اتخذت الدول المتقدمة إجراءات فى غاية الصرامة والدقة لمراقبة موظفيها، لأنها تعرف ان الفساد إذا بدأ من الدولة ممثلة فى موظفيها فإنه سينتشر مثل السرطان فى سائر جسد الدولة، عملا بالحكمة التى تقول: "إذا فسد رأس السمكة فسدت السمكة كلها"، وبالقياس إذا فسد مسئولو الدولة فسدت الدولة كلها. أما نحن فنسهل الفساد ونتستر عليه، بل جعلناه فسادا مقننا، وأظن أن فكرة الصناديق الخاصة هى نوع من الفساد الرسمى.. يقول خبراء الاقتصاد إن أقل رقم قيل في إيرادات هذه الصناديق هو 94 مليار جنيه سنويا.. إذن كيف ومتى نشأت الصناديق الخاصة ومن أين يأتى دخلها وأين يذهب؟
نشأت فكرة الصناديق الخاصة فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عقب حرب 1967 لتخفيف العبء عن الحكومة نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة، والصناديق عبارة عن أوعية موازية في الوزارات والهيئات العامة، تقام بقرارات جمهورية، ويتم جمع اموالها من المواطنين عن طريق حصيلة الخدمات والغرامات والدمغات الحكومية، وكارتة الطرق، ومصاريف استخراج الأوراق الرسمية بالجهات الحكومية.
وتطورت في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة، وأباح هذا القانون إنشاء «صناديق خاصة» و«وحدات ذات طابع خاص» تخصص لها موارد «معينة» لاستخدامات «محددة»، ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإداري، والإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.. الغريب أن هذه الحصيلة الضخمة لا تدخل إلى خزينة الدولة ولا علاقة للموازنة العامة بها، وبالتالي لا يناقشها مجلس الشعب، لكنها تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات فقط بعد "تستيف الأوراق".
أما في عهد مبارك، فقد تشعبت تلك الصناديق وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة.. وصدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة، فأصبحت أغلب هذه الصناديق وحساباتها "محفظة" يخبأ فيها أموال الدولة المسروقة التي لا يتم تحويلها إلى خزينة أو ميزانية الدولة، حتى وصلت اموالها إلى حسابات بنكية خاصة لبعض المسئولين الكبار في أجهزة الدولة.
كانت الصناديق الخاصة حاضرة فى ثورة 25 يناير ومدرجة فى قوائم الفساد المطلوب تطهيره، ولم يتم التحفظ عليها إلا بعد أن تم "تظبيط" حساباتها، وعلى ما أتذكر أنه تم الإعلان عن وجود نحو 40 مليار جنيه في حسابات هذه الصناديق، وفيما بعد وجدوا أضعاف هذا الرقم فى حسابات البنوك، وأصدرت وزارة المالية فى أواخر عام 2012 قرارا بغلق حسابات الصناديق الخاصة بالبنوك وتحويلها للبنك المركزي.
أموال الصناديق الخاصة تم جمعها من الشعب لخدمته ويجب ان تعود الى الشعب لخدمته أيضا.. فى صورة كوب ماء نظيف أو طعام غير مسرطن أو طريق ممهد وليس مصيدة للموت.. إرادات هذه الصناديق ليست ملكا لمسئول او فاسد أؤتمن عليها فخان الأمانة.. هذه الأموال ملك للشعب وحقوق ضائعة منذ عقود يجب أن تعود. [email protected] لمزيد من مقالات على جاد