شعرة معاوية تلك التي تفصل فيما بين الرغبة في إبداء الرأي والاحتجاج وبين التخريب والتدمير للوصول إلي هذه المطالب.. ولكننا علي الجانب الآخر ويتفق معنا الكثيرون نراها جدارا عازلا وخطا فاصلا فيما بين كليهما.. فالأول حق مشروع كفله الدستور للمواطن ومن قبله كفلته كل الشرائع السماوية والأديان علي اختلافها.. ولكن الثاني ليس حقا ولكنه جريمة تهتز لها أرجاء الوطن وتروع الآمنين وهي أبعد ما تكون عن الشرعية بشقيها الديني والمجتمعي.. وسواء اتفقنا أو اختلفنا علي وجود أجندات خارجية تحرك مثل هذه الأعمال المشينة.. فلاخلاف علي أن الواقع يؤكد أننا في كارثة بكل المقاييس تعبر عن نفسها في صورة أرقام الخسائر الجسيمة الواردة في سطور هذا التحقيق الذي لا يتناول الشق الاقتصادي فقط للأزمة ولكن الاجتماعي والنفسي وآراء المواطنين أنفسهم.. يوضح يحيي الجابري محاسب بأن الإنسان الذي يقوم بتدمير وطنه ومنشآته الحيوية هو مريض ويفتقد الانتماء للوطن وبعض المخربين من البلطجية وتحت تأثير المخدر أو حبوب الهلوسة أو المأجورين أو علي الأقل يعانون من ظروف سلبية في حياتهم. وإن كان لابد أن نتأكد أن هناك عناصر مهمشة في المجتمع مثل سكان العشوائيات والمقابر المحرومين من أقل الحقوق, وقد حذر المتخصصون من أنهم قنابل موقوتة في المجتمع وبمجرد أن وجدوا الفرص السانحة والانفلات الأمني تحركت مشاعرهم الغاضبة تجاه المجتمع لتدمير كل شيء. وتوضح سوسن يوسف محامية ومدير إدارة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء أن تدني الأخلاق واستغلال الانفلات الأمني لاخراج الطاقات السلبية والتعبير عن الغضب بشكل يؤثر علي مستقبلهم منساقين لشعارات رنانة ويشعرون بأنهم ينتقمون من المجتمع في الوقت الذي ينتقمون فيه من أنفسهم لأن ما يحطمه من منشآت مثل المجمع العلمي أو الاستاد أو تحطيم قطبان السكة الحديد.. هذا دليل علي الجهل ونقص الوعي واعتقاد خاطئ بأن التدمير هو الحل الوحيل لحل كل مشاكله ويتناسي أن المدرسة هي ملكه والاتوبيس هو أيضا ملكه, واعتقد ان تحقيق أهداف الثورة, هو السبيل الوحيد للقضاء علي هذه الظواهر السلبية. ويقول د.محمد منصور طبيب صيدلي يجب أن ألا نظلم الشعب المصري بالكامل ونقول انه تحول الي مخربين وغوغاء ولكن يجب أن نعلم أن في كل الثورات تحدث بعض السلبيات واستخدام البعض للثورة لتحقيق أهداف دنيئة أخري وقد فلح البعض في تحقيق ذلك. ولابد أن تقوي يد الدولة وبشكل سريع حتي ينتهي الانفلات الأمني. دينا الدهان أم وربة منزل تري أن عدم تحقيق أهداف الثورة والتلاعب في تحقيق المطالب الشعبية تجعل البعض يستغل هذه الأخطاء والصراعات السياسية في إثارة المواطنين الغاضبة وتوجيهها لتدمير بعض المنشآت الحيوية لمآرب خاصة قد تكون خارجية لإظهار مصر بأنها خارج السيطرة وهناك جزء اخر ينقاد دون وعي. الآثار الاقتصادية د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد والعميد السابق لأكاديمية السادات للعلوم الادارية يشير إلي أن إجمالي الخسائر قدرت منذ بداية الثورة في يناير1102 حتي الآن ب003 مليار جنيه ولا شك أن الخسارة المباشرة قد تكبدها قطاع السياحة بشكل مباشر حيث وصل إجمالي خسائره الي5 مليارات دولار بما يعادل03 مليار