تتابع دول الجوار وأخرى ذات مصالح كبرى فى المنطقة، خاصة فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، وبعض الأطراف العربية التى هى حديثة عهد لجهة وجودها فى منطقة المغرب العربي، خاصة فى ليبيا، بالإضافة إلى مراقبين ومهتمين بالشأن الجزائري ما يحدث فى تلك الدولة التى عاشت شتاء مبكرا منذ 23 سنة خلت من تطورات، وموقف الجيش منها، كونه المؤسسة الوحيدة داخل البلاد، التى أثبتت قدرةً على إخراج الدولة الجزائرية من أزمتها الكبرى، والعودة بها إلى الساحة الدولية فاعلاً، وشريكا أساسياً. تلك الأطراف المراقبة للأوضاع الجزائر مٌحقة فى متابعتها أو مراقبتها، فالأوضاع هناك لم تعد مُطمئنة، حتى للجزائريين، وإن كانت ليست بالسوء الذى يتم الترويج له من طرف الإعلام المحلي، لكنها كاشفة لمستقبل مجهول، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط، ومن هنا يتم التركيز على الجيش الجزائري، ليست باعتباره المدافع عن الشرعية فحسب، وإنما لأن استقرار البلاد من مهامه الأساسية، خاصة فى حال حصول توترات واسعة النطاق على مستوى الجبهة الإجتماعية، لكن أنّى له القيام بذلك وهو يحارب اليوم على أربع جبهات فى وقت واحد؟. لنترك إجابة السؤال إلى حين الانتهاء من ذكر تلك الجبهات، التى تتداخل أحيانا إلى درجة أن أهدافهاتصبح واحدة، وتتباعد أحيانا أخرى لدرجة تبدو منتاقضة، ومتضاربة، على رغم من وجودها فى زمن واحد، وهى فى مجموعها تحاول تجاوز الحدود الجزائرية، بما يتطلب ذلك توسيع جبهات لتشتيت جهود الجيش الجزائرى حتى يغرق فى النهاية فى وحل السياسية الداخلية، أو فى أوْحال دول الجوار،حيث يريده بعض الدول أن يكون بديلا عنها فى الحرب هناك، وتلك الجبهات هي: أولا جبهة داخلية، يمكن أن نطلق عليها اسم» جبهة الإفلاس السياسي»، فهى تشد المؤسسة العسكرية، الحامية للدولة وللدستور وللشرعية، إلى زمن يعيد مشاهد انزلاقات أوصلتنا إلى العشرية الدموية، فمطالب المعارضة اليوم، قائمة على مسعى واحد هو دعم الجيش لها من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، بحجة صحيحة وصائبة ولكنها غير واقعية ولا قانونية تتعلق بإبعاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على خلفية مرضه، وتنصيبها بديلا عنه، وهو مطلب غير مؤسس، كونها هى نفسها عاجزة عن إثبات وجودها لدى الناخب الجزائري، وليس لها أى منجز سياسى ظاهر أو خفى يمكن أن يحسب لها كرصيد سياسى تغييري، وأيضا أن إبعاد الرئيس الجزائرى على غرار التجربة المصرية مثلا، لا يوجد له سند شعبي، أى أن الرئيس بوتفليقة يحظى بتأييد شعبى واسع النطاق، ومهما علت أصوات المعارضين له تظل محدودة فى مجالها وفاعليتها، وهذا الأمر يُصعّب من مهام الجيش داخل البلاد، وهو عازم على ألا يكرر تجربة التسعينيات حين ترك فى حرب ضروس كادت تقضى على البلاد. ثانيا جبهة التوترات والعجز، وهذه الجبهة آخذة فى الاتساع والتمدد، وهناك عجز واضح على مستوى أداء الحكومة من ناحية حماية كثير من المكتسبات فى حال حدوث أعمال عنف وشغب، وهوما تعيشه البلاد بشكل مكثف فى معظم ولايات وبلديات الوطن، بل أن جهاز الشرطة يعانى مشكلات ذات صبغة فئوية خاصة من جهة، ومجتمعية عامة من جهة ثانية، وتلك التوترات أثرت على السلم العام، ونظرا لذلك أستعنت الحكومة بالجيش للقيام بمهام الشرطة فى بعض المناطق، وهذا جعل الجيش فى مواجهة الشعب، حتى بدا للبعض أنه حام للسلطة والنظام وليس للدولة، مع أنه فى حقيقة الأمر يسد ثغرة فى المنظومة الأمنية، ويحاول جاهدا حماية البلاد من الانزلاق بسبسب عجز السلطة وسفهها حينا، وشططها فى اتخاذ قرارات ومواقف حاسمة أحيانا أخرى. ثالثا جبهة دول الجوار، وتشمل الوضع المتأزم فى مالي، وما فيه من جماعات إرهابية، جزائرية المنبت وقاعدية ثم داعشية الفكر، والوضع الدموى فى ليبيا وما يتبعه من تهريب للسلاح، والتجرية التغييرية فى تونس، المصحوبة بعمليات إرهابية على الحدود المشتركة بين البلدين، والحدود مع المغرب وما فيها من تهريب للمخدرات دفعت الجزائر إلى مراقبة أمنية إلكترونية.. وجبهة دول الجوارهذه تعد أكثر خطورة بالنسبة للجيش الجزائرى مقارنة بالجبهتين السابقتين، لأن دول الجوار لا تملك تجربة مواجهة الإرهاب مثل الجزائر،مما يجعل هذه الأخيرة مُرشّحة لدفع فاتورة نتاقضات وتغيرات الدول المجاورة. رابعا جبهة الإرهاب العالمي، وهى لا تزال فى بدايتها، حيث تسعى دول غربية لدفع الجزائر عبر جيشها إلى محاربة الإرهاب خارج حدودها الجزائر، وهذا غير مقبول لدى الجيش الجزائرى من الناحية الدستورية والعسكرية والإستراتيجية، ومع هذا تسعى دول كبرى وأخرى صغرى لاشراك الجيش الجزائرى فى مواجهة الإرهاب من منطلقين، الأول: أنه يملك تجرية ثرية وجادة وحاسمة فى مواجهة الإرهاب، والمنطلق الثاني: أن استقرار الجزائر إلى الآن أصبح مزعجا لبعض الأطراف الدولية، لأنه يعطل تقسيم ليبيا، ويعطى فرصة لبعض قوى الإسلام السياسى للوجود على الساحة السياسية، ناهيك عن رؤية الجيش الخاصة للإرهاب، المعتمدة على فكرة أساسية أن حربه على الإرهاب حدودها الجزائر، وعند الضرورة القصوى تكون ردا على أطراف خارجية، قامت بأعمال إرهابية ضد الجزائر بشكل مباشر ومؤسس وموثق. تلك هى الجبهات الأربع، التى يحارب عبرها الجيش الجزائري،ومن المتوقع أن ينتصر فيها بل هو لا يملك غير ذلك لأنه يملك تجربة غنية فى مواجهة الإرهاب،هو اليوم فيها مسنودا من الشعب الجزائري، وما تأييده لحسمه عسكريا فى قضية «إن أميناس» إلا دعماً لما هو أكبر فى المستقبل، لذلك يُتوقع أن تكون معاركه شرسة فى الشهور المقبلة، ضمن خطط قابلة للتنفيذ، لا تدركها الأحزاب التى تطالب بمساندته لها من أجل الوصول إلى السلطة على حساب الدولة والشرعية. كاتب وصحفى جزائرى لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه