حينما رفض الرئيس عباس بشكل قطاع لقاء مسئول المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في إطار المساعي الليبية لفض الاشتباك بين حركة حماس والسلطة وإعلان الاتفاق بين الرجلين علي المصالحة الفلسطينية، وهو الأمر الذي رفض عباس احتراما وتقديرا للجهود المصرية التي بذلت علي مدي عامين توقيع المصالحة في القاهرة أوعدم إعطاء الفرصة لاحراج مصر. هذه الازمة بدت واضحة علي أجواء القمة خاصة بعدما رفض القذافي للمرة الثانية استقبال الرئيس عباس مثلما فعل مع الملوك والزعماء العرب أثناء توافدهم إلي ليبيا لحضور القمة، مما أثار زوبعة من التوتر وعدم الارتياح في الاجواء الفلسطينية، منعت الرئيس عباس من حضور الجلسة الافتتاحية لقمة سرت. غير أن هذه القمة من وجهة النظر الفلسطينية وإن كانت بدايتها مهينة للطرف الفلسطيني متمثلة في شخص الرئيس، فإنها ستعتبر ناجحة من وجهة نظر السلطة، في حال تحولت إلي "قمة القدس" وهو ما يعني دعما عربيا حقيقيا في مواجهة الضغوط والاستيطان الاسرائيلي في المدينة، فالدعم الحقيقي لها ليس بالمالي وحده، ولا يكفي لأن المال نفسه بحاجة إلي موافقة إسرائيلية لاستخدامه في المدينة فالمأمول من هذه القمة ضغط حقيقي وموقف موحد للعرب ينقل للادارة الامريكية وكان وزراء الخارجية العرب قد اتفقوا علي تقديم 500 مليون دولار لصندوق القدس في محاولة لمواجهة نشاطات الاستيطان الاسرائيلية في المدينة وأقر مجلس جامعة الدولة العربية علي مستوي القمة "قمة سرت" مشروع قرار حول مصنع خطة تحرك عربي لانقاذ القدس في ضوء المخاطر الجسيمة التي تواجه القضية الفلسطينية جراء استمرار السياسة الاسرائيلية العدوانية وبشكل خاص تلك الهادفة إلي تهويد القدس وطمس هويتها العربية. "قمة سرت" الثانية والعشرون جاءت تحت نداء "دعم صمود القدس" وتؤكد ان القدسالشرقية أرض محتلة، وأن جميع الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الاسرائيلي فيها باطلة بطلانا مطلقا ومنعدمة قانونا وحكما، ولا يترتب عليها احداث أي تغيير علي وضع المدينة القانوني كمدينة محتلة، ولا علي وضعها السياسي باعتبارها عاصمة لدولة فلسطينية والاشارة إلي أن الموقف الدولي والجماعي ازاء عدم قانونية وجود المستوطنات في الاراضي المحتلة، وهذا يتطلب من القادة العرب والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية كافة الاستمرار في عدم الاعتراف أو التعامل مع أي من المشروعات والإجراءات التي تستهدف الارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين باعتبارها غير شرعية وتتجاهل الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. وضمن هذا التحرك الحثيث فإن السلطة الفلسطينية طلبت من القمة إرسال ثلاثة من القادة العرب إلي الرئيس الامريكي باراك أوباما لينقلوا له قرارات القمة ويبلغوه بأن كل الامكانات العربية "أموال وعلاقات ونفط" مجندة لمواجهة الإجراءات الاسرائيلية ودعم الفلسطينين وموقفهم فهل يتحقق ذلك؟! لقد بدا واضحا أن قمة سرت أخذت منحي محددا وهو الاهتمام. بموضوع القدس بالدرجة الأولي حتي أن المشاركة غير العربية للقمة وعلي رأسها تركيا أخذت نفس المنحي، فقد حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوجان من اشتعال الاوضاع في القدسالمحتلة يعني احتراق الشرق الأوسط وعدم ارساء السلام في المنطقة، ووصف اعتبار الحكومة الاسرائيلية القدس "عاصمة لاسرائيل" ب "الجنون" وأن الاستيطان في القدسالشرقية أمر ليس مقبولا. وهذا ما عبر عنه رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني في وصفه للوضع القائم في الاراضي الفلسطينية معتبرا اياه يسير في تجاه التدهور السريع داعيا اسرائيل إلي الاستماع إلي أصوات الأصدقاء مثل إيطاليا والولاياتالمتحدة. وأكد لإسرائيل مجددا أن قراراتها الاخيرة في شأن المستوطنات خاصة في القدسالشرقية، ذات نتائج عكسية ومن شأنها الاضرار في شكل واضح وبالغ الخطورة بفرض استئناف الحوار وهو لا يري في ضوء ذلك بديلا عن حل الدولتين. ولذا كان هذا هو التوجه العام لقمة سرت العربية عربيا ودوليا، وتوحد الموقف العربي والدولي تجاه "قضية القدس" فإن ذلك يعطي مؤشرا ايجابيا فيما لو استمر في هذا المسار بعيدا عن تأثيرات اللوبي الصهيوني المنتشر في العالم خاصة الولاياتالمتحدة التي مارست ضغوطا غير مسبوقة علي اسرائيل في الأونة الأخيرة بسبب الاستيطان وتفجرت إثر ذلك أزمة دبلوماسية بين الطرفين تعرض خلالها نتنياهو لضغوطات واضحة وإهانات غير مسبوقة من الإدارة الأمريكية.