لا تعاني المجتمعات من شيء قدر ما تعاني من غياب الصدق.. ذلك لأن الكذب عادة مقيتة وهي أساس كل الأمراض الأخرى التي تعاني منها تلك المجتمعات.. فلن يغش في تجارته إلا كاذب يروج السلعة بهذا الكذب، ولن يحتكر البضائع ليغلي ثمنها إلا كاذب يتستر وراء كذبه ليحقق ما يعتقد انه أرباح.. وهكذا في كل أنواع تلك الامراض الفتاكة على كافة المستويات. لذلك فإن الإسلام قد اكد وجوب الالتزام بالصدق في كل الاحوال وورد بذلك امر قرآني للوجوب، قال عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، وفي التأكيد على أهمية الصدق كذلك تلمح أن القرآن الكريم يرسل إشارات قوية من وقت لآخر ليؤكد على أن الصدق معيار أساسي لتقسيم الناس أمام رب العزة جل وعلا، فإما صادق وإما منافق معلوم النفاق.. استمع إلى ربك وهو يقول صراحة ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم) فاختر لنفسك أيها القارئ الكريم أي الفريقين تحب أن تكون أمام ربك جل وعلا؟ وفي السياق ذاته يخبر ربنا جل وعلا أن الصدق هو الشيء الوحيد الذي ينجو به العبد يوم القيامة من عذاب الله وغضبه، استمع إلى ربك وهو يقول: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم). بل يصف ربنا جل وعلا أنبياءه عليهم السلام بتلك الصفة إمعانا في التأكيد على أهميتها وأنها من اعظم ما يمكن ان يتصف به المؤمن، قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً)، وقال عن إدريس عليه السلام: (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً)، وقال عن إسماعيل عليه السلام: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً)، وقال عن يوسف عليه السلام: (يوسف أيها الصديق)، وقال في حق نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (وصدق الله ورسوله). لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتربية أصحابه والأمة كلها على الصدق لعلمه صلوات ربي وسلامه عليه انه أساس كل خير، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً). وأخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصدق طمأنينة، والكذب ريبة وأخرج ابن أبي الدنيا عن منصور بن المعتمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تحروا الصدق وإن رأيتم أن الهلكة فيه، فإن فيه النجاة. وهنا توجيه غاية في الروعة، فكثير من الناس الآن يعتقد أن الكذب في بعض المواقف يؤدي به إلى النجاة، وأنه لو صدق لوقع ما لا يحبه، وهذه رؤية قاصرة، وكل المواقف الذي فهم منها الناس هذا تنقلب في النهاية ليندم الكاذب على كذبهن ويتمنى لو عاد الزمان ليصدق لما رآه من عاقبة الكذب. إن لم يحدث هذا في الدنيا وعلى أعين الناس حدث في الآخرة بعد أن يرى جزاءه عند ربه.. وساعتها لا ينفع الندم.. قد يسألني الآن القارئ ويقول وماذا أجني من وراء صدقي إلا متاعب كثيرة، سأقول الحق الذي يغضب الناس دوما، وسأخسر بسبب هذا الصدق أكثر مما سأكسب، وأنا أقول له يكفيك أنك سترضي الله ورسوله، يكفيك أنك ستجد راحة الضمير، وطمأنينة النفس التي يفتقدها كل الكاذبين الذين اعتادوا الكذب.. الم تسمع لقول حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول الصدق طمأنينة والكذب ريبة. يكفيك إن صدقت في تجارتك أو صناعتك أو مختلف شئونك ان الله سينعم عليك بالبركة في تجارتك أو صناعتك وسائر أحوالك، سيكثر الخير ويبارك لك فيه، واسمع إن شئت لقوله عليه الصلاة والسلام البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما فىبيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما. يكفيك أنك بسبب هذا الصدق سينجيك الله من المكروه،لأن الصدق منجاة، وفي ذلك قصص كثيرة تروى للتدليل على عظم أثر الصدق في نجاة العباد. لمزيد من مقالات د شوقى علام