عمال شركات الخصخصة التى حكم القضاء بإعادتها للدولة يشكون من أن الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 تتقاعس عن التنفيذ. الحكاية أنه على مدى السنوات الأربع الماضية توالت أحكام القضاء المصرى تؤكد فساد عقود بيع العديد من الشركات العامة التى تم خصخصتها وتقضى ببطلان البيع وإعادتها إلى ملكية الدولة. الأمثلة فى هذا الشأن عديدة ولعل من أهمها عمر أفندى والمراجل البخارية والنيل لحليج الأقطان وطنطا للكتان وغزل شبين وأسمنت أسيوط. تحدثت أحكام القضاء عن المخالفات و إهدار ملكية الشعب، والغش ممن ولى إدارة هذا المال، وعن بيع الأصول العامة بأثمان بخس. تحدثت تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن الممتلكات العامة التى تم التبرع بها للمشترى الأجنبى فوق البيعة. فى شركة أسمنت أسيوط على سبيل المثال حصل المشترى على أصول ثابتة لا تدخل فى الإنتاج تتضمن 1136 فدانا و ميناء نهرى على مساحة 22 فدانا و مزرعة واستراحات و فندق 5 نجوم و مبانى إدارية و5 عمائر سكنية تحتوى على أكثر من 100 وحدة. كل ذلك فوق البيعة! عندما تم طرح تلك الشركات العامة للخصخصة، رغم أنها كانت شركات رابحة، قيل إن الدافع هو الرغبة فى تطويرها وضخ رءوس أموال إضافية واستثمارات جديدة تؤدى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية وتوسيع نشاطها. تم التأكيد بأن عقود البيع تضمنت اشتراط أن يستغل المشترى أراضى وأصول الشركات المباعة فى نفس مجال نشاطها، وأن يلتزم بالحفاظ على العمالة، بل وصقل مهاراتها بمزيد من التدريب والتطوير. إلا أن الواقع وأحكام القضاء تؤكد جميعها سيناريو متكررا لتقليص النشاط وبيع الأراضى والأصول العامة وفصل العمال وإجبارهم على الخروج إلى المعاش المبكر. فى حالة عمر افندي، لم يقتصر الأمر على كل ما ذكرنا بل زيد عليه أن الشركة صارت غارقة فى الديون. فى حالة شركة المراجل البخارية وصل الأمر إلى منتهاه بتفكيك البنية الإنتاجية للشركة وإيقاف نشاطها الذى كان يتمثل فى إنتاج الغلايات الضخمة التى تقوم بحرق الوقود لتوليد البخار ليستخدم كقوى محركة فى محطات توليد الكهرباء وفى الصناعات المختلفة. انتهى الأمر إلى تخريد معدات المراجل البخارية وانتقال موجوداتها لشركة تعمل فى مجال الاستثمار العقاري. السمة المشتركة فى أحكام القضاء بشأن تلك الشركات هو النص على بطلان العقود واسترداد الدولة لجميع أصول الشركات وجميع ممتلكاتها المسلمة للمشتري، وتحميل ذلك المشترى وحده كامل الديون والالتزامات التى رتبها خلال فترة نفاذ العقد. نصت تلك الأحكام أيضا على إعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم السابقة مع منحهم كامل مستحقاتهم وحوافزهم وحقوقهم. أما السمة المشتركة فى موقف الدولة من تلك الأحكام فهو مقاومة استعادة تلك الشركات حتى آخر نفس. وهكذا تابعنا مشدوهين لجوء الدولة إلى القضاء واستنفاد جميع مراحل الطعون القانونية، حتى صدور الأحكام النهائية التى تعزز بطلان عقود البيع وبطلان فصل العمال وإجبارهم على المعاش المبكر. وفى غمرة العجب من موقف الدولة، لم نجد موقفا معلنا يفسر ما يجري. اكتفت الحكومات المتعاقبة بترديد العبارة المشهورة « نحن نحترم أحكام القضاء» ثم الاستمرار فى الطعون القانونية والامتناع الفعلى عن التنفيذ! التصريحات المتناثرة كانت تشير إلى تخوفات من قضايا التحكيم الدولى التى يهدد المستثمرون الأجانب برفعها على الحكومة والمليارات التى يمكن أن تتكبدها الدولة جراء ذلك، رغم أن أحكام القضاء كانت تتضمن بطلان شرط التحكيم الوارد فى عقود الخصخصة، ورغم أن ثبات ما اقترن بتلك العقود من فساد يمثل عامل قوة فى مصلحة مصر إذا ما طرح الأمر بالفعل للتحكيم الدولي. وحتى عندما صارت أحكام بطلان العقود نهائية، انقضت شهور طويلة ظلت فيها الشركات متوقفة عن العمل، قبل أن تعلن الحكومة الاستجابة لمطالب واعتصامات العمال التى تطالب بتشغيل المصانع وعودة الانتاج. وافقت الحكومة على عودة شركة طنطا للكتان، وأعلن رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية أنه قد تقرر عودة العاملين الذين أجبروا على المعاش المبكر. المشكلة أن العمال صدقوا وذهبوا إلى العمل ففوجئوا بالأبواب توصد فى وجودههم وبأن تشغيل مصانع الشركة يتم بشكل جزئي. العمال أثبتوا الواقعة فى محضر رسمي. المطلوب من الحكومة الإجابة بوضوح عن أسباب مقاومتها لاستعادة الشركات وعودة العمال. هل هى حقا التخوفات من قضايا التحكيم الدولي؟ هل هى العجز عن توفير قيمة الأسهم التى يتعين ردها للمشترى لإخلاء طرفه واستعادة ملكية الشركات قانونا؟ هل هى ارتفاع تكلفة إعادة تشغيل بعض الشركات التى تم تخريد معداتها وتوقفها عن النشاط؟ ولماذا تعد العمال إذن بالعودة للعمل والحصول على مستحقاتهم تنفيذا لأحكام القضاء إذا كانت لا تنوى التنفيذ؟ وهل تتلخص كل الأسباب حقيقة فى جوانب مالية؟ لماذا تتخوف الحكومة كل هذا التخوف من استعادة تلك الشركات. أليس صدور أحكام نهائية تؤكد فساد عقود الخصخصة هو ما ننتظره لاسترداد أموالنا المنهوبة؟ إن أطراف تلك العقود الفاسدة من رؤساء وزارات ووزراء ورؤساء شركات قابضة معروفون وأسماؤهم مثبتة فى أوراق القضايا، ومن المؤكد أنهم لم ينبروا لبيع أملاكنا بخسا من باب السذاجة والغفلة، بل تقاضوا المقابل من لحمنا الحي. ماذا يقعدنا إذن عن ملاحقتهم واستعادة أموالنا المنهوبة؟ وكيف نعاقب العمال الذين أقاموا الدعاوى وحصلوا لنا على الأحكام؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى