مابال أقوام يخرجون علينا هذه الأيام؛ فيدفعوننا دفعا إلى الشك فى عقيدتنا، وهى حائط الصدّ الباقى إزاء ما نحن فيه من اليأس والقنوط واهتزازات اليقين؟ ما بالهم- تعمّدا أو عن جهالة- يفتشون فى أضابير التاريخ، وأوراقه المنسيّة، فلا يستخرجون منها إلا كل منحول من القول، ومزعوم من الأحاديث، ومكذوب من الروايات.. فيحاججوننا بها.. زاعمين أنهم إنما يبحثون عن الحقيقة؟ .. ما جدوى التشكيك فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن؟ وهل نحن حللنا كل مشكلاتنا، وأجبنا عن أسئلتنا الحائرة جميعها، فلم يبق إلا تاريخ الصحابة؟ سيقولون: نريدكم أن تعرفوا دينكم الحق. شكرا لكم.. سعيكم مشكور.. لكن كيف لا يكتمل فهم الدين الصحيح إلا بالتشكيك فى صحابى جليل كأبى بكر الصديق رضى الله عنه؟ . كيف تقول لى إن أبا بكر أحرق الناس ثم اعتذر.. وتريدنى أن أرى فى هذا الادعاء المزعوم صحيح الدين؟ كيف تقول لى إن عمر بن الخطاب أتى فأبطل القرارات التى اتخذها الصدّيق ثم تطلب منى أن أفهم؟ ماذا يبقى لى- أنا المسلم البسيط المسالم الوديع- لو سقط فى نظرى أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ؟ طبعا لن يكون أمامى إلا أن أخرج على الناس شاهرا سيف حيرتى وزيغى ونكرانى.. فأحرّق وأذبّح وأمثّل بالجثث! .. ثم من يضمن لك ألا يمتد حبل زيغى ونكرانى إلى أصل الأصول وثابت الثوابت؛ كتاب الله وسنة رسوله؟ أليس أبو بكر هذا من نزل فيه قرآن من فوق سبع سماوات.. إذ يقول الله تعالى عنه: «إلاّ تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين، إذ هما فى الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا»؟.. نعوذ بالله من عبث العابثين وتشكيك المشككين. .. ثم ما بال هؤلاء الأقوام يخرجون علينا فيزعمون أن داعش- ومن حذا حذوهم- إنما يقلدون صحابة رسول الله وهم يذبحون ويحرقون ويقطعون الأوصال؟ طيب.. لماذا إذن لم يقلدوا رسول الله فى رحمته وتسامحه وهو يأمر المسلمين الخارجين للجهاد، بألا يقطعوا شجرة، أويؤذوا طفلا أو شيخا أو امرأة؟ ونعود إلى أبى بكر.. ونستعيد بعضا من كلمات خطبته حين بايعه المسلمون خليفة عليهم لنرى من هو أبو بكر.. قال:«وليت عليكم ولست بخيركم.. أطيعونى ما أطعت الله فيكم.. الضعيف فيكم قوى حتى أريح عليه حقه.. والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله».. فلماذا لا تنتهج داعش- وغير داعش- نهج هذه الكلمات الطيبات بدلا من القتل والحرق والتمثيل؟ آه.. وبمناسبة الحديث عن الحرق.. لقد خرج أساتذتنا فى الأزهر الشريف، وفى الأوقاف، وفى دار الإفتاء، فأوضحوا بالبرهان الساطع، و بالرأى القاطع، أن هذه الرواية- عن حرق أبى بكر للفجاءة الكافر- هى محض اختلاق وأكاذيب.. وراويها كاذب.. فلماذا الإعادة والزيادة ورطرطة الحديث عن رواية كاذبة؟ . ثم تعالوا هنا.. أليس فى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لقول أى جهير؟ فماذا قال الرسول؟ قال:« لا تعذبوا بالنار، فإنه لا يعذب بها إلا ربها».. ( حديث حسن رواه البخارى) ثم انظروا ماذا قال علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه لابنه الحسن، بعد أن تلقى طعنة قاتله الآثم عبد الرحمن بن ملجم.. قال: لا تمثّل بالرجل، فإنى سمعت رسول الله يقول «إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور».. هذا هو صحيح الدين من خلال كلمات الرسول الذى نزل عليه الوحى.. فما بالنا نتحذلق ونتمنظر ونتمشطر.. فنقدم للإرهابيين- عن غير قصد- مبررات ما أنزل الله بها من سلطان؟ يا ناس.. ليس بالإساءة إلى صحابة رسول الله.. ولا بالتفتيش فى حوادثهم، التى اقتضتها ظروف عصرهم المضطرب آنذاك، نقيم صحيح الدين.. بل نقيمه بالتفتيش فيما يثبّت الناس على عقيدتهم.. التى لم يبق لهم إلا هى.. فإن ضاعت ضاعوا.. وضعنا معهم.. ونحن لسنا فى حاجة إلى المزيد من الضياع أثابكم الله! لمزيد من مقالات سمير الشحات