انتهي عصر الزعامات, وبدأ عصر البرامج المدروسة. لم تعد الشعوب تمشي في المظاهرات تهتف نموت ويحيا الرئيس. إن الشعوب تمشي اليوم تريد أن تعيش, وتنتظر من الرئيس أن يموت في سبيلها! لم تعد العبارات المأثورة, والهتافات الموسيقية تملأ البطون وتسحر العقول! فلقد أصبحت الشعوب أكثر وعيا وإدراكا. إنها تطلب اليوم دراسات لا هتافات! ترفض العناوين الغامضة, وتطالب بمشروعات مفصلة! لم تعد شعوب اليوم تفكر بأذنيها.. لقد بدأت تفكر بعقولها! لم تعد تقتنع إذا قال لها الرئيس هذا خطأ.. أنها تريد أن تسمع منه ما هو الصحيح وما هو البديل للخطأ! الرئيس الذي نريده هو الذي يحترم الشعب باحترام وقت كل فرد فيه, فلا يسرف في التصريحات, لأنه يعرف أن الكلام البراق يضيع وقت الناس! ولا يطل برأسه بمناسبة وغير مناسبة من شاشة التليفزيون ليقول كلاما سمعه الناس مئات المرات, ولا يبعثر وقت الشعب بلا حساب, فيتركهم يقفون الساعات أمام أبواب المحلات والمحطات بسبب نقص المواد الأساسية من غذاء وبوتاجاز وبنزين وسولار, وعجز الدولة عن تدبيرها. الرئيس الذي نريده يجدد شباب العدالة, حتي لا تتحول إلي إمرأة عجوز تسير في سرعة السلحفاة, ولاترد الحقوق إلا بعد طلوع روح المظلوم, وهو يقلل من المواكب الرسمية, ويكثر من الاختلاط بالناس والسير علي قدميه في الشوارع ليري بنفسه ما تقاسيه أغلبية الشعب من استهتار وسذاجة رجاله الذين شقوا الشوارع للسيارات الفاخرة, ونسوا أن يتركوا مكانا للمشاة المساكين! والرئيس الذي نريده يحيط نفسه بالخبراء لا بالمصفقين.. خبراء يدرسون له الاتجاهات الحديثة في الإدارة والحكم, والتجديد الذي دخل في الإدارة الحكومية في العالم. ويحاول أن يستفيد من تجارب جديدة تكلف مئات الملايين! والرئيس الذي نريده يحاول أن يحقن الإدارة الحكومية بدم جديد.. يؤخر زحف تجاعيد الزمن عليها, ويضمن انطلاقها المستمر, وهو لا يضيق بالرأي الآخر.. لأن انطلاق هذا الرأي دليل علي استقرار الحكم, وإختفاءه هو إنذار بثورة أو إنقلاب! وهو يغضب ولا يحقد.. ويحب ولا يجامل.. ويضرب ولا يجرح! ويعرف أن الاحترام ليس في الانحناء, إنما هو المصارحة, وحماية حق كل فرد في أن يقول لا! [email protected] المزيد من أعمدة محمود المناوى