تشهد الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية هذه الأيام تصاعدا حادا فى حجم ولهجة الانتقادات الموجهة إلى الرئيس باراك أوباما بسبب سوء تعامله مع ملفات منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ومع قضية الحرب على الإرهاب وتنظيم داعش بصفة خاصة، بما فى ذلك بطبيعة الحال سياسات إدارته الخاطئة تجاه مصر بعد ثورة 30 يونيو التى قامت أصلا لمواجهة خطر الإرهاب فى المنطقة من جذوره، ووضع مصر فى مقدمة وطليعة الدول التى تصدت بجدية لهذا الخطر الرهيب على المنطقة والعالم بأكمله.
والمراقب لتعليقات وسائل إعلامية أمريكية وتصريحات بعض السياسيين والخبراء هذه الأيام، يدرك أن ثمة تغيير ملحوظ فى نبرة التعامل مع قضايا المنطقة، ويدل على ذلك الهجوم الحاد والصريح الذى تعرض له أوباما بسبب سياساته الفاشلة، والتى أوصلت واشنطن إلى درجة اعترافها بفقدان نفوذها فى الشرق الأوسط، وأوصلت العالم إلى حافة حرب شديدة الخطورة ضد جماعات الإرهاب بشتى أنواعها وأسمائها.
ومعظم هذه الانتقادات تتناول "سطحية" تعامل إدارة أوباما مع ملف الإرهاب، وبعضها وصل إلى درجة اتهامه صراحة بالتخاذل وعدم الوطنية.
وبالأمس، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية النافذة تقريرا يقول إنه يتعين على الولاياتالمتحدة تقديم العون لمصر فى مواجهة الإرهاب الذى تتعرض له، وبخاصة بعد سلسلة التفجيرات التى شهدتها القاهرة هذا الأسبوع، والتى أكدت أنه لا ينبغى أن تترك مصر وحدها تحارب الإرهاب، ولا تقدم لها الدعم اللازم فى هذا الصدد بحجة وجود خلافات فى وجهات النظر بين البلدين فى عدد من النقاط.
وتقول "وول ستريت جورنال" إن تفجير محيط دار القضاء العالي، ومن قبله تفجير أسوان، وعدة تفجيرات أخرى وقعت فى مصر، كلها هجمات تستهدف المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وهو ما يمثل تصعيدا ملحوظا فى الإرهاب الذى ظل مقصورا لفترة على شبه جزيرة سيناء. وتفند الصحيفة أيضا رأى أولئك الذين ما زالوا يقدمون المبررات والأعذار للعنف فى مصر، فتشير إلى أن هناك "نظرية سائدة بين أصدقائنا الليبراليين تقول إن العنف فى مصر الآن رد فعل" على الإطاحة بالمعزول محمد مرسى وحكم الإخوان عام 2013 ومجيء السيسى إلى الحكم، وأن ذلك هو ما دفع الإسلاميين إلى حمل السلاح دفاعا عن أصواتهم، فتشير الصحيفة هنا إلى حقائق تفيد بأن العنف فى شمال سيناء تحديدا موجود من عام 2010، أى قبل ثورة 25 يناير 2011، وأن الاضطرابات الداخلية ازدادت هناك - بحسب الصحيفة - فى ظل حكم الرئيس المعزول نفسه، فازدادت حالات الخروج عن القانون هناك، ومورس العنف ضد الأقباط.
وفى انتقاد واضح لإدارة أوباما ومواقفها السابقة، تعترف الصحيفة بأن سياسات السيسى فى مواجهة الإرهاب لن تتغير مع تزايد التفجيرات واتساع نطاقها، وتقر أيضا بحقيقة أن أغلبية المصريين المستاءة من اضطرابات السنوات الأربع الماضية تبدى تأييدا للحرب ضد الإرهاب التى يخوضها السيسي، فى حين أن الإرهابيين لم يتمكنوا من اكتساب أى شعبية مماثلة على الأرض. وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول إن منطقة الشرق الأوسط صارت فوضوية أكثر من اللازم، وأن الأمر سيئ بما يكفى ولا يمكن السماح لمصر أن تنزلق هى الأخرى فى هذا المنزلق، ولذلك فإن مصلحة أمريكا الآن هى مع أن تتغلب مصر على الإرهاب الحالى ،وتدعم روح التسامح والحداثة. هذه الأصوات والآراء بدأت تنتشر بشكل متكرر فى صحف أمريكية مماثلة هذه الأيام مع تكشف خطايا سياسات أوباما.
ولكن يمكن القول إن شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية هى القناة التليفزيونية الوحيدة التى تواجه إدارة أوباما بسبب هذه السياسات، بل وتؤكد للرأى العام الأمريكى جدية القيادة السياسية فى مصر فى محاربة الإرهاب.
فقد شنت القناة مؤخرا هجوما عنيفا على الإدارة الأمريكية، وبخاصة بعد فشل مؤتمر مكافحة التطرف فى الخروج بأى قرارات أو إجراءات ملموسة.
وإضافة لذلك، تضمن عدد من البرامج التليفزيونية على الشبكة نفسها ومن بينها برنامج "ذا ريلى فاكتور" الذى يحظى بنسبة مشاهدة عالية صورا لأوباما مع تعليقات محللين ومسئولين، من بينهم السيناتور الجمهورى تيد كروز عن ولاية تكساس الذى تمنى صراحة أن يكون أوباما بنفس القدر من شجاعة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذى طالب فى خطابه الشهير بضرورة محاربة الفكر الإسلامى المتطرف.
كما تسببت تصريحات لرودى جوليانى عمدة نيويورك الجمهورى الأسبق ل"فوكس نيوز" فى حالة من الاحتقان الشديد بين الديمقراطيين والجمهوريين، بعد أن اتهم الرئيس صراحة بعدم الوطنية، بل وألمح ضمنيا إلى وجود شبهة خيانة للولايات المتحدة، وذلك فى ضوء تعقيبه على مواقف الرئيس وتوجهاته الحالية التى وصفها ب"المتخاذلة" وغير المفهومة فى مواجهة التهديدات الإرهابية ضد الولاياتالمتحدة، وهو الرأى الذى قد يدعمه مسار الأحداث خلال العامين الأخيرين.
فهل يصمد أوباما أمام هذا الهجوم؟ أم يفيق فيما تبقى من فترة رئاسته الحالية لما ارتكبه من أخطاء أضرت بالجميع؟