عقب ثورة 23 يوليو 1952 (والتى تحل ذكراها بعد أيام)، شهدت الساحة السياسية الداخلية حركة تطهير واسعة كاسحة، شملت التخلص ممن أطلقت عليهم قيادات الثورة مسمى «أذناب العهد البائد»، وهم الذين رأت فيهم بحكم وظائفهم وعلاقاتهم ومواقع عملهم بالجيش والبوليس، وفى الوزارات والمصالح، وبالأحزاب المنحلة.... الخ خطرا يهدد مسار الثورة و عائقا أمام تحقيق أهدافها الستة، ومن بينها القضاء على الفساد وما أدراك ما الفساد!. وما أحوجنا الآن، اليوم قبل الغد الى التفكير العملى الجاد فى كيفية البدء بحركة تطهير أخري، مطورة ومقننة بقدر الإمكان، لاقتلاع جذور ورموز الفساد، والإهمال والتواكل على جميع المستويات والدرجات الوظيفية فى مختلف مواقع العمل، وذلك بعد أن ترسخت أوضاع هؤلاء الأعداء الثلاثة (الفساد والإهمال والتواكل)، واستفحلت قدراتهم وطالت مخالبهم وأنيابهم، وهى تنهش منذ عدة عقود، بلا خوف أو وجل، فى جسد هذا الوطن الطاهر، واستباحت مصالح وحقوق أبنائه الأبرياء الطيبين، ولتصيبهم جراء ذلك بمشاعر اليأس والقنوط والإحباط، وهم يتجولون فى أروقة المبانى الحكومية ودواوين المصالح سعيا لقضاء حوائجهم المشروعة دون مستجيب أو مغيث! وكثيرا ما يتساءل البعض خاصة كبار السن الذين عاصروا ثورة يوليو، ألا يحق للمواطن المحبط المطحون المغلوب على أمره الآن، أن يطالب السلطة الحاكمة بعد ثورة 30 يونيو بمثل ما قامت به قيادات 23يوليو؟، بينما يرى الكثيرون (ومعهم الحق) أن الزمن قد تغير تماما، حيث بدأ القانون فى تلك الآونة، وكأنه بالفعل فى إجازة، كما لم تكن أيضا هذه المنظمات الأهلية المتعددة، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية والمحلية، ولكل دورها ا لمشهود، وتدخلها المثير للتساؤل فى كثير من الأحيان، ومعها بعض أجهزة الإعلام، ووسائل نقل المعلومات والتواصل... الخ، وما يحفل به هذا وذاك من تعليقات وتلميحات وإيماءات وذلك كما هى الحال الآن! ولكن رغم كل ذلك، فمن الضروري، بل من الواجب كسر شوكة هؤلاء الأعداء الثلاثة الجدد لخطورتهم وإضرارهم بمصالح الوطن العليا بل وأمنه القومي!، والذين لا يقلون خطرا وضررا عن الأعداء التقليديين القدامى الثلاثة، الفقر والجهل و المرض (وللإنصاف فإن الحكومة لا تتدخر جهدا حيالهم). أخيرا لعل القرار الجمهورى بقانون الذى يجيز إعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية ، أن يكون كبداية (مع الفارق طبعا) للبحث عن سبيل يتيح سن قانون أو تشريع يسمح وييسر تطهير الجهاز الحكومى من الفاسدين والمهملين والمتواكلين، وليكن ذلك على مراحل، وبأولويات مع تسوية أحوال المستحقين منهم ماليا وتعويضهم، ولتنشط الأجهزة الرقابية والأمنية فى حصرهم من الآن، فما أكثرهم وما أخطرهم إذا ما ظلوا فى غيهم! جلال ابراهيم عبدالهادي مصر الجديدة