فتحت أنف النائب البرلماني أنور البلكيمي الجدل من جديد حول أسرار المرضي ومتي يجوز للأطباء الكشف عن تفاصيل وأسرار مرضاهم خاصة وان الكشف عن تفاصيل العملية الجراحية التي أجريت للبلكيمي أدي إلي القضاء علي المستقبل السياسي للرجل وجعلته يعاني من الانكسار النفسي لدرجة انه أصبح لا يجرؤ علي أداء الصلاة في المسجد خوفاً من نظرات الناس التي تحمل إما السخرية وإما اللوم والتأنيب وفي الوقت الذي برأت فيه نقابة الأطباء أعضاءها الذين يعملون في مستشفي التجميل الذي عولج فيه النائب السلفي فإننا لم نسمع رأي بعض علماء الدين في قضية كشف أسرار وخيبة البلكيمي. عقيدتي طرحت القضية علي علماء "الدين" وأحد خبراء الطب والذي تخصص في علاج مرضي الايدز وهو واحد من أهم الاطباء الذين اطلعوا علي أسرار هؤلاء المرضي.. والتفاصيل في السطور التالية. الطبيب بئر الأسرار * بداية يقول الدكتور عبدالهادي مصباح أستاذ المناعة بجامعة تمبل الأمريكية وأحد المطلعين علي أسرار كل مرضي الايدز في مصر ان حفظ أسرار المرضي واجب مقدس علي الطبيب وعلي كل من له علاقة بمهنة الطب ويطلع بحكم وظيفته علي أسرار المرضي لدرجة ان بعض الدول الاسلامية تلزم الطبيب أثناء التخرج بأن يقسم علي كتاب الله بألا يفشي سراً من أسرار مرضه. ويشير د. مصباح ان لائحة العمل الطبي أكدت ان افشاء سر المريض من جانب طبيبه المعالج جريمة تصل عقوبتها إلي الشطب من جداول النقابات الطبية في حال حدث ذلك ولقد أكدت لائحة نقابة الأطباء في مصر علي صيانة أسرار المريض ووجوب حفظها من منطلق ان الاسلام أكد علي حفظ السر والستر خاصة اذا كان هذا الستر لا يؤذي أحداً وهكذا فان اطلاع الطبيب علي أسرار مرضاه لا يبيح له كشف هذه الأسرار أو التحدث عنها بما يؤدي إلي افشائها الا في حالات استثنائية خاصة جداً منها اذا كان الطبيب يتحدث مع أهل المريض ويهدف إلي حمايتهم من العدوي أو إفادة مريضه في علاجه وكذلك اذا ترتب علي الافشاء مصلحة عامة للمجتمع بشرط ان يكون التبليغ للجهات الرسمية المختصة مثلما حدث في حالة النائب أنور البلكيمي حيث تم ابلاغ النيابة وتم ذلك في محضر رسمي ولعل هذا ما جعل نقابة الاطباء تغلق باب التحقيق مع الطبيب المعالج للنائب البرلماني علي اعتبار ان كشف تفاصيل العملية التي أجريت له تم في محضر رسمي وبناء علي استدعاء من النيابة العامة. ويشير د. مصباح إلي ان القانون أباح أيضاً للطبيب افشاء أسرار مريضه اذا دعت الحاجة لذلك من أجل تعليم الأطباء أو من أجل اطلاع الفريق المعالج له علي تفاصيل الحالة الصحية للمريض. اسباب الفضيحة يقول الدكتور رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الاسلامية وعضو مجمع فقهاء الشريعة بأن الله تعالي اوجب علي عباده تعلمه من اجل خدمة الانسانية ولتخفيف آلاف الناس ولأن المريض في بعض الحالات قد يبوع بأسراره لطبيبه او ان الطبيب قد اطلع علي بعض اسرار مريضه خلال علاجه اياه ولهذا فإن الشريعة الاسلامية التي صانت اصرار الناس حرصت علي التأكيد علي حرمة كشف الطبيب لأسرار مرضاه واعتبر حفاظ العاملين في الحقل الطبي علي اسرار مرضاهم من اهم اخلاقيات العمل الطبي وامانة يجب عليهم الحفاظ عليها وعدم خيانة تلك الامانة من صميم الشريعة الاسلامية.. ويضيف د. عثمان ان الشريعة الاسلامية عندما حرصت علي تأكيد خصوصية كل ما يتعرض بالمريض من الناحية الصحية للزواج بأنه- المريض- هل لديه أمراض معدية أو جنسية تنتقل منه إلي الذرية أو الزوجة ففي هذه الحالة لا يجوز للطبيب ان يخون المستشير بل يجب ان يصدقه ويكشف له السر لأن كتمان السر في هذه الحالة يوجب مفسدة أكبر من مفسدة كشف السر. كذلك فان من موجبات كشف سر المريض اذا استدعي الطبيب من القضاء للشهادة حول مريضه ومرضه فاذا كان في شهادة الطبيب افشاء السر مريضه فهو جائز وواجب لأن كتمان الشهادة إثم ولهذا فان الادلاء بالشهادة هو مبرر شرعي للبوح بهذه الاسرار كذلك يباح للطبيب ان يبوح بسر مريضه اذا كان افشاء السر يحول دون ارتكاب جريمة كأن يكون المريض قد صنع سحراً لأشخاص آخرين وأباح بمكان هذا السحر وتفاصيله للطبيب فكتمان الطبيب لهذا السر يؤدي إلي تعريض هؤلاء للخطر. وينهي د. عثمان حديثه وفق هذه الأحكام بان حديث طبيب البلكيمي اذا كان قد جاء في محضر رسمي فلا إثم عليه. جسد المريض أمانة ويقول الشيخ عمر سطوحي أمين عام اللجنة العالمية للدعوة الاسلامية بالأزهر ان الطبيب مطالب بالحفاظ علي أسرار المريض مؤكداً ان الاسلام يحرم علي الطبيب افشاء سر مرضاه بأي حال من الأحوال لأن المريض يترك جسده أمانة لدي طبيبه فمن الممكن ان يكون المريض مريصاً بمرض لا يريد لأحد ان يطلع عليه وفي حالة فضح تفاصيل ذلك السر يكون قد أهان مريضه ووضعه موضع الاحتقار بين أهله وعشيرته الأقربين كما ان الطبيب قد يطلع في بعض الأحيان علي سر من أسرار مريضاته وقد يكشف عوراتهن وهو يعالجهن وهنا فان أسرار تلك المريضات تصبح من المقدسات التي لا يجوز للطبيب كشفها بحال من الأحوال. ويرفض الشيخ سطوحي تطبيق أحكام الاسلام في كشف أسرار المريض علي حالة النائب السلفي أنور البلكيمي قائلاً ان هناك أموراً أهم من هذا تستوجب مناقشتها في الفترة الحالية ولكن بشكل عام والكلام لسطوحي فان هناك حالات يباح فيها للطبيب كشف أسرار مريضه منها اذا كان كشف السر يوقف جريمة لن يوقفها الا كشف سر المريض كذلك اذا أمرت السلطات القضائية بافشاء السر لتحقيق سير العدالة في احدي القضايا المحظورة أمام المحاكم كأن تطلب المحكمة من الطبيب أو غيره من العاملين بالحقل الطبي اعداد تقرير مفصل عن حالة مريضه ولو كانت المعلومات التي يتضمنها التقرير سراً أما بالنسبة لصاحبها أو مثل ان يكون الافشاء بقصد منع الجريمة كما قلنا أو ان الكشف عن سر المريض يحقق مصلحة عامة. ويشير الشيخ سطوحي ان القاعدة الشرعية التي نحتكم اليها في كشف أسرار المريض هي ان الضرورات تبيح المحظورات وكذلك قاعدة تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام. إرادة المريض ويري الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق ان تبرئة نقابة الأطباء للطبيب الذي أجري عملية النائب البرلماني أنور البلكيمي يؤكد ان كشف سر العملية التي أجريت للنائب حدث في محضر رسمي ومن أجل المصلحة العامة والمعروف شرعا ان المصلحة العامة مقدمة علي المصلحة الخاصة ولهذا أجيز للطبيب كشف سر البلكيمي رغم ان القاعدة في العمل الطبي هي أن أسرار المرضي التي يطلع عليها الطبيب بحكم عمله لا يجوز لأحد الاطلاع عليها لأنه ينبغي علي الطبيب ان يكون أمينا علي أسرار مرضاه وتلك الأسرار أمانة معلقة في عنقه لدرجة أنه حتي في حالة شفاء المريض من مرضه لا يحق للطبيب الكشف عن تفاصيل هذا المرض إلا بإرادة المريض نفسه. ويضيف الشيخ عاشور: يأتي عدم الكشف عن أسرار المرض ضمن أحكام الشريعة الإسلامية التي تري ان هناك من المعاصي والآثام التي لم تندب الشريعة الإسلامية لكشفها كأن يرتكب المسلم معصية متسترا عن أعين الناس تخوفا من إطلاعهم عليها فإذا اطلع الطبيب علي شيء من تلك الآثام فعليه ان يستر مريضه فلعل الستر يكون دافعا لتوبة المريض من تلك المعاصي.