براءة مبارك من قضية قتل المتظاهرين اثارت غضب الكثير من المصريين ،وتساءلوا كيف يتم الحكم بالبراءة لمن سرق خيرات مصر ،ومن قام بتصدير غازها لاسرائيل ،وخرب التعليم فيها ،وافسد الحياة السياسية ،واستغل نفوذه ،واهمل ملفات الصحة ،ورفع الاسعار ؟..، إذن فمن المسئول عن كل هذا الفساد والاهمال طيلة 30 عاما ماضية ،والغريب هنا ان القضايا السياسية أصبحت محل نظر فقط دون اصدار احكام فيها ...والوضع فى مصر بحاجة الى الاستقرار ، واحتقان الشارع المصرى بسبب هذا الحكم وعدم فهم البعض له قد يحول مصر إلى غابة يثأر فيه كل فرد لنفسه دون الخضوع لقانون ،ولذلك استطلعت (الاهرام )آراء القانونيين حول إشكالية القضايا السياسية ،وقضايا الفساد والحكم فيها . وامامنا قانون الغدر الذى اصدره الرئيس عبد الناصر عقب ثورة يوليو 1952هو أول خطوة تشريعية لمواجهة ما يعرف بالجريمة السياسية ،وما يرتبط بها من فساد سياسى واقتصادى بشأن البلاد ، ولذلك وفقا لما قاله المستشار أحمد الخطيب رئيس بمحكمة استئناف القاهرة، مشيرا الى ان المستقر عليه أن القوانين تلغى أما صراحة بموجب قانون ينص على الغاءها او صدور قانون يتضمن أحكام مخالفة للمسائل الواردة بها ،وهو ما يعرف بالإلغاء الضمنى ،موضحا انه صدر قانون رقم 34 لعام 1971،والمعروف باسم تنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب ،مؤكد انه يعتبر ذلك القانون تعديلا ضمنيا لقانون الغدر ،ويضيف ان هذا القانون تناول صراحة جرائم افساد الحياة السياسية والاضرار بأمن البلاد،ومصالحها الاقتصادية. واضاف ثم صدر القانون رقم 95 لعام 1980 بشأن حماية القيم ،وكان موضوعه الحفاظ على المقومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،موضحا انه يعد ايضا تعديلا ضمنيا القانون الغدر ،وقانون تنظيم فرض الحراسة ،مشيرا الى انه تم إلغاء ذلك القانون صراحة ،وهو ما يؤكد ان قانون الغدر حاليا تم الغاؤه ،وبالتالى لا يجوز تطبيقه على الرئيس الاسبق حسنى مبارك . واشار الى انه بعد ذلك صدر قانون افساد الحياة السياسية من المجلس الاعلى للقوات المسلحة عام 2011،وتضمن وقائع افساد الحكم واستغلال النفوذ والاضرار بمصالح البلاد ،وكافة عقوبات هذا القانون ،حيث انها تنصب على الحرمان من الوظائف العامة او الترشح للانتخابات النيابية ،ولا توجد فيه عقوبات جنائية. وأعرب عن اسفه من ان هذا القانون ايضا لا يمكن تطبيقه على الرئيس الاسبق مبارك ،بأعتباره لاحقا على الجرائم التى ارتكبها ،فالقواعد الدستورية والقانونية لا تجيز تطبيق القوانين بأثر رجعى على الجرائم التى سبقت اصدارها. وتابع انه بعد ذلك صدر قانون حماية الثورة فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى ،والذى نص على إعادة التحقيقات فى جرائم قتل وشروع فى قتل المتظاهرين ،موضحا ان هذا القانون يتصادم ايضا بالقواعد الدستورية والقانونية ،والتى تنص على انه لا يجوز معاقبة المتهم عن الفعل الواحد أكثر من مرة ،وبالفعل قد تمت محاكمات ،وقد صدر فيها احكام عن جرائم قتل وأصابة المتظاهرين ،وأى مخالفة لهذه القواعد