إنها رحلة العمر, إلى الضيافة الربانية حيث تفيض العواطف الجياشة حبا وحنينا, ويظلل الإنسان كسوة من النور السماوي, وتشهد الملائكة ضيوف الرحمن جاءوا شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق, فينادى الله ملائكته أشهدكم أنى قد غفرت لهم, فيعودون كما ولدتهم أمهاتهم أطهارا أبرارا. ومن أجل ذلك رأيت أن اقف ثلاث وقفات فى ثلاثة مواطن مع ضيوف, ليحرصوا على هذه المكانة العالية والمنزلة السامية. اما الوقفة الأولي: فهمى قبل ان يخرجوا من وطنهم وبيوتهم, فان عليهم ان يخلصوا النية لله وحده لا شريك له ضارعين من أعماقهم اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة, لان الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه سبحانه ثم عليهم بعد إخلاص النية ان يتوبوا إلى الله توبة نصوحا يقلعون عن المعاصى ويندمون على ما مضي, ويعزمون على عدم العود إلى الذنوب ويردون المظالم أو الحقوق ان كانت عليهم حقوق لأحد ثم عليهم ان يتحروا المال الحلال والنفقة الطيبة البعيدة عن الحرام أو ما فيه شبهة, لان الحاج عندما يتحرى المال الحلال يبشره ملك من الملائكة ويناديه قائلا زادك حلال ومالك حلال وحجك مأجور غير مأزور. وعليه قبل ان يخرج من داره ان يترك وصيته لأهل بيته يوصيهم بما فيه الخير والصلاح ومرضاة الله تعالى وبماله وما عليه. وأما الوقفة الثانية: فهى عند نزول ضيوف الرحمن وطن الحرمين الشريفين ويسعدون بالبقاع المباركة فعليهم أن يحرصوا على أداء مناسكهم وأن يبتعدوا عن كل ما يلهيهم وان يحترموا البقاع الطاهرة احتراما يبتعدون فيه عن كل اثم بل عن مجرد التفكير فى الإثم أو الإرادة, لان الله تعالى فى غير البلد الحرام والبيت الحرام لا يحاسب العبد إلا على ما فعل اما فى البلد الحرام والبيت الحرام فيحاسبه على مجرد النية والإرادة وان لم يفعل شيئا, لقول الله تعالي:« ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم«، وان ينأى بنفسه عن الرفث والفسوق والجدال, كما قال رب العزة سبحانه «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج». وأن يغتنم فرصة وجوده فى الحرمين حيث تتضاعف الحسنات ففى الحرم النبوى الصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه, وفى المسجد الحرام الصلاة فيه بمائة ألف فيما سواه, ومكة كلها حرام فعلى الحاج ان يكثر من الصلاة وهو فى المسجد أو فى مكان إقامته لأنه فى الحرم والصلاة فيه مضاعفة فى كل مكان مادام داخل حدود مكة, لان مكة كلها حرم فعليه أن يغتنم الفرصة ليستكثر من الثواب والحسنات. وعليه ألا يزاحم الحجاج خاصة اذا كان من الشباب بل عليه ان يكون رفيقا بالناس ويساعد الضعفاء وكبار السنة ولا يزاحم عند الحجر الأسود فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنهم يا عمر انك قوى فلا تزاحم عند الحجران وجدت فرصة فاستلمه وان لم تجد فأشر إليه بيدك أو ما معناه. وعليه ان يحرص على ان يكون حجه مبرورا, والحج المبرور هو الذى تؤدى فيه الشعائر على أكمل وجه ومن صفات الحج المبرور انه لا تخالطه المعاصى ولا المخالفات, وعليه أن يحرص على حسن معاملة إخوانه وأن يكون لينا معهم فلا يتسرع فى الغضب لآى سبب لان السفر والتعب ومخالفة إلالف والعادة كل ذلك قد يؤثر على نفسية الحاج فيغضب بل عليه أن يتجمل بالحلم والصبر وبر الحج ايضا فى لين الكلام وإطعام الطعام. ومما يؤسف له ان بعض الحجاج يذهبون فى رحلة الحج وهم أصدقاء ويعودون وبين بعضهم خصومات بسبب الخلافات وعدم التحمل فى الرحلة، فعلى وفود الحج ان يتجملوا بالصبر وان يتخلفوا بالحلم والتسامح فيما بينهم, ليكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم أطهارا أبرارا. وأما الوقفة الثالثة: فهى بعد عودة ضيوف الرحمن إلى أوطانهم فعليهم أن يحرصوا على حجهم وعلى طهارتهم من الذنوب, فقد عادوا انقياء مما كان عليهم من الذنوب من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فعلى ضيوف الرحمن أن يحافظوا على طهارتهم ونقائهم. وعلامة الحج المبرور تظهر حين يعود ضيوف الرحمن إلى أوطانهم فيرون أنفسهم أفضل مما كانوا عليه وابعد عن الآثام والذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة وعلى الحجاج بعد عودتهم إلى أوطانهم أن يكونوا نماذج قدوة لغيرهم من الناس فى الخلق والتدين, والتسامح والتعاون على البر والتقوى. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم