شهدت الأيام القليلة الماضية أحدث معارك الفضاء الافتراضي، متجسدة فى مواجهة إليكترونية ساخنة بين الولاياتالمتحدة وأحد ألد أعدائها، وهى كوريا الشمالية. والذى فجر هذه المعركة فيلم أمريكى بعنوان "المقابلة" يدور فى إطار كوميدى حول محاولة أمريكية لاغتيال الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون. ومع اقتراب موعد عرض الفيلم استيقظت الولاياتالمتحدة على هجوم إليكترونى ضخم على شركة الإنتاج السينمائى الأمريكية المنتجة للفيلم، أعقبه انقطاع متكرر للإنترنت فى كوريا الشمالية، وسط تبادل للاتهامات بين الدولتين بالوقوف وراء هجمات قرصنة إليكترونية ضد الآخر. وانطلقت تصريحات نارية من كلا الطرفين، حيث توعد الرئيس الأمريكى باراك أوباما كوريا الشمالية برد قاس على هجوم سوني، فى حين اتهمت حكومة بيونج يانجواشنطن بالتسبب فى انقطاع الإنترنت عنها لثلاث مرات خلال أسبوع واحد، وتمادت فى انتقاداتها حتى وصل الأمر إلى تشبيهها الرئيس الأمريكى ب"القرد". والحقيقة أنه على الرغم من أن عددا قليلا جدا من الشعب الكورى الشمالى تصل إليه خدمات الإنترنت، إلا أن وسائل الإعلام الغربية تقول إن الدولة الشيوعية تعطى اهتماما خاصا بتدريب القراصنة أو "الهاكرز" وترسلهم فى بعثات إلى روسيا والصين لتلقى مزيدا من التدريبات. ووفقا لتقديرات بعض المنشقين عن النظام الكورى الشمالي، فإن البلاد تمتلك ما يزيد على 3 آلاف من الهاكرز المحترفين الذين تستخدمهم فى شن هجمات إليكترونية تستهدف فى الأغلب كوريا الجنوبية. وتقول التقارير الغربية إن كوريا الشمالية شنت على جارتها الجنوبية عدة هجمات إليكترونية منذ عام 2007، كانت أقواها فى مارس 2013 عندما تم اختراق أكثر من 48 ألف جهاز كمبيوتر وخوادم "سيرفرز" فى كوريا الجنوبية، مما أدى إلى تعطل فى أعمال البنوك لمدة 5 أيام، فضلا عن أعطال فى مجال الإعلام ومؤسسات أخرى. ومنذ بضعة أيام، اتهمت كوريا الجنوبية الشطر الشمالى بشن هجوم إليكترونى على الشركة المشغلة للمفاعلات النووية الكورية الجنوبية . ومع كل ذلك، ووسط الضجة الإعلامية الكبيرة التى صاحبت اختراق الشركة المنتجة لفيلم "المقابلة"، والتى ألقت باللوم على كوريا الشمالية وحدها، فقد فجر خبراء الإنترنت مفاجأة أخرى من العيار الثقيل، إذ رجحوا أن تكون كل من الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية قد وقعتا فى شباك جماعات القرصنة الإليكترونية الشهيرة على الإنترنت التى سبق وأن اخترقت شركة الإنتاج السينمائى الأمريكية عدة مرات، وتدخلت اليوم لإثارة البلبلة والغموض باختراقها شبكة الإنترنت فى كوريا الشمالية. ويقول خبراء بارزون فى مجال البنية التحتية للإنترنت إن اتهامات مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكي"إف.بي.آي" لكوريا الشمالية بالهجوم على الشركة السينمائية يشوبها الكثير من الشكوك، إذ إن نوعية الهجوم تفوق قدرات الهجمات التى نفذتها كوريا الشمالية من قبل. ويتحدث تقرير لشبكة "سى .إن.إن" الإخبارية الأمريكية عن أن إحدى جماعات القرصنة وتدعى" ليزارد سكواد" كانت قد اخترقت مطلع ديسمبر الماضى شبكة للألعاب الإليكترونية تتبع شركة عالمية كبرى، أى قبل أيام من الهجوم الضخم عليها، كما أن الشركة نفسها تعرضت لعدة هجمات إليكترونية فى الثلاثة أعوام الماضية على يد جماعات قرصنة منها اختراق شبكة لعبة "بلاى ستيشن" فى أبريل 2011 الذى أسفر عن تسريب بيانات شخصية لأكثر من 77 مليون شخص. ويضيف تقرير "سي.إن.إن" أن الشركة المذكورة لديها أيضا أعداء داخليين متمثلين فى موظفى الأمن الإليكترونى الذين تأثروا بتسريح العمالة فى الشركة، وحددت الشبكة الأمريكية بالإسم موظفة سابقة تدعى "لينا" قيل إنها على علاقة بجماعة القرصنة "حراس السلام"، وأن لديها إمكانية الدخول إلى أسرار الشركة وبيانات المستخدمين. وفى المقابل، يرجح خبراء الإنترنت أيضا أن الولاياتالمتحدة ليست هى المتسببة فى انقطاع الإنترنت عن كوريا الشمالية، بدعوى أن شبكة الإنترنت فى كوريا الشمالية ضعيفة لدرجة تسمح لأى طفل اختراقها من منزله بسهولة ،على حد تعبيرهم. وقد عزز من تلك الاحتمالات إعلان جماعة "أنونيوموس" الشهيرة للقرصنة الإليكترونية مسئوليتها عن انقطاع الإنترنت فى كوريا، وذلك فى تغريدة على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي. وخلاصة القول، إن المواجهة الأخيرة بين واشنطنوبيونج يانج كشفت أن العالم لا يزال لا يعرف الكثير حول الهجمات الإليكترونية فى عصر المعلومات، وأن مجال الفضاء الافتراضى لا يزال يحفل بالمزيد من التعقيد والغموض، الكفيل بإشعال الكثير من الأزمات المفتعلة، وربما الحروب، وكل هذا يمكن أن يحدث فى ظل إصرار الدعاية الغربية على ممارسة لعبة توجيه الاتهامات الجاهزة فى أى أزمة إلى خصومه التقليديين، مثل كوريا الشمالية وغيرها.