كان لا بد لصحيفة «هآرتس» أن تعلن هى الخبر، والذى سرب لها حتما لغرض ما فى نفس يعقوب ، حتى يعلم القاصى والدانى فى عموم الاناضول العتيد ، أن دولته التقية الورعة والتى طالما عنف رئيسها أمام الكاميرات وشبكات التلفاز وبقسوة الدولة العبرية الإرهابية المحتلة الغاشمة تجرى فى الخفاء مباحثات مع ساستها وبالتحديد مع المدير العام للعلاقات الخارجية فى وزارة الخارجية الإسرائيلية دورى جولد. وقبل شهور خمسة وربما أقل ، لم يجد رجب طيب اردوغان أدنى غضاضة فى أن يتهم الموساد علنا بالتواطؤ مع متآمرين بالداخل، وما أكثرهم، لإثارة القلاقل والفوضى ببلاده، على خلفية إحتجاجات مناوئه لم تعد تتوقف له ولحزبه الحاكم، فيها يسدد لهما متظاهروها ، تهما مرعبة تارة بالفساد وأخرى بالديكتاتورية والإستبداد. المفارقة أنه وبالتوازى مع تلك الصرخات الاردوغانية (التى بدت وكأنها مفتعلة بيد أن هدفها هو إستمالة عواطف بسطاء شعبه) كانت الحوارات بين دبلوماسيين اتراك مع نظائراهم «الصهاينة» تتم فى أجواء من السرية التامة وبرعاية من الموساد نفسه فى العاصمة الإيطالية روما. وللأنصاف ورقة التوت لم تسقط مع هذا التطور الأخير، فقد سبق لها السقوط مرات ومرات، مع التنامى اللافت فى حجم التجارة بين البلدين والذى حقق طفرات نوعية، خصوصا بعد حادثة سفينة المساعدات الإنسانية قبل خمسة سنوات، والتى كان يفترض أن يحدث بعدها العكس، لكن المصالح على ما يبدو لا تعرف العواطف.. المثير أن من دفعها للامام هو مستشار وزارة الخارجية لشئون الشرق الأوسط فريدون سينيرلى أوغلو أحد أهم رجال الرئيس ، والذى يتولى إعادة التطبيع مع «آل صهيون» كونه سبق وعمل سفيرا لدى تل أبيب. وما أن أنكشف المستور حاول بيرقراطيوا العاصمة أنقرة، التقليل من وقع ما بثته «وسائل إعلام مغرضة» ، معتبرينه أمرٌا عاديٌا، بين دولتين كانتا حتى وقت قريب حليفين إستراتيجيين، وسبق وجرى مثيل له أكثر من مرة وعلى مستوى الخبراء ، هذا ما قاله السيد «مولود تشاويش أوغلو» الذى يقود دفة الدبلوماسية بالاناضول . ومزيدا من التبريرات، أوضح أن حكومته تسعى للمصالحة بعد أن حصلت على إعتذار من رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال إجراء الأخير مكالمة هاتفية، مع رئيس الوزراء التركى آنذاك، أردوغان فى مارس 2013، ثم مستطردا وحتى يمكن الظفر بحقوق مواطنينا التسعة الذى قتلوا على سطح سفينة مافى مرمرة الشهيرة أمام سواحل غزة نهاية مايو 2010 بنيران البحرية الاسرائيلية، لابد من تلك اللقاءات ونحن ننتظر منهم الرد، معللا تأخيره إلى حسابات التوازنات السياسية فى إسرائيل، ولم ينس أن يختتم كلامه بجملة معتادة ألا وهى «الكرة الآن» فى ملعبهم وعليهم الاستجابة للمطالب الباقية وهى دفع التعويضات إضافة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة حتى تعود العلاقات إلى سابق عهدها. وهنا لابد من ملاحظة تتعلق بمسألة الإعتذار الذى يبدو انه لم يتم بالشكل