شهد عام 2012 الذي لم يبق الا أيام قليلة على رحليه العديد من الأحداث الهامة على المسرح السياسي الجزائري داخليا وخارجيا ، والتي سيمتد تأثيرها ليس على عام 2013 فقط بل على مدار السنوات القليلة القادمة. فعلى صعيد الأحداث الداخلية الجزائرية جاءت الزيارة "التاريخية" التى قام بها الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند للجزائر أواخر الأسبوع الماضي على رأس هذه الأحداث والتي رأى العديد من المراقبين أنها حققت للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مكسبين في آن واحد الأول يتمثل في طي صفحة التوتر التي عانت منها العلاقات الثنائية بسبب "آلام الذاكرة " المرتبطة بالاستعمار ، أما الثاني وهو الأهم فيتعلق بقياس مدى تجاوب الجزائريين مع رغبة مفترضة لديه في الترشح لولاية رابعة.
وبحسب المراقبين فإن بوتفليقة استطاع أن يحقق مكسبا كبيرا فى قضية ترشحه لولاية رابعة خلال زيارة ضيفه الفرنسى والدليل أنه في المرتين اللتين نزل فيهما مع الرئيس فرانسوا هولاند إلى الشارع كان الآلاف يهتفون بحياته ويناشدونه الترشح لفترة رئاسية رابعة بمناسبة الانتخابات المرتقبة في ربيع 2014 المرة الأولى كانت الأربعاء بالعاصمة حيث اصطف تلاميذ المدارس الذين منحتهم وزارة التربية عطلة بمناسبة الزيارة بالشوارع رفقة العمال والموظفين الذين حصلوا هم أيضا على ترخيص بالخروج وقت مرور موكب الرئيسين لاستقبالهما.
وكانت المرة الثانية بمدينة تلمسان الواقعة على بعد 500 كلم غرب العاصمة حيث وقف الآلاف في شوارع المدينة ينتظرون قدوم الرئيسين، رافعين صور بوتفليقة ولافتات كتب عليها "بوتفليقة رئيسنا " و "نريد عهدة فترة رئاسية رابعة ".
يشار إلى أن تلمسان هي المنطقة التي يتحدر منها بوتفليقة وطلب هولاند زيارتها لهذا الغرض.
ويرجح مراقبون أن يستعين بوتفليقة بالتأييد الشعبي له من خلال زيارة هولاند لتأكيد رغبته في الترشح عام 2014 حيث يعتبر خروجه إلى الشارع بالعاصمة وتلمسان رسالة منه يؤكد من خلالها أنه يملك اللياقة البدنية التي تتيح له الاستمرار ، كما أنها رد على تعليقات صحