عقدت القمة العربية الثانية والعشرون بمدينة سرت الليبية وسط أجواء قاتمة بشأن عملية السلام, فضلا عن استفزازات إسرائيلية وإجراءات تستهدف تهويد القدس, وسياسة استيطانية تنسف من الأساس فكرة( الأرض مقابل السلام). إلا أن القادة العرب اختاروا أن يمنحوا السلام فرصة أخيرة, وأن يعطوا المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة الفرصة حتي يعيدوا قادة إسرائيل من حافة الجنون. وتبدو الشعوب العربية في حالة ترقب شديدة لما سوف يقوم به القادة العرب في مواجهة الخطوات الإسرائيلية التصعيدية. والأمر المؤكد, أن خطة التحرك العربية التي توصل إليها القادة العرب لإنقاذ القدس هي مجرد خطوة أولي في طريق طويل, إلا أنها ضرورية وعقلانية. فقد تصرف القادة بروح المسئولية عندما دعوا المجتمع الدولي, خاصة مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي واليونسكو, لتحمل المسئولية في الحفاظ علي المسجد الأقصي. ووسط هذا كله, فقد كانت رؤية مصر التي جسدتها كلمة مبارك لأهل القمة تدرك التعقيدات والتطورات المتسارعة علي المسرح الدولي, وترسم طريقا واقعيا للتعامل مع الأمور. والنقطة الأولي التي حرص مبارك علي تأكيدها هي أن مصر لن تألو جهدا في العمل علي إحلال السلام بالشرق الأوسط, واستعادة الحقوق العربية, وتجاوز الخلافات والانقسامات. والنقطة الثانية تتعلق بحنكة الرئيس وصبره علي الأمور التي يفقد البعض الآخر قدرته علي احتمالها والتعامل معها, وذلك بالنظر إلي إيمان مبارك بأن هذا قدر مصر, ومن ثم فهو يحذر بحكمته المعروفة من استمرار الانقسام الفلسطيني, لأنه يصب في خانة تقوية الاحتلال, والأخطر أنه يباعد بين الفلسطينيين وبين هدف قيام الدولة الفلسطينية. والنقطة الثالثة في رؤية مبارك, محورها تطوير آليات العمل العربي المشترك, وذلك بوصفه من المهام الرئيسية للمرحلة الحالية والمقبلة. وتأتي أهمية ذلك بالنظر إلي التطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم من حولنا. والنقطة الرابعة تتعلق برؤية مصر للتحديات الخارجية التي تواجه المنطقة العربية, وقد لخص مبارك الأمر في تحديين رئيسيين, أولهما: التحدي العربي الإسرائيلي.. المستمر بكل تعقيداته ما بين الانقسام الفلسطيني ومواقف إسرائيل التي تتجاهل الشرعية الدولية, وتبرهن علي عدم رغبتها في الدخول في جهد حقيقي للتفاوض وتحقيق السلام.. أما التحدي الآخر فهو يتمثل في المواجهة الإيرانية الغربية, المرتبطة بالملف النووي الإيراني, وهي مواجهة تقترب بمنطقتنا من حافة الهوية. وفي النهاية, فإن علي الأرجح تبدو هذه قمة الفرصة الأخيرة للسلام, وما لم تستمع الولاياتالمتحدة وإسرائيل والفلسطينيون لنداء الحكمة, ورؤية مبارك من أجل السلام والاستقرار, فإنه سيكون من الصعب الحفاظ علي استقرار المنطقة أو استعادتها من حافة الهاوية التي تندفع إليها, بفعل قوي التطرف والاحتلال الإسرائيلي.