الذى روجت له تركيا بخطابها الرسمى ونفى نتنياهو إقدامه على اتخاذ اى خطوة رسمية فى هذا الصدد وإنما عبر عن حزنه وأسفه. الامر الآخر أن ما ساقه تشاويش أوغلو من مسوغات لم تجد آذانا صاغية، من فرط تكرارها مع كل تسريب عن لقاء هنا او هناك، وبمعنى ادق أن شرائح عريضة من المجتمع وبصفة خاصة عوائل من قتلوا اصابهم الضجر والملل من هذا الاشكال الذى ضخمته ورفعت سقف مطالبه قيادات العدالة والتنمية الحاكم ووسائل إعلامهم مرئية ومقرءوة، ثم خفت أصواتهم جميعا ويكاد يكون الملف قد اغلق أو على الاقل فى إنتظار رصاصة الرحمة وطبيعى أن يقابل ذلك تذمر وغضب من هؤلاء الذين اعلنوا رفضهم لأى طلبات للتنازل عن القضايا المرفوعة ضد الجنود الإسرائيليين المتورطين فى الهجوم الغاشم الذى تعرضت له سفينة «مافى مرمرة»، مطالبين وزارة العدل بالتنفيذ الفورى لقرار المحكمة التركية التى قضت بإرسال طلبات الاعتقال بحق المتورطين إلى الشرطة الدولية «الإنتربول» لإصدار نشرة حمراء بحقهم. وهذا بات مطلبا صعب المنال فكل الشواهد تشير إلى أنه لن يحدث. ولم يخل المشهد من سخرية فإذا كانت المسألة على هذا النحو لماذا لم يعلنها الوزير فى اطار من الشفافية بدلا من الانتظار حتى يفأجا هو قبل غيره بإعلانه من وسائل الاعلام الأسرائيلية . وعلى ايه حال فالحكومة مدينة بالشكر لنظيرتها العبرية لكرمها ، فهذا دليل على أنها لا تكن عداوة للعدالة الاسلامى والدليل على ذلك أنها لم تشأ أن تفصح عن اسرارها مع الحزب قبل أو اثناء الانتخابات التى جرت فى السابع من يونيه وإلا لكانت الضربة قاصمة بحيث لا تقوم له قائمة. قد يتصور البعض أن توقيف مواطنين أتراك، بينهم صحفيون بمطار بن غوريون، أثناء توجههم إلى فلسطين، لتنظيم الدورة الرابعة ل"موائد المسجد الأقصى الرمضانية 25 يونيه الشهر الماضي، نوع من العقاب وهذا غير دقيق فالسلطات العبرية كانت أكثر كرما، وسمحت لإعلاميى التلفاز الرسمى الحكومى بدخول القدس، فى حين اعادت الباقين المنتمين لجمعية أغاثية من حيث أتوا، الذين اعتقدوا خطأ بأن إنكار صلاتهم بحزب العدالة والتنمية كفيل بأن يسمح لهم بالدخول ولكن خابت ظنونهم فليتهم قالوا أنهم من مريديه لفتحت لهم الأبواب على مصراعيها . ولم تمر على هذه الواقعة سوى اربعة ايام فقط ليخرج المدون التركى الأشهر على تويتر فى تركيا فؤاد عوني، معلقا على المحادثات السرية بين تركيا وإسرائيل قائلا بأن الأولى فى تقربها هذا إنما لتسعى إلى دعم الثانية لعملية عسكرية داخل حدود سوريا. بالطبع قد تكون تلك إدعاءات لا أساس لها إلا أن الثابت هو أن البلدين فى طريقهما للعودة إلى ما قبل مأساة مرمرة وها هو جيمس جيفرى سفير الولاياتالمتحدة الأسبق فى أنقرة يؤكد فى ندوة نظمها معهد هدسون الامريكى ، أن تركيا وإسرئيل سيرفعان التمثيل الدبلوماسى بينهما إلى مستوى السفراء مرة أخرى مع حلول العالم المقبل معربا عن ثقته بأن العلاقات بينهما ستعود إلى طبيعتها من جديد.