مع احتفالات عيد العمال والحديث عن تشغيل مصانعهم المتوقفة واستعادتهم حقوقهم، ودوران عجلة الإنتاج تواصل "الأهرام" حملتها التى بدأتها قبل أسابيع لرصد المصانع المتعثرة فى المحافظات، لعل وعسى تلاقى اهتماما ودراسات وإمكانيات وإرادة وطنية جادة لتشغيلها وبعث الحياة فيها من جديد، وكان المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء وعد بإعادة فتح ملف مصانع الستينيات المتوقفة. مؤكدا أن الدولة ستعمل على إعادة تشغيلها جميعا بالتدريج، وهو ما استقبلناه بكثير من الترحاب متمنين سرعة تحقيقه .. وعلى ذلك قررنا مساعدة الحكومة فى ملف مصانع الستينيات المتوقفة وثروات البلاد المهدرة. نقدمه لكم أنتم، أيها السادة المواطنون رغبة فى كشف النقاب عن الحقيقة، وللحكومة أيضا لعلها تجد ماتبحث عنه عبر مكاتب ودواوين بعيدة تستنفد كثيرا من الوقت.
ماكينات معطلة ومخازن مؤجرة هى كل ما تبقى من مصنع غزل الفيوم الذى يعد نموذجا صارخا لإهدار المال العام، فبعد أن كان هذا المصنع أحد أهم وأقدم المصانع على مستوى محافظات الصعيد، تحول إلى أطلال تسكنها الأشباح بعد أن تهالكت ماكيناته المحرومة من التطوير، وتم تسريح نحو 7 آلاف من عماله بنظام المعاش المبكر، فى حين رفضت الشركة القابضة للغزل والنسيج تنفيذ برنامج لتحديث المصنع وإعادته إلى الحياة مقابل 12 مليون جنيه، بينما خصصت 20 مليونا لتنفيذ برنامج المعاش المبكر لعمال المصنع. مصنع غزل الفيوم يتبع شركة مصر الوسطى للغزل والنسيج، وتم إنشاؤه عام 1962 على مساحة 42 فدانا بمنطقة العزب بمركز الفيوم، وجد فيه أهالى الفيوم ضالتهم للعمل والإنتاج، وانضم نحو 7 آلاف من الفنيين والعمال من أبناء المحافظة إلى قوة العمل بالمصنع الذى كان ينتج نحو 7 أطنان يوميا من أجود أنواع الغزل المستخدم فى صناعة النسيج فى مصر، وظل يعمل حتى بدايات عام 2000، ثم توقف بعد أن تم تكهين جميع محتوياته من ماكينات وخطوط إنتاج، ولم يتم تطويرها منذ نشأته، حتى أصبح لاينتج سوى طن واحد فقط من الغزل لم يستمر طويلا حتى توقف العمل والإنتاج تماما بالمصنع عام 2009 بعد تسريح العمال يوما بعد آخر، حتى لم يتبق منهم سوى العشرات. وتتضح ملامح المشكلة بشكل أوضح عندما نعرف أن مسئولى مصنع غزل الفيوم وشركة مصر الوسطى للغزل والنسيج قاموا ببيع الغزل دون ضمانات "ع النوتة" مما يبعث الريبة فى النفوس ويشكك فى نيات هؤلاء المسئولين الذين باعوا من المصنع غزلا بقيمة 177 مليون جنيه لم يحصلوا منها على شىء، وجاء تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عام 2007 ليفضح هذه الجريمة، ويؤكد أن الأرصدة لدى العملاء حتى نهاية شهر يونيو 2007 بلغت 91 مليون جنيه، وبلغت الأرصدة المتوقفة 86 مليونا منها 45 مليون جنيه لدى القطاع الخاص، و5 ملايين لدى عملاء بالخارج، و36 مليونا لدى عملاء ثبت وقتها توقفهم عن السداد وعن التعامل مع المصنع منذ عام 2004. كما كشف تقرير أعدته اللجنة النقابية للعاملين بمصنع الغزل، عن أن ماحدث ماهو إلا نتيجة للسياسة المشبوهة للنظام السابق، التى أدت إلى انهيار الصناعة بأكملها وليس صناعة الغزل وحدها، وضرب التقرير مثالا بالرسوم الإضافية التى يتم فرضها بشكل مستفز، فى حين أن المنتجات الأخرى المستوردة من جميع دول العالم يتم تخفيض رسومها، وفى كثير من الأحيان يتم إلغاؤها، وأوضح أن تكلفة طن الغزل المصرى تصل إلى 13 ألف جنيه فى حين أن تكلفة طن الغزل المستورد من سوريا أقل من 10 آلاف جنيه، مما يعنى سعر وجودة أفضل. وقد وصف عدد من العاملين، ما حدث للمصنع بأنه خيانة عظمى، وأنه جزء من مخطط تخريب الصناعة الذى يشرد عشرات الآلاف من العمال، خاصة أن صناعة الغزل والنسيج من الصناعات كثيفة العمالة، مؤكدين أن المصنع كان يعمل مثل خلية النحل ويحقق مبالغ هائلة من وفرة الإنتاج من الخيوط والملابس القطنية، لكنهم فوجئوا بمحاولات إقناعهم لقبول الخروج إلى المعاش المبكر مقابل بضعة آلاف من الجنيهات، وبالفعل استجاب الكثير من البسطاء أحيانا بالتراضى وأحيانا أخرى بالضغط مستسلمين لمصيرهم المجهول، بحجة أنه لاجدوى من تطوير المصنع، نظرا للتكلفة المرتفعة، حتى وصل عدد من خرج إلى المعاش المبكر إلى أكثر من 2700 عامل، كما أكدوا أن عدم تطوير المصنع كان الهدف منه تحقيق خسارة متعمدة، هدفها الخفى هو إبرام الصفقات المشبوهة لبيع أراضى المصنع التى تقدر بأسعار خيالية. وأضافوا أن شركة مصر الوسطى للغزل كانت قد حصلت على قروض ضخمة من بنك الاستثمار، منها قرض ب35 مليون جنيه عام 1990 بدعوى تطوير مصنعى الفيوم وبنى سويف، إلا أن هذا التطوير ظل حبرا على ورق، بدليل أن ماكينات المصنع التى تعمل منذ عشرات السنين لم يتم تطويرها حتى تم إهلاكها بالكامل، وبعد عجز الشركة عن سداد قيمة القرض قام البنك برفع دعاوى قضائية خسرتها الشركة، وطالبت وزارة العدل، شركة مصر الوسطى للغزل، بسداد مصروفات ورسوم القضايا التى خسرتها والتى بلغت 5.4 مليون جنيه، ولم تسدد الشركة هذه المبالغ أيضا، مما حدا بالوزارة إلى الحجز على ممتلكات الشركة ومعدات المصنع التى أصبحت خردة لا تصلح لشىء، فى حين تم تأجير أراضى المصنع كمخازن لبعض المستثمرين.