استخرت الله قبل أن أكتب إليك رسالتى هذه وفى قلبى حزن لا يعلم مداه إلا هو سبحانه وتعالي، ولعلها تجد بعض اهتمامك، وانتظر ردك الذى قد يريح قلبى المتعب، فأنا طبيبة فى الثامنة والثلاثين من عمري، واضطر أبى وأمى الى الإقامة فى محافظة بعيدة عن أسرتيهما لظروف عملهما، ونشأنا أنا وأخوتى بعيدين عن أقاربنا، وليست لنا سوى بعض العلاقات المحدودة، ورحل أبى عن الحياة، وبعد وفاته، لم يعد هناك من يسأل عنا، وعشنا مع أمي، حياة مترابطة يعطف فيها كل منا على الآخر، ولكن ظلت علاقاتنا المحدودة سببا فى عدم ارتباطى حتى الآن، بالرغم من أننى لا ينقصنى شيء، إذ يشهد الجميع بحسن خلقي، وعلاقتى طيبة بكل من حولي، واهتم بمظهري، وأبدو أصغر من سنى كثيرا، ولم أوفق مع من تقدموا لى لأسباب عديدة، أهمها أننى لم أجد بينهم من يناسبني، ولم استجب لمحاولات كثيرة للتعارف، واعتبرتها «علاقات عابرة»، لن أسمح بها أبدا، فأخلاقى ومبادئى قائمة على الالتزام، وعدم الحيدة عن الطريق السليم. إننى ألمح فى عينى كل من يعرفنى نفس السؤال: لماذا لم تتزوجي، وأنت لا يعيبك شيء؟ وبالطبع لا أرد، فالزواج مثل كل نعمة يهبها الله لنا، وهى رزق يعطيه لمن يشاء وقتما يريد سبحانه وتعالي، وأدعوه دائما، ولا ينقطع أملى فى أن القى الزوج الصالح، وليس أى زوج، وإلا كنت قد تزوجت من أول طارق لبابي، وعندما أفكر فى المستقبل أخاف من الوحدة، ثم استرجع سريعا المبدأ الذى اتخذته لنفسى بأن أكون حسنة الظن بالله، وبأنه أرحم من أن يخذلنى أو يضيعني، ولكن الناس لا يرحمون، وينظرون دائما الى من تأخر زواجها على أن بها عيبا، وينسون أو يتناسون، أن إرادة الله فوق كل شيء.. ولا أخفيك سرا بأننى أشعر أحيانا بأن أبى وأمى قد ظلمانى بابتعادهما عن أسرتيهما وقلة معارفنا وأصدقائنا، فأنا مثل كل فتاة أحلم بالزوج والسند، واشتاق بشدة الى أن أكون أما تشعر بالسعادة والأمان وهى تحتضن أبناءها.. واسألك وقراءك المنتشرين فى أرجاء الدنيا بأن تدعوا الله أن يجعل لى مخرجا وفرجا قريبا، فهو القادر على كل شيء. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ما تحلمين به هو حلم الحياة لكل إنسان «رجل أو امرأة»، فليس أفضل للمرء من أن يرزقه الله بشريك لحياته يقدره، ويرتاح إليه، ويرسمان معا آفاق المستقبل لأسرتهما الصغيرة، بعد أن تكبر بالأبناء والأحفاد، وبالطبع كلما اتسعت دائرة المعارف كلما زادت فرصة الشباب فى الزواج الناجح، فمن أهم العوامل التى تساعد على الزيجات المستقرة، هو أن تكون هناك صلة بأهل العروس وتقارب المستوى الاجتماعى للأسرتين، أما البيوت المنغلقة على نفسها فلا تتوافر لها هذه الفرصة، ولاشك أن أبويك فاتهما ذلك بالابتعاد عن أسرتيهما، ولا أقول ذلك من أجل فرصة زواج من قريب لك ربما تكون قد فاتتك لهذا السبب، ولكن صلة الرحم مطلوبة، وقد أوصت بها الأديان السماوية، وما أكثر احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلة الأقارب والأرحام، فبهذه الصلة تتولد المشاعر الصادقة، وتعم المحبة، ويشعر المرء بالراحة النفسية، وفوق ذلك تكون هناك فرص دائمة للأجيال الجديدة للتعرف والزواج فتتسع الدائرة، ويتعمق التقارب. وليس معنى أنك لم تتزوجى الى الآن أن بك عيبا، ولكن نصيبك لم يأت بعد، وأنت أفضل حالا ممن تزوجت زواجا متسرعا، ولم ترتح إليه فطلبت الطلاق، وهناك من اضطرت الى خلع زوجها وهى فى الحادية والعشرين من عمرها ومعها ولد أو بنت، وعرفت طريق المحاكم للحصول على حق مولودها بعد أن تجرد أبوه من كل مشاعر الأبوة.. هذه هى الحقيقة التى ربما تكون غائبة عنك. ولقد أدركنا فى «بريد الأهرام» عدم توافر فرص الزواج المناسبة للكثيرين والكثيرات، فخصصنا باب «البيت السعيد» فى «بريد يوم السبت» من كل أسبوع، بغرض التعارف، ووضعنا شروطا للجدية حتى يتعرف الطرفان على بعضهما على أسس سليمة وواضحة، ويبقى توفيق الله هو العنصر الحاسم فى مسألة الزواج الناجح، فأهدئى بالا، وسوف يطرق بابك الرجل المناسب عندما يأذن سبحانه وتعالي، وهو وحده المستعان.