقيني أنه ضحية لا متهم..
هذا الشباب لابد أن نمنع تزايده بعد أن عرفنا الأسباب.. وهذا الشباب هو أول من نبدأ به ليس تفضلا أو تعطفا إنما إلزاما منا وعلينا.. نبدأ به ونأخذ بيده ونستميت لأجل أن نعلمه أي مهنة لا تتطلب مهارات صعبة.. نعلمه لأجل أن يعود إلي نفسه وإلي المجتمع من خلال عمل نوفره له ويقوم به...
8 وصلت إلي النقطة الأخيرة وهي الإصلاح الجذري للمشكلة.. مشكلة آلاف الشباب سنويا يحصلون علي شهادات جامعية.. وعشرات فقط منهم من يجدون عملا حقيقيا منتجا وفرته شهاداتهم التي يحملونها...
مطلوب وفورا أن تكون الثانوية والدبلوم المرحلة المنتهية للتعليم مثل سائر خلق الله وأن نعيد لها النظرة المحترمة.. وتلك أول خطوة في إصلاح التعليم ليقدم خريجين مؤهلين للعمل في الوحدات الإنتاجية وليس الجلوس علي مكاتب..
وإلي أن يحدث هذا.. مطلوب وفورا تطبيق المقترحات الثلاثة التي أشارت لها الرسالة لأجل نزع فتيل قنبلة مدمرة اسمها البطالة.. وقانا الله شرها...
المزيد من مقالات ابراهيم حجازى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.