من ينظر إلي الحالة التي وصلت إليها العلاقات التركية الإسرائيلية, يمكنه أن يرصد جملة من المشاهد المتناقضة والغامضة في آن واحد, ورغم ذلك هناك رغبة لدي طرفي المعادلة, علي تأكيد أهمية بل وحتمية طي صفحة الأمس والتطلع إلي اليوم, إن لم يكن الغد. غير أن الاشكال الذي يواجهما, يكمن في من يقوم بضربة البداية؟ هذا علي مستوي الارادة السياسية, أما ما دونها وهذه هي المفارقة من أمور البيزنس فتسير في طريقها المعتاد بل أكثر من العادي, مسجلة تفوقا, مقارنة بفترات سابقة كانت علاقات البلدين خلالها تتسم بالوئام الكامل. حيث يشهد التبادل التجاري بين الدولتين زيادة واضحة, في مقابل توقف شبه كامل للاتصالات السياسية. وفي إطار السعي كي يتكامل الجانب الاقتصادي والسياسي, انطلقت من الخارجية الاسرائيلية تصريحات أكدت أن تل أبيب تولي اهتماما كبيرا للعلاقات مع تركيا, واصفة إياها بالدولة المهمة, ومفتاح للاستقرار في الشرق الأوسط, وأعربت أميرة أورون, المتحدثة باسمها في اتصال هاتفي مع مراسلة وكالة الأناضول عن أمنيتها في عودة العلاقات إلي سابق عهدها, مشيرة إلي أن بلادها مستمرة في إرسال رسائل لأنقرة تتسم بالايجابية من أجل فهم دقيق لماهية الشروط التي تطلبها تركيا علي خلفية حادث مافي مرمرة الذي أودي بحياة تسعة من المواطنين الاتراك منوهة إلي ضرورة تقديم كلا الجانبين تنازلات حتي يمكن تهيئة مناخ لتفاهم متبادل, يتجاوز الأطر الثنائية ليشمل التطورات الاقليمية العاصفة التي يمر بها شرق المتوسط. وكان داني ايالون قد سبق وقال إن بلاده علي إستعداد لتقديم اعتذار مشابه لنظيره الذي قدمته امريكا لإسلام اباد بعد مقتل عسكريين باكستانيين بالخطأ العام قبل الماضي, صحيح رفض وكيل الخارجية فريدون سينرلي أوغلو مقترح ايالون إلا أن دبلوماسيين محليين اعتبروه خطوة للأمام مع الأخذ في الاعتبار أن ايالون من الصقور المتشددة وأنه كان صاحب فكرة الكرسي المنخفض أثناء استدعائه لسفير تركيا الأسبق بتل أبيب احمد شليككول قبل اعوام بهدف إهانته. هذا الزخم, تواكب مع الانتخابات الاسرائيلية التي أولتها الميديا مرئية ومسموعة ومقرءوة اهتماما لافتا, بيد أن ما قالته المسئولة الاسرائيلية جاء ضمن تحليل مطول قامت به وكالة الاناضول الرسمية استطلعت فيه آراء خبراء إسرائيليين في محاولة استشرافية لرصد ما هو محتمل حدوثه في العلاقات التركية الاسرائيلية, ما بعد تلك الانتخابات, وما إذا كان هناك تغير في أوزان القوي السياسية داخل الكنيست أم لا؟ وهذا بدوره عكس بشكل أو بآخر إلحاح من قبل حليف الطرفين, وهو هنا الولاياتالمتحدةالأمريكية, التي لا تترك مناسبة إلا وتذكرهما بضرورة إعادة الدفء لعلاقاتهما, مع ملاحظة أن واشنطن مارست ضغوطا أكثر علي اسرائيل مطالبة إياهها بايجاد اي طريقة لارضاء تركيا. والأخيرة باتت تدرك حجم التداعيات السلبية, الذي ترتب علي تصعيد خطابها الحاد تجاه الحكومة الاسرئيلية وخسارتها للوبي اليهودي وهو ما أدي لاهتزاز صورتها لدي شركائها الاوروبيين, لكونها باتت تعادي اليهود, والدليل علي ذلك البيانات التي صدرت مؤخرا من اتحاد الاتراك غير المسلمين, والتي أشارت إلي أن اعداد اليهود في تركيا تناقصت بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الماضية وهي فترة حكم العدالة والتنمية. المثير في الأمر أن أحد مسئولي هذا الاتحاد أكد أن توجيهات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالعمل علي حماية الاقليات لم تعد تجدي معللا السبب بأنها جاءت متأخرة خاصة مع استمرار إحراق العلم الاسرائيلي في كل تظاهرة احتجاجية, دون رد فعل حكومي رسمي يندد بمثل تلك الممارسات. لكل هذه الاسباب اعتبرت الانتخابات الاسرائيلية فرصة لتهيئة الأجواء لإثارة ملف العلاقات مع تركيا مرة أخري, وبعد أن ظهرت النتائج وفيها تراجع واضح لليمين تبدو انقرة مهيأة لاستقبال تغير نوعي في تلك العلاقة, فهل سيتحقق لها ما تريد وتعتذر إسرائيل ؟ هذا ما سوف يتضح خلال الاسابيع القليلة القادمة.