جنيه, وكذلك انخفض الاستثمار الأجنبي01 مليارات دولار بعد هروب العديد من الاستثمارات التي حققت خسائر حوالي002 مليار جنيه بالاضافة إلي انه لأول مرة تشهد مصر عبر عصورها التاريخية هذا العجز الصارخ في الموازنة العام حيث وصل الي441 مليار جنيه وهو رقم غير مسبوق علي الاطلاق في مصر.. وعلي الجانب الآخر فقد ارتفع معدل الغلاء الي21% علي الرغم من أنه قبل الثورة لم يتعد حاجز ال8%!! ويشير الخبير الاقتصادي إلي أن هذه الأرقام المخيفة والمزعجة تعبر بالفعل عن واقعنا الحالي وجاءت ترجمة طبيعية لكل صور العنف والتخريب التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية.. وفي هذه الحالة يتأثر الاقتصاد سلبيا وتهتز صورة مصر أمام العالم الخارجي ويتأثر مناخ الاستثمار سلبيا بما يمنع المستثمرين من توجيه أموالهم الي مصر خلال الفترة الحالية وكذلك إحتجاز السائحين والاعتداء عليهم وعلي السيارات التي تقلهم والاستيلاء علي ممتلكاتهم مما يؤدي الي أن تحذر الدول رعاياها من المجيء إلي مصر.. ناهيك عن التعطيل المتعمد للعمل والانتاج والمتمثل في إضراب العمال كما حدث بالنسبة لهيئة النقل العام وهو الأمر الذي تكبدنا من ورائه خسائر تقدر ب01 ملايين جنيه تقريبا خلال فترة الاضطراب!! وهو ما يتجسد في تراجع الدخل القومي نظرا لتوقف دورات الانتاج والخدمات المقدمة للمواطنين.. ولذلك فإنه لا وجه للاستغراب اذا وجدنا أن معدل نمو الدخل القومي يتراجع الي8.1% علي الرغم من أنه كان من المتوقع في العام الماضي أن يصل الي6.3%.. وبالقطع لم يتحقق ذلك نظرا لهذه الأحداث.. ويجب ألا نغفل ما حدث من تسريح للعمالة في قطاعات مختلفة والذي تواكب مع هروب العديد من الاستثمارات مما أدي بالقطع الي ارتفاع معدلات البطالة لتتجاوز02%. وتؤكد الدكتورة سميحة نصر دويدار رئيس شعبة بحوث الجريمة والسياسة الجنائية بالمركز القومي للبحوث الأجتماعية والجنائية العلم أن حق التعبير مكفول لكل مواطن مصري ولكننا في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة فنحن يوميا نخسر اقتصاديا الكثير والكثير مما يسمح لأعداء الثورة باغتنام الفرصة لهدمها وتساءلت ما فائدة الاحتجاج في ظل ظروف اقتصادية متدنية؟! إننا حاليا في حاجة إلي تكاتف كل قوي الشعب وجميع طوائفه من أجل تحقيق هدف عام وهو استعادة مصر والحفاظ علي كيانها حتي ترجع أقوي مما كانت وهو الهدف الحقيقي من قيام ثورة52 يناير أن مصر في حاجة إلي بذل الجهد في العمل والصبر والمثابرة والأخلاص وليست في حاجة الي احتجاجات فئوية أو مطالب أو مطامع أو تخريب. لقد صبرنا أكثر من03 عاما فلماذا لا نصبر بعض الوقت حتي نجني ثمار محاولات إصلاح الفساد والنهوض بالبلاد. ويجب أن يعي المجتمع أن ما نعانيه حاليا لا يعد عنفا لأنه غير مصحوب بسحق للدماء كما حدث بعد الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية فكلاهما رافقهما عنف ممثل في حروب دامية وإبادة جماعية ولكن ما يحدث حاليا من بلطجة أو إحتجاجات أو عنف تفاعلي من جماعات مضادة لبعضهما البعض عن طريق الشعارات أو الضرب لا يوصف بالعنف الدموي حتي أننا أفضل حالا من بعض ثورات الربيع العربي ففي ليبيا وسوريا تم حمل السلاح. وتقول الدكتورة سالي مهدي مدرس علم الأجتماع السياسي بالجامعة البريطانية هناك فرق كبير بين حق المواطن في الأحتجاج والتظاهر وبين التخريب فمن حقوق المواطنة إبداء الرأي والاعتراض علي طريقة معاملة ما أو الدفاع عن قضية ما طالما أن الإحتجاج يأخذ شكلا سلميا ويتناول قضية موحدة تم الأتفاق عليها ويحق للمتظاهرين رفع اللافتات علي الا تتضمن عبارات سيئة أو خارجة عن حدود اللياقة أو تتضمن إهانات وتعد المظاهرات والأحتجاجات من مظاهر الدول التي تنتمي إلي الديمقراطية أو تعمل علي تفعيلها لأن الديمقراطية هي ممارسة الحقوق دون الأضرار بحقوق الغير فحرية الفرد تقف عند بداية حقوق الآخرين ويعد حظر حق التظاهر أو الاحتجاج عن المواطنين أسلوب يندرج تحت الديكتاتورية. ولكن ما يحدث الآن من تخريب لبعض المؤسسات أو تعد علي حقوق ومصالح المواطنين فذلك لا يعد ممارسة للحقوق بشكل ديمقراطي ولكنه تخريب من شأنه إسقاط دولة وليس إسقاط نظام وهو الأخطر. والتخريب يجب القضاء عليه من خلال الآليات القانونية وفي عهد وزارة الدكتور عصام شرف تم تجريم التخريب والأضرار بمصالح الدولة والأفراد وهذا عهدنا مع التشريعات القانونية التي يتم سنها فهي قوانين جيدة في مظهرها ولكنها غير مفعلة علي أرض الواقع بالشكل المطلوب وإذا وجدت فيتم تطبيقها بشكل إنتقائي وكيل بمكيالين مما لا يحقق العدالة, لذلك يجب أن تفعل الدولة آلياتها للحد من العمليات التخريبية خاصة الأمن الداخلي الممثل بوزارة الداخلية التي تحتاج في الوقت الراهن إلي التدعيم والمساندة حتي يمكنها القيام بواجبها بالشكل المطلوب. وتضيف الدكتور سالي مهدي إن انعكاس الصورة حاليا عن الفترة الخاصة بال81 يوما التي قامت فيها ثورة52 يناير والتي تم تعريفها بأخلاق الميدان هو شكل طبيعي لما يحدث بعد الثورات إذا لم يكن هناك تفعيل لقوي الشعب ولكن ما حدث من تفتيت للقوي الشعبية والمقصود هنا القوي الشبابية وإنضمامها لعدد كبير من الائتلافات ومحاولات الاستقطاب من جانب( الفلول) القائمين علي السلطة في الحكم السابق للدفاع عن وجودهم ومصالحهم وإلي جانب ذلك المظاهرات الفئوية. بالتعبير عن الغضب الموجه أسقطنا رأس النظام, ولكن الحالات المتواترة من الغضب غير الموجه, ولدت التخريب خاصة أن التجمعات والمظاهرات تقودها مع الحماسة سياسة القطيع, وفي حالة وجود عناصر مندسة لا تهمها مصلحة البلاد تظهر صور التخريب والتدمير المتعمد من جانب البعض وغير المقصود من البعض الآخر. وتري الدكتورة سالي مهدي أن الحل الآني في الفترة الراهنة ينصب علي ضرورة بذل الجهد لحل المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع باختلاف طبقاته, وليبدأ لحل بالتركيز علي الطبقة الوسطي والطبقة الدنيا, وذلك من خلال تقديم مساعدات مادية وعينية حتي نحصل علي فترة من الاستقرار نستطيع من خلالها تطبيق سياسة الاختيار الصحيح, وفي أجل متوسط تقدر علي استجماع قوانا من جديد مما يضعنا علي قائمة الدول المتقدمة, وليس النامية لأنه بالرغم من الحالة التي نعانيها حاليا الا اننا, وبالمقارنة بوضع مصر ووضع بعض الدول التي قامت فيها ثورات علي مستوي العالم نعد أفضل حالا, والدليل علي ذلك مراجعة ما حدث في أمريكا اللاتينية بعد قيام ثوراتها من حالات سلب ونهب وقتل وفساد.