ما حدث في نجع حمادي يجد أن الفقر والجهل اجتمعا تحت دائرة التعصب القبلي فأنتجا التعصب الديني لذا فالمجتمع في حاجة الي مرحلة تنوير جديد كما حدث في القرن الماضي علي يد رفاعة الطهطاوي ومصطفي عبد الرازق وعبد المتعال الصعيدي وطه حسين وغيرهم, وهذا الدور هو المنتظر من الجامعات السبع في صعيد مصر, فالتنوير مسئولية الجامعة.. وإذا نظرنا إلي المجتمع في محافظة قنا سنجد العصبية القبلية التي لاتهدف إلي التكافل الاجتماعي بل تنشئ سلطة موازية للدولة تحل وتحرم بعيدا عن تسامح الأديان وعقلنة العقل, فمثلا القتل في العصبية القبلية شيء عادي ومباح والقاتل يتحول إلي بطل داخل القبيلة والمجتمع. ومن هنا نجد العصبية الدينية ترتدي زي التعصب القبلي وتقوي العصبية القبلية الدينية ابان الانتخابات, ولذلك لابد من إعادة النظر في قانون الانتخابات بحيث تكون القائمة النسبية حتي تستطيع الاحزاب أن تحل محل العصبية القبلية الدينية وفي هذه الحالة ستذوب القبائل, في أحزاب شتي وهذا سوف يضيق الخناق علي غلبة التشدد والمذاهب المتشددة البعيدة عن الوسطية والوافدة علينا من مجتمعات لاتوجد بها أقليات دينية ونشأ فكرها في ظل الحروب الصليبية. ومن شاهد الحرب اللبنانية وتبعاتها بسبب طوائفها الثماني عشرة ومايحدث في ماليزيا ونيجيريا والعراق من فتن طائفية يعرف قيمة أمن مصر وأهمية درء الفتنة ودعاتها. لقد نسي تجار الأديان أن مكرم عبيد وفكري مكرم عبيد كانا عضوين في البرلمان بدائرة قنا, ومن هنا فلابد من عودة رجال الدين المسيحي والإسلامي إلي دورهم في بناء النفس وتهذيب الاخلاق وترك المنافع الدنيوية إلي رجال السياسة حتي لايتحول رجال الدين إلي منافس سياسي عنيد يلبس مسوح التدين ويمارس السياسة ولا يرضي أن يكون لاعبا في حلباتهم بكل ما في السياسة من مقامرة وألاعيب فهو ينشد القداسة والزعامة السياسية معا وهما لايجتمعان قط, ولابد من إعمال القانون وأن يحصل المخطئ علي عقاب وفقا للقانون الناجز السريع, وأن يحل القانون محل المجالس العرفية, وأن ينتشر التنوير محل الدجل والتخبط الفكري حتي يكون الولاء للدولة وليس للقبلية. وفي ظل الحداثة وما بعدها وظف المرجفون في المدينة تقنياتها في نشر الفتنة ولذا أطالب بقانون يجرم كل ما يبث عبر الإعلام والنت ووسائط المعرفة سواء بالنشر أم بالقول لكل مايدعو إلي العصبية الدينية, فآلاف الشباب يسخرون الاجهزة الجديدة والتقنيات الحديثة ويتبادلونها كي تكون وسيلة من وسائل التعصب الديني فيصورون بها هتك الاعراض وممارسة الرذيلة مع فتيات من دين آخر عبر تركيب الصور( الكولاج) ويصورون بها مشاهد قتل الآخرين انتقاما منهم علي نشر البلوتوث والملتي ميديا والرسائل الهاتفية والايميلية والمواقع الإنترنتية التي تجعل العوام يصدقونها وتغلي في دمائهم روح الانتقام مقتنعين بأسباب القتل بل مضحين بأرواحهم في سبيل القبيلة الدينية, وتتحول هذه الأدوات لنشر الرذيلة والتعصب, فبدلا من أن تكون الهواتف والكاميرات وسائل اتصال تحولت إلي وسائل انفصال تقوم بسببها الفتن. إنني أدعو إلي إنشاء مجلس حكماء يراقب أي خلل في المجتمع وحبذا لو تكون بعيدا عن رجال الدين من هنا أو هناك ومن نخبة من المستنيرين الذين يعشقون الوطن وذوي الثقافة العالية لمراقبة المجتمع حتي لانفاجأ بسيول تجرف الأخضر واليابس في طريقها, وقبل أن ينتقل الوباء الطائفي من محافظة لأخري بل من قرية لأخري دون أن يكون للمثقفين وقفة المواجهة. ومن المؤسف أن ساكني المهجر الذين كانوا في القرن الماضي دعاة تنوير وتثقيف ونهضة فكرية في ربوع الوطن أضحوا غلاة تشدد ودعاة قتل وانتقام. في صعيد مصر مايقرب من سبع جامعات عليها نشر فكر التسامح والتقارب وحقوق الانسان وتأصيل مفهوم المواطنة, والعمل علي عقلنة المجتمع, لاسيما أن خريجيها منذ إنشائها يجاوزون الملايين, وهم الذين غدوا مع الزمن كبار القوم فمتي ينهض هؤلاء بدورهم مزيحين غبار التخلف وركام التشدد للرجوع إلي جوهر الأديان في المحبة والسلام؟ علي هذه الجامعات أن تحطم أسوارها للالتحام بالمجتمع وقضاياه لتقود سفينة التنوير نحو ثقافة الوطن لاثقافة القبيلة والطائفية.