سكنت في وعي المصريين صورة ذهنية سلبية عن الصحراء, عمقت مخاوف ومخاطر الانتشار في الصحراء, ووطنت مراكز الاستقرار البشري في إقليمالوادي والدلتا للاقتراب من الماء والأمن والأمان الحضري, حيث شق نهر النيل التاريخي وجه الصحراء, عبر التكوينات الجيرية الحديثة, وكونت مياهه المستديمة هذه الواحة العمرانية الكبيرة الممتدة بطول مجري النهر والمنفردة بأجود أنواع التربة الزراعية. لا شك أن الخروج إلي تنمية الصحراء قد يحل مشكلة التكدس, وارتفاع الكثافة السكانية في إقليم الدلتا والوادي, بشرط تفعيل الاستخدام الأمثل لمعطيات المكان وتعظيم الاستفادة من الأرض والمياه والطاقة, حيث إن معضلة مصر السكانية في ارتباط أهلها بالمعيشة حول النهر, والخوف البيئي من قسوة الصحراء الواسعة التي تمثل أكثر من 96% من مساحة الدولة, بينما يتركز المعمور المصري الحالي في مساحة تقل عن 4%. وحسب تعداد سكان 2006, تستقطب 21 محافظة غير صحراوية والتي لا تزيد مساحتها علي 22% من مساحة الدولة نحو 98.7% من جملة السكان, أي لم تجذب محافظات الحدود الصحراوية الخمس( شمال سيناء,مطروح البحر الأحمر, الوادي الجديد, وجنوب سيناء) والتي تستأثر بنحو 87% من المساحة سوي13من جملة السكان. هكذا يتباين توزيع السكان بين المعمور المصري والصحاري بصورة استثنائية, وتعد كثافة هذا المعمور من أعلي الكثافات السكانية في العالم, بينما تعد الصحاري المصرية من أشدها إقفارا, وهناك تفاوت اقل من ذلك بكثير, ولكنه ملحوظ بين أجزاء المعمور المختلفة في الكثافات, حيث يتزايد السكان بصورة مؤثرة للغاية في النمو الحضري, وإن كانت السياسة القومية للسكان في سبيلها لتحقيق أهدافها علي مستوي النمو السكاني, نجد أن سياسة إعادة توزيع السكان في مصر قد تعثرت. وتمثل المشكلة السكانية عصب السياسات القومية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر, فإذا كانت الدول تعاني مشكلة سكانية نتيجة عدم التوافق في معدلات النمو بين السكان والاقتصاد,التي تتطلب أن يحقق معدل نمو الدخل القومي ثلاثة أمثال النمو السكاني, فزد علي حالة مصر مشكلة ذلك التركز السكاني الشديد فوق مساحة ضيقة من الأرض.يعد مجلس العلوم الهندسية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (منذ مارس2011) خريطة طريق للانتشار السكاني وتعمير الحيز غير المأهول في الصحراوات والسواحل المصرية, من خلال اثنتي عشرة مجموعة عمل متكاملة لرصد خريطة المعمور المصري ومشكلاته من منظور مستقبلي, وتحليل التجارب الدولية في مجالات التنمية وإعادة توزيع السكان, ثم اقتراح مشروعات بحثية مطلوبة في سياق تلك الرؤية الاستراتيجية المعمقة لاستيعاب الزيادة السكانية. ولما كان السيناريو المرجح يتوقغ زيادة سكانية تقدر بنحو 60 مليون نسمة (في عام 2052) لذلك تحتاج مصر خطة قومية شاملة لتنمية الصحراء بعيدآ عن إهدار وتبديد الأرض والمياه والثروات الطبيعية الأخري, مع ضرورة التعامل مع الاراضي المنزرعة في الوادي والدلتا كمحمية طبيعية للحفاظ عليها, وذلك من أجل الارتقاء بنوعية الحياة في معيشة الحاضر والأجيال القادمة.