"الإسلاموفوبيا" ليست ظاهرة جديدة على العالم المتقدم، لكنها تعود إلى السطح بين الحين والآخر، مرة فى شكل جبل الجليد، ومرة كسحابة عابرة، لسبب ما أو لعدة أسباب، لكن الواضح أنها عاصفة تجتاح أوروبا حاليا بسبب الإرهاب. وحسب تأكيدات الولاياتالمتحدة، فإن أوروبا هى "الهدف" للإرهابيين الدواعش إن عاجلا أو آجلا. وعلى الرغم من أن قضية الهجرة التى تعتبر ملفا شائكا، ترفع معدلات الرافضين للإسلام كعقيدة، فإن غالبية دول العالم تجد صعوبة فى الحد منها بسبب زيادة مناطق النزاعات فى العالم فى سورياوالعراق وأوكرانيا... إلخ، والأزمات الاقتصادية الطاحنة، بالإضافة إلى حاجتها لتعديل القوانين الداخلية. لكن القضية الأكبر التى أشعلت "الإسلاموفوبيا" حاليا فى أوروبا بشكل خاص، هى داعش والتكفيريين واعتبار الإسلام تهديدا على وجود هذه المجتمعات، بالإضافة إلى المخاوف من الهجمات الإرهابية على غرار أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولاياتالمتحدة أو 7/7 فى بريطانيا. وظهرت هذه الموجة الجديدة من "الإسلاموفوبيا" تحديدا فى ألمانيا، حيث بدأت تظهر مجموعة من الحركات والمنظمات الجديدة المعادية للإسلام، والتى ترفض ما تعتبره "أسلمة" لمجتمعاتها. وأصبحت فى مقدمة هذه الحركات منظمة "بيجيدا" أو "تحالف الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب"، وبدأت فى اجتذاب عدد آخر من المنظمات، من بينها "النازيون الجدد" ومشجعو الكرة "الهوليجانز"، إلى جانب الآلاف من الألمان العاديين. "بيجيدا" بدأت فى أكتوبر الماضى بحوالى 12 عضوا، لكنها اجتذبت الآلاف فى وقت قياسي، ونظمت عشرات المظاهرات ضد ما تعتبره "أسلمة ألمانيا" وزيادة عدد طالبى اللجوء الذين وصل عددهم خلال 2014 إلى أكثر من 200 ألف شخص، وقد اعتادت على تنظيم مظاهرات حاشدة كل يوم أحد، ومن المقرر أن تنظم مظاهرات جديدة غدا الاثنين. وظهرت الحركة كرد فعل على محاولات السلفيين فرض الشريعة بالقوة على الأكراد المهاجرين، وهو ما أشعل مظاهرات عنيفة من قبل الأكراد فى مدينتى هامبورج وكاسيل ضد الأصولية والحرب فى سوريا. وكانت صحيفة "دير شبيجل" الألمانية قد حددت عددا من الأسباب لتزايد المجموعات المناهضة للإسلام فى ألمانيا، ومنها أن الجيل الجديد من المسلمين فى البلاد أكثر تطرفا من آبائهم، وأنه فى الكثير من الأحياء فى المدن الألمانية الكبرى تخشى الفتيات من الخروج بدون حجاب، بالإضافة إلى كثرة التقارير حول اعتناق العديد من الألمان للإسلام، وسفرهم إلى باكستان للقيام بعمليات إرهابية، هذا بالإضافة إلى مئات التكفيريين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابى فى سورياوالعراق. وإضافة إلى ذلك، فإن غالبية المناهضين للإسلام فى ألمانيا لا يفرقون فى واقع الأمر بين السنة أو الشيعة أو العلويين أو الإرهابيين، وفى اعتقادهم أن الإسلام ليس دينا، بل عقيدة سياسية ينبغى محاربتها. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالى 4 ملايين مسلم فى ألمانيا، نصف هذا العدد يحمل جواز السفر الألماني، ويؤكد المكتب الفيدرالى لحماية الدستور - وكالة المخابرات الداخلية - أن أكثر من 42 ألفا، أى حوالى 1% منهم متشددون، وأن بينهم حوالى 1000 شخص يميلون للعنف. وعلى الرغم من تزايد المظاهرات المناهضة للإسلام كأيديولوجية، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حذرت أكثر من مرة من هذه الكراهية العمياء، حيث أكدت أن مقولة "نحن الشعب" التى كانت رمزا قبل أيام من انهيار سور برلين تستخدم اليوم كرمز للعنصرية، بمعنى "أنت لا تنتمى لنا بسبب لون بشرتك أو دينك". ألمانيا، ليست المثال الوحيد على تصاعد نيران "الإسلاموفوبيا" مجددا، بل إن دولا أوروبية أخرى أصبحت تعاني، منها السويدوبريطانياوالنمسا وفرنسا.. وغيرها من دول القارة العجوز. وبالرغم من أن الصورة تبدو قاتمة، فإن هناك تحركات رسمية فى ألمانيا للاعتراف بالإسلام كديانة رسميا، حيث تبحث العاصمة برلين وولاية ساكسونيا السفلى الاعتراف بالدين الإسلامى خلال الشهر الحالي، وهو ما يعنى تقنين أوضاع المسلمين بشكل رسمي، ويكون ذلك أبلغ رد على بيجيدا وأنصارها، ولكنه قد يكون إجراء مستفزا أيضا لكثير من العناصر المتطرفة المعارضة للإسلام. وحتى فى بريطانيا، أعلنت وزارة الداخلية عن إجراءات جديدة لمكافحة الإرهاب منها ترحيل التكفيريين، وإعادة الذين يدرسون فى المملكة المتحدة إلى بلادهم بمجرد تخرجهم، كما أجرت النمسا تعديلات على قانون الإسلام، ستتم مناقشتها فى البرلمان خلال يناير الحالي، وهو القانون الذى ينظم العلاقة بين الدولة والمسلمين منذ عام 1912، وهى تعديلات رفضتها الهيئة الإسلامية الرسمية، هذا بالإضافة إلى ظاهرة حرق المساجد فى السويد. ومع ازدياد أعداد التكفيريين الأوروبيين، ومحاولات بعض المتشددين فرض الشريعة داخل أوروبا بالسلاح والدم، ومع استمرار داعش فى السيطرة على بعض الأراضى فى العراقوسوريا، واستمرار الإرهاب ككابوس يطارد الجميع، وتواصل تدفق اللاجئين، فمن غير المتوقع أن تتناقص حمى "الإسلاموفوبيا" فى الغرب، بل أن تصبح "لعبة" فى أيدى اليمينيين والمتطرفين للعزف على وتر الهلع من "الآخر" أيا كان اسمه.