مع اقتراب الإعلان عن تشكيل حكومة وفاق وطني ليبية برعاية دولية كما أعلن برناردينو ليون مبعوث الأممالمتحدة لدي ليبيا، ازدادت التساؤلات حول فرص نجاح تلك الحكومة التي تأتي بعد عملية « ولادة متعثرة « استغرقت قرابة عام من المفاوضات والمباحثات التي ضمت معظم أطراف الصراع ، وذلك بعد سلسلة من الانسحابات و التوقفات التي شهدتها تلك المفاوضات الصعبة. فما بين حكومتين إحداهما شرعية وأخري ترفض الاعتراف بذلك، وبرلمانين يحملان نفس الأزمة ، وجيش وطني _ معترف به دوليا _ يأمل في رفع حظر السلاح عنه، ووضع اقتصادي هش، وموجة نزوح داخلية، وأزمة المهاجرين غير الشرعيين، وموجة الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تضرب البلاد وما تبعها من انتشار السلاح في يد الجميع، والنزاعات القبلية، تجد الحكومة الليبية الجديدة نفسها أمام مجموعة من التحديات، يستطيع تحد واحد منها إسقاط حكومة في أكثر الدول تقدما، فما بال ليبيا التي تعاني منذ ثلاثة أعوام منذ قيام الثورة الليبية في فبراير عام 2011 من نقص في كل شيء بداية من السلع الغذائية وحتي البترول مصدر دخلها الأول. ولعل تقرير الأممالمتحدة عن تدهور الوضع الأمني في ليبيا هو أول دليل علي أكبر تحد يقف أمام الحكومة الليبية الجديدة، حيث أشار التقرير الذي صدر في مارس الماضي ، إلي تصاعد العنف المسلح في الداخل الليبي مما أدي إلي مقتل 2825 شخصاً وإجبار ما يزيد علي 394 ألف شخص علي النزوح داخليًا من منازلهم، وتدهور الحالة الأمنية بشكل ملحوظ في مدن بنغازي ودرنة. وعلي الرغم من نجاح جهود المصالحة بين بعض القبائل الليبية إلا أن دعوات التقسيم منذ قيام ثورة فبراير وعلي رأسها دعوات الفيدرالية ، وانقسام الليبيين بعد ذلك بين حكومة طبرق الشرعية وبرلمانها ، وحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا ومجلس نوابها ، وما تبع ذلك من خلافات واشتباكات بين الحكومتين ، هذا بالإضافة الي الصراعات القبلية التي تحولت بعد ذلك إلي صراعات سياسية بسبب انتماء بعض تلك القبائل إلي نظام القذافي، كل ذلك يشكل عقبة جديدة امام حكومة الوفاق الوطني التي عليها أن تتصدي إلي هذا الانقسام الواضح والصريح داخل المجتمع الليبي والذي يحتاج إلي نظرة عميقة وجهد لا يستهان به لتقليل حدة هذا الأنقسام و كسب ثقة الجميع. التحدي الآخر، أمام الحكومة الجديدة هو قدرتها علي كسب ثقة المجتمع الدولي وهو ما لن يتم إلا بعودة الاستقرار داخل الشارع الليبي وقدرة تلك الحكومة علي السيطرة علي حركة الهجرة غير الشرعية وسواحلها الممتدة ، فليبيا دولة عبور أو ( ترانزيت ) يتسلل إليها المتطرفون عبر الحدود المفتوحة كمحطة للتدريب ثم الانطلاق نحو أماكن أخري،كذلك الراغبون في الهجرة نحو أوروبا، لذا لابد من تعاون أمني واستخباراتي وتقني مع كل الدول المتضررة من الإرهاب والهجرة لتتمكن الحكومة الليبية الجديدة من ضبط الحدود البرية والشواطئ . أما مشكلة الجماعات الارهابية، فهي العقبة الأخطر أمام تلك الحكومة ، حيث أن الانفلات الأمني الذي ساد المناخ الليبي خلال الاعوام الثلاثة الماضية أدي إلي تنامي نفوذ تلك الجماعات، هذا بالإضافة إلي الدعم الذي تتلقاه بعضها من دول بعينها من سلاح يحاول الجيش الليبي قطع إمداده، والمشكلة هنا تكمن في ضعف تسليح الجيش بقيادة الفريق خليفة حفتر والذي دعا أكثر من مرة الي رفع حظر السلاح عن جيشه حتي يتمكن من التصدي الي تلك التنظيمات وعلي رأسها تنظيم داعش الارهابي. وهنا يأتي دور الحكومة الجديدة التي عليها أن تقدم للمجتمع الدولي ضمانات لفتح الباب لإعادة تسليح الجيش الليبي مع التأكيد علي ضمان عدم وصول هذا الاسلحة إلي تلك التنظيمات الارهابية . أما الوضع الاقتصادي، فهوليس أحسن حالا من مثيله الأمني ، فهناك نقص في السلع الأساسية وتأثر في حركة التجارة نتيجة للتقسيم السياسي الذي تحدثنا عنه سابقا، هذا بخلاف التدهور الذي أصاب قطاع البترول بعد التوقف الذي شهدته مصافي البترول التي وقع بعضها في ايدي الجماعات المسلحة وما تبعها من انهيار لسعر العملة المحلية أمام العملات الدولية. عنصر آخر قد يقف عائقا أمام تلك الحكومة، وهو انها جاءت بإشراف من الأممالمتحدة بعد خلافات كبيرة نشبت حولها واثناء تشكيلها، حيث اتهم برناردينو ليون مبعوث الأممالمتحدة لدي ليبيا بانحيازه اثناء التشكيل لحكومة طرابلس وهو ما ظهر في ما ردده البعض من إدخاله لتعديلات علي نص الاتفاق السياسي بناء علي طلب من وفد حكومة طرابلس خلال الجولات الأخيرة من مفاوضات الصخيرات، دون أن يطلع بقية أطراف الحوار بمن فيهم وفد طبرق علي تلك التعديلات ، وهو ما ينذر بخلافات كبيرة متوقعة بدأت أولي نذرها في اعتراضات السياسيين وقادة الجيش والميليشيات، وأيضا في المظاهرات الرافضة لحكومة الوفاق في كل من طرابلسوبنغازي علي حد سواء.