من السابق لأوانه الحكم علي برلمان لم يمض علي انعقاده سوي شهر أو أكثر .. إلا أن الممارسة البرلمانية لأغلبية نوابه تكشف ولأول وهلة أن هذا البرلمان ليس برلمان الثورة.. هو برلمان الاسلاميين الذين ابتعدوا عن الثورة بذات المسافة التي اقتربوا فيها من السلطة. ولم لا يكون هو البرلمان الانتقالي المؤقت الذي تم انتخابه علي عجل وقبل الدستور ليكون الجسر الشعبي للعبور إلي ولاية انتقالية جديدة؟ وبرغم أن البرلمان أعلن أنه جاهز للحل بعد الطعن بعدم دستوريته, وأنه جاهز لتشكيل حكومة جديدة بعد الطعن بعدم أهليته, إلا أن المجلس العسكري لن يحل البرلمان ولن يسمح له بتشكيل الحكومة ولن يسمح بسحب الثقة من الجنزوري, يكفي البرلمان أنه واجهة منتخبة كان لها الفضل في حجب صوت الثورة واسقاط حجة الثوار الذين قال لهم الشعب لا لأول مرة في يوم العصيان المدني.. والفضل للبرلمان الذي هيأ المناخ لتحويل العصيان المدني إلي استفتاء شعبي قال فيه الشعب نعم جديدة للمجلس العسكري الذي عبر وقتها عن فرحة غامرة في عبارات ناصرية وجهها للشعب تقول نصا:قلت كلمتك في استفتاء جماهيري حاشد رفضت العصيان لتثبت أنك المعلم فمنك نأخذ القدوة وبك نستمد العزم وعلي هدي خطاك نستلهم الطريق انتهي ولا تعليق..وقبل أن يتبرأ الجميع من الفضيحة علي حد تشخيص مانشيت الشروق كان البرلمان هو كبش الفداء لكن الذبح تم بالطريقة الأمريكية التي اختصت الاخوان بالشكر علي ما بذلوه من جهد من أجل تهريب أبنائهم برغم أنف القضاء. وحتي لا نكون متحاملين انظروا ماذا فعل البرلمان وهو يتصدي لأول مرة لقضية شفافية ونزاهة الانتخابات الرئاسية وما أدراك ما هي الانتخابات الرئاسية.. كل المؤشرات تقول: انه أصبح ممكنا الآن أن يكون رئيس الجمهورية الجديد من الفلول. والأخطر هو عودة الطرف الثالث وبقوة إلي الانتخابات الرئاسية بعد أن غاب في انتخابات مجلس الشعب. ولأول مرة نري اغتيالات سلمية للمرشحين مثلما حدث مع الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح في عملية كانت غاية في الذكاء والحكمة. البلطجي اختار مرشحا ليس علي راسه بطحة لينهال عليها بالدبشيك وليس بفوهة البندقية.. فالمطلوب هو دماغ وليس حياة الدكتور أبو الفتوح. ورغم خطورة قضية الانتخابات التي ستقرر مصير الوطن إلا أن البرلمان تستر وتحايل والتف لتمرير الحصانات شبه الالهية للجنة الدستورية المشرفة علي الانتخابات وبدلا من أن يمارس البرلمان حقه بصفته المؤسسة الدستورية الأولي المنتخبة في البلاد في طلب تعديل الاعلان الدستوري دونما الحاجة إلي استفتاء قياسا علي ما سبق.. فالأمر لا يستغرق كما قال النائب المخضرم أبو العز الحريري سوي دقائق يصدر المجلس العسكري خلالها قراره لانقاذ سمعة مصر, وإزالة غمامة الشك في نزاهة الانتخابات التي تسود البلاد الآن.. رغم كل ذلك وحفظا لماء الوجه اكتفي البرلمان بتعديلات لفظية في قانون الانتخابات وحتي لو كانت حقيقية فإن القرار للمحكمة الدستورية التي لا معقب علي حكمها ولا راد لقضائها.. أما نائب الكرامة سعد عبود فقد كان فارس الحلبة بلا منازع.. كشف أن الاخوان يوافقون اليوم علي ما سبق أن رفضوه بالأمس.. وأن الاخوان قاوموا ورفضوا المادة67 من دستور مبارك التي زرعها من أجل ضمان فوز ابنه بمقعد الرئاسة حتي ولو لم ينتخبه الشعب.. ورغم أنهم يعلمون أن الاعلان الدستوري مستنسخ من المادة67 الخاصة بالتوريث.. إلا أنهم وافقوا عليها, والتزم البرلمان الصمت وهو يستمع إلي صيحات سعد عبود الذي قال: إنه يمكن أن يحدث للشعب المصري مالا يحمد عقباه يوم اعلان تسمية رئيس الجمهورية الجديد بسبب انقسام المجتمع إلي قسمين كل منهما يؤيد مرشحا خاصة في حالة الاعادة الأكيدة للانتخابات.. والشرارة يمكن أن تندلع في ظل اشاعة تزوير, وقال إن حربا أهلية حدثت في دولة افريقية بسبب الانقسام علي رئيس الجمهورية. للعلم سعد عبود هو النائب الوحيد الذي طلب من مبارك في جلسة علنية تقديم اقرار ذمته المالية. تم حرمانه من حضور الجلسات بأوامر من حبيب العادلي.. لقن زكريا عزمي درسا لن ينساه حينما حاول شراء صمته هو المعارض المستقل الذي تجاوز الخطوط الحمراء في الهجوم علي كل المؤسسات الوطنية المسئولة عن كارثة العبارة.. واذا جاز لي فانا أرشح سعد عبود زعيما للمعارضة في البرلمان. لأول مرة تتجلي الكراهية للبرادعي في أبهي صورها تحت القبة.. لم تكتف الأكثرية بالفيتو ضد احالة مصطفي بكري للتحقيق فيما أعلنه تحت القبة من اتهامات بالعمالة للبرادعي ومؤيديه لكنها احتفلت بالقبلات والأحضان في مظاهرة لتهنئة مصطفي بكري بالافلات من تحقيق كان يمكن أن يحصل فيه علي البراءة وهي تعيد إلي الأذهان احتفالات نواب الحزب الوطني بتهنئة وزير فاسد أفلت من التحقيق, أو تهنئة بعضهم بعضا بعد اسقاط العضوية عن نائب شريف.. من حق الأغلبية أن تنحاز للصديق الصدوق للصديق المشترك.. ومن حق مصطفي بكري ولديه الخيار ان يفضل أن تكون البراءة بالتصويت من الأغلبية وليس بقرار من مكتب المجلس.. لكن أين حق البرادعي طبقا للتقاليد التي أرساها الدكتور سرور والتي تقول: اذا جرت مناقشة عامة في مجلس الشعب ورد فيها اسم شخصية عامة تناولها النواب بالنقد أو الاتهام, فانه يجب عند حفظ القضية حفظ حق الشخصية العامة الغائبة باعلان بيان يتلوه رئيس الجلسة يؤكد فيه براءة الشخصية من كل الاتهامات والدكتور الكتاتني مدين للدكتور البرادعي ببيان يعلن فيه أن البرادعي فوق مستوي الشبهات, وأنه لهذا السبب وليس لسبب آخر تم حفظ القضية. نجح الاخوان في اختيار الكتاتني ليكون الدليل الحي علي أن الاخوان يصلحون للجلوس علي منصات الرئاسة.. وقد نال الكتاتني شهادة الاستحقاق عندما بادر بالاعتراف في شجاعة يحسد عليها بأنه هو وليس أحد غيره الذي انتهك التقاليد البرلمانية عندما اختار قاعة المؤتمرات لعقد الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشوري في سابقة لم تحدث منذ انشاء مجلس الشوري عام0891 رغم أن المشير لم يحضر وهو صاحب الدعوة التي حددت الزمان دون المكان, والعهدة علي الكتاتني الذي تميز علي سرور بانه يذيع جلساته علي الهواء مباشرة ليستمتع الشعب بالطرائف البرلمانية.. ويشاهد الكتاتني وهو يسرق علي الهواء عبارة سرور الشهيرة: وبناء عليه الا أنه طورها لتكون في بداية الكلام وليس في نهايته..وياسبحان الله الكتاتني يتبادل المواقع مع سرور بين المزرعة والمنصة.. ففي الوقت الذي كان يجلس فيه سرور علي المنصة كان الكتاتني يجلس علي البورش في الزنزانة.. والآن سرور قابع في السجن بينما يتربع الكتاتني علي عرش المنصة, والفضل للثورة التي حررت المساجين في السجون وغير السجون ليحكموا البلاد لأول مرة في حياتهم. ملحوظة زياد العليمي أحد رموز التيار الثوري النقي الذي أفلت وبأعجوبة من السقوط في الانتخابات, وبصفته محام واعدا فانني أهمس في أذن زياد وهي أذن خير بالكلمات التي قالها استاذه نقيب المحامين المحترم المرحوم محمد مصطفي البرادعي الذي قال نصا: سمة المحاماة الأولي هي الوقار, فان فقد المحامي وقاره فقد موكله وفقد قضيته وفقد قاضيه وفقد نفسه انتهي لابد أن نعترف بأن سياسة البطء والتريث التي كانت السبب في الكوارث هي لأول مرة ايجابية في التعامل مع قضية زياد العليمي.. الوزير جودة عبدالخالق وهو الحيلة والحلية الوحيدة لحزب التجمع إلا أنه أثبت أنه لا يفقه شيئا في التقاليد البرلمانية عندما تعامل مع النواب معاملة الأستاذ للتلاميذ.. اللهم إلا إذا كانت هناك حاجة في نفس يعقوب قضاها.. وهي الثأر من الاخوان الذين أزاحوا حزب التجمع من فوق الخريطة السياسية والدليل ان تصرف الوزير لقي استحسانا كبيرا في أروقة حزب التجمع. المزيد من مقالات محمود معوض