سوف يترتب عليها البطلان ،وإهدار وقت العدالة نظرا لتعرضها مع القانون ،وحجيه الاحكام الصادرة فى تلك القضايا ،وأى قانون يصدر حاليا خاص بالجرائم الفساد السياسى ،وسوف يقتصر اثره على ما يقع مستقبلا من وقائع لاحقه على اصداره ،موضحا انه لم يمتد ابدا إلى نظام مبارك ،وان نص الدستور الحالى فى المادة 159 من تنظيم اجراءات محاكمة رئيس الجمهورية يقتصر على رئيس الجمهورية الذى يتولى ادارة الامور ،اذن فالنص لم يتوسع ليشمل الرؤساء السابقين ،الا ان هذا لا يعنى انسداد الافق القانونى لمحاكمة النظام الاسبق عما ارتكابه من جرائم عن طريق قانون العقوبات ومن خلال ما ارتكبه من جرائم جنائية تقع تحت دائرة التجريم القانونى ،مشيرا الى ان اهدار ثروات البلاد ،وزواج المال بالسلطة من خلال بيع شركات القطاع العام او تمليك اراضى الدولة ،والتربح واستغلال النفوذ ،والاضرار بالحالة الصحية للمواطنين بأدخال المبيدات المسرطنة ،موضحا انه يمكن التقدم ببلاغات بشأن ذلك ،متى كانت هناك أدلة قاطعة على حدوثها ،وافساد الحياة السياسية ،ويمكن اثبات ذلك من خلال جرائم جنائية كتزوير الانتخابات البرلمانية ،وتدخل افراد الاسرة فى شئون البلاد وما ترتب عليه من نفقات مالية اضرت بالموازنة العامة ،وايضا يمكن اثباته من خلال تداخلهم فى الحياة السياسية والاجتماعية ،مؤكدا انها كلها جرائم يمكن لمن تحت يديه مستندات او وقائع ان يتقدم بها. وطالب الاجهزة الامنية والرقابية فى التحقق من اثبات جدية هذه البيانات من عدمه . ومن جانبه قال المستشار جمال القيسونى رئيس محكمة جنايات القاهرة ان الجناية تنقضى بمرور 10 سنوات عملا بالمادة 15 من قانون الاجراءات الجنائية ،موضحا ان قضية الفيلات التى اهداها حسين سالم للرئيس الاسبق حسنى مبارك واولاده كانت بتاريخ 14 اكتوبر عام 2000 وانه بعد مرور عشرة سنوات انقضت بالتقادم فى عام 2010 ، مؤكدا ان هذه العقود مسجلة بالشهر العقارى بجنوب سيناء ، وذلك كان مقابل منح حسين سالم اراضى فى شرم الشيخ. وتابع قائلا : ان الحكم فى هذه القضية اصبح امرا مستحيلا لانها انقضت بمرور عشر سنوات اى قبل الثورة بعام، مشيرا الى أن المحكمة الاولى برئاسة المستشار احمد رفعت اعطت الرئيس الاسبق حسنى مبارك فى يونيو 2012 انقضاء ، وكذلك المحكمة الثانية برئاسة المستشار محمود الرشيدى فى نوفمبر 2014 اعطته انقضاء الدعوى الجنائية لمرور المدة الزمنية ، اما بالنسبة لقضية تصدير الغاز الى اسرائيل فأوضح ان المحكمة الاولى برئاسة المستشار احمد رفعت تيقنت ان الرئيس الاسبق حسنى مبارك لا علاقة له بموضوع تصدير الغاز سواء من حيث التعاقد او تحديد السعر او الكمية ، حيث ان شركة حسين سالم هى التى تقدمت الى وزير البترول الاسبق سامح فهمى بطلب الشراء ، ولم يشهد احد على ان الوزير سامح فهمى عرض الموضوع على الرئيس الاسبق حسنى مبارك ، موضحا انه تم عرض الموضوع بجميع جوانبه على مجلس الوزراء ، واقر المجلس على هذا الاتفاق وبالتالى فان مجلس الوزراء هو المسئول وليس مبارك ، وان المحكمة الثانية انتهت الى هذا الكلام.وتابع قائلا : بالنسبة للتهمة الثالثة والخاصة بامتناع الرئيس الاسبق مبارك عن حماية المتظاهرين ، وليس التحريض على قتلهم ، موضحا ان الامتناع هنا يعنى ان الرئيس الاسبق مبارك لم يوجه الشرطة لحماية المتظاهرين. واشار الى انه لم يثبت لهيئة المحكمة ان مبارك منع الشرطة من حماية المتظاهرين ، ولهذا حكمت المحكمة ببراءة مبارك استنادا الى ما شهد به جميع الشهود الذين استمعت اليهم المحكمة ومن بينهم اللواء حسن الروينى قائد المنطقة العسكرية المركزية ، والذى كان متواجدا فى ميدان التحرير، وأيضا ماشهد به اللواء محمود وجدى وزير الداخلية الاسبق وباقى الشهود، مؤكدا ان المحكمة اقتنعت بشهادتهم بعد أدئهم اليمين القانوني. وفيما يخص القضايا الجنائية اوضح القيسونى انها هى مواد محدودة فى قانون العقوبات ، والقوانين الجنائية التكميلية، مشيرا الى انه طبقا للمبدأ القانونى لاجريمة ولاعقوبة الا بنص ، بينما القضايا السياسية ليس لها تشريع حالى لذلك يصعب الحسم فيها وسيتم وضع نصوص لها ومن ضمن هذه القضايا الفساد السياسي. ومن جانبه وصف المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الاسبق الفساد بأنه تعبير عام وواسع ، وليس هناك قانون لمعاقبة ومحاسبة الفاسدين. واشار الى ان مصر صدقت على اتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة الفساد عام 2005 ،موضحا انه ليس لدى مصر قانون محدد لمكافحة الفساد، ولكن قانون العقوبات المصرى يجرم الرشوة الايجابية والسلبية ،ومحاولة الفساد، واستخدام المنصب والموارد العامة لتحقيق مكاسب خاصة. وأكد ان القضايا السياسية تتعلق بمسائل فى طبيعتها معنوية لذلك يصعب حسمها، وضرب مثال على ذلك فى وجود الرشاوى فى الانتخابات ،وهنا تحديد المتهم فى اعطاء الرشوة من الصعب اثبات التهمه عليه ،وبخاصة ان مثل هذه القضايا والجرائم تتم بصورة وشكل جماعى ويصعب اثبات الادلة ،موضحا ان هذا الأمر بحاجة الى قضاء خاص ،ولابد ان يكون هناك عقوبات على ذلك مثل الحرمان من الحقوق السياسية وحل الحزب الذى يشارك فى الفساد السياسي. وطالب الجمل بوجود نيابة مختصة لتجميع الادلة ،وتدرب على ذلك ،مشددا على ان يكون لديها وعى وطنى عالى بهذه الجرائم ،وان يكون هناك قانون يعاقب على الفساد بأثر مباشر ،حيث انه لا يجوز الاثر الرجعى فى قضايا الفساد. واكد الدكتور نبيل حلمى عميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق ان الفساد السياسى وعدم ادارة الدولة بما يحقق المصلحة فهذه ليست مسئولية شخص واحد حتى لو كان رئيس الدولة ،مطالبا بأنه لو اردنا محاسبة الفاسدين، فلابد ان نحاكم كل المسئولين واعضاء مجلسى الشعب والشورى وقتها مشيرا الى ان قضايا الفساد والاهمال التى تسبب فيها مبارك طيلة فترة حكمه ليست شخصية ولكنها جماعية ،ولذلك من الصعب اثباتها والتحقق منها. ويرى حلمى ان الفساد سببه الاساسى الفقر وعدم عدالة التوزيع ،ولذلك وضع روشة علاج للقضاء على الفساد فنصح المصريين بالامانة فى العمل والتوقف عن الرشوة، وزيادة الانتاج ،وعلى المسئولين دور مهم جدا فى الوقاية من الفساد.