من كان يصدق أن تنقلب الأمور لتصل إلي أن تكون عودة عمر سليمان للظهور هي السبب في عودة الثورة مرة أخري الي الوجود؟ كان لابد أن يرحل ومعه صندوقه الأسود الذي أضاف إليه أسرارا.. كيف جاء؟ وكيف ذهب؟ ولماذا جاء ولماذا ذهب؟ وهل جاء ليذهب وإلي الأبد؟ كان لابد أن يرحل لأنه كاد يكون هو السبب في اشعال ثورة جديدة لا تبقي ولا تذر, لأول مرة منذ قيام الثورة يخرج الشعب في استفتاء شعبي ليقول لا للنظام القديم, لأول مرة تتغير المعتقدات الثورية لأهل السلطة ومن حولهم الذين كانوا يتصورون أن الثورة علي وشك الزوال, فإذا بهم يكتشفون أن الثورة لم تمت, لأول مرة يتحول البرلمان المنشق حول تأسيسية الدستور الي برلمان الاجماع علي عزل سليمان أو ما يشبه الاجماع اذا استثنينا القلة القليلة من أبناء سليمان الذين أطلق عليهم بعض النواب أنهم أبناء سلول تحت القبة, بعد أن ابدعوا في النفاق الي درجة أنهم اتخذوا من الهجوم علي سليمان وسيلة احتيالية لمنع صدور قانون يمنع ترشيحه, لأول مرة ومنذ قيام الثورة, تنتصر الشرعية الثورية علي الشرعية الدستورية تحت القبة, وكان المستشار الخضيري هو البطل الذي أفحم الحكومة المغلوبة علي أمرها عندما عقد مقارنة فارقة بين ما فعله الشعب المصري العظيم مع مبارك بعد ثورته, وبين ما فعله الشعب الليبي في القذافي بعد ثورته.. لأول مرة يعلن الكتاتني أن اليوم هو يوم المصالحة مع الثورة وقد بدأ بنفسه حينما اعتذر للنائب مصطفي النجار, علي ما بدر منه من انفعال.. لأول مرة تتأزم الأمور لتضع الكتاتني علي المحك.. هو وحده الذي سيتحمل هذه المرة مسئولية فشل البرلمان في إصدار قانون علي وجه السرعة لمنع عمر سليمان من ترشيح نفسه قبل أيام معدودات من غلق باب الترشيح.. لكن ماذا يفعل والوقت يداهمه بعد أن انهالت عليه اقتراحات بتعديل القانون بلغت149 تعديلا علي قانون من مادتين.. كان يمكن للكتاتني الاكتفاء بالتعديلات المهمة وغلق باب المناقشة والموافقة علي القانون وأيضا للأفراج عن الأعضاء الذين قضوا ليلة الخميس لأول مرة تحت القبة.. لكن الكتاتني قرر الاستمرار في عرض الاقتراحات حتي ولو بات الأعضاء بالمجلس.. وتشاء الأقدار ان يتسرب خلسة اقتراح خطير وافق عليه المجلس في دقيقة وهو ادراج وزراء مبارك في قائمة المعزولين سياسيا.. لكن زعيم أغلبية حزب الكتاتني حسين ابراهيم أعلن استخدام الفيتو الأخواني ورجع المجلس في كلامه ووافق علي استثناء الوزراء ثم هبطت نظرية المؤامرة علي القاعة.. لماذا حرص الأخوان علي استثناء الوزراء من العزل سياسيا؟ هل هم يريدون عمرو بدلا من عمر ليكن رئيسا احتياطيا لمرشحهم أيا كان؟ أم أنهم اكتشفوا أن القانون يمكن أن يطول المشير؟ ومع احترامنا لكل نظريات المؤامرة التي هي في الغالب لا تكون من فراغ.. لو كان البرلمان قد وافق علي قانون يمكن أن يعزل المشير لكان قد سقط سقطة تاريخية لا لشيء إلا لأنه كان سيساوي في العزل بين من كان العدو الأول للثورة وبين من كان الصديق الأول الذي حمي الثورة.. عندما نسلط الأضواء علي الفرز البرلماني الجديد الذي تشكل في ظل أزمة استثنائية يأتي في المقام الأول البرلماني الواعد عصام سلطان ممثل حزب الوسط, الذي أخذ زمام المبادرة واستخدم سلاح التشريع في قيادة البرلمان لمقاومة ترشيح عمر سليمان, مما عكس دورا قياديا جديدا للحزب برئاسة أبوالعلا ماضي, الذي أكد مصداقيته الثورية حينما لم يكتف بالمبادرة القانونية, وإنما جمع مرشحي الثورة لتوحيدهم خلف مرشح واحد, بل أكثر من هذا مارس عصام سلطان حقه في الملاحقة الجنائية لعمر سليمان, بعد الملاحقة السياسية له بالعزل.. واذا كان للاخوان فضل الموافقة علي القانون, فإن حزب الوسط كان له فضل المبادرة.. أما البطل الثاني فهو الدكتور عمرو حمزاوي, الذي تغلبت ثوريته علي أيديولوجيته ولم يراهن علي عمر سليمان مثل آخرين بل أثبت براءته من تهمة أنه كان أول فائز في انتخابات مجلس الشعب بسبب أوامر من القبة.. والحقيقة أن كل النواب بجميع انتماءاتهم سجلوا في مضبطة تاريخية الوقائع التي يمكن أن تشكل وثيقة اتهام تطعن في عمر سليمان.. الثورة تنتظر من الاخوان أن ينتقلوا وبكامل هيئتهم البرلمانية الي الميدان ليكون محل الاقامة الجديد للبرلمان.. أما القرار الذي يجب أن يتخذوه فورا هو الاستجابة لنداء حمدين صباحي بسحب مرشح الاخوان ومساندة مرشحي الثورة, حتي ولو كان من بينهم من صدر قرار بفصله.. دقت ساعة العمل الثوري التي تفرض أيضا علي الليبراليين المتشددين الكف عن الهراء.. ولا يعقل أن تطلق الأعيرة النارية علي من يرفعون شعار حماية الثورة حتي ولو كانوا قد ارتكبوا جرائم يكفي أنهم عادوا.. الي الثورة وهي بهم في الحقيقة لها مذاق آخر.. وعلي الجميع أن يخلع البدل والجلاليب الحزبية استعدادا ليوم تقرير مصير الوطن في الانتخابات الرئاسية.. ملحوظة يبدو أننا علي أبواب مرحلة دستورية ضبابية جديدة.. دشنها المشير عندما اشترط الانتهاء من وضع الدستور قبل انتهاء الفترة الانتقالية, ليتولي الرئيس الجديد منصبه وفق الدستور الجديد.. هذا يعني أن المشير يعود الآن ليقول نعم للدستور أولا.. ولا انتخاب للرئيس إلا بعد تحديد اختصاصاته في الدستور رغم أن اختصاصاته محددة في الاعلان الدستوري لكن بالطبع سوف يكون أمرا صعبا أن يتسلم معالي رئيس الجمهورية المدني الجديد اختصاصات رئيس الجمهورية العسكري.. إذن ما العمل والخبراء يؤكدون صعوبة إن لم يكن استحالة إعداد الدستور والاستفتاء عليه قبل انتهاء الفترة الانتقالية.. فقط نحن نسأل: هل صحيح أن هناك تفكيرا للخروج من المأزق الدستوري الذي تسبب فيه البرلمان طوعا أو كرها في انتخاب رئيس مؤقت تكون مهمته بعد انتخابه هي إعداد الدستور, وهو هنا ليس بحاجة الي تحديد اختصاصات فهو رئيس مؤقت.. السؤال أخيرا هل ستجري الانتخابات الرئاسية في موعدها؟ أم أنه سيتم تأجيلها للضرورة؟ المزيد من مقالات محمود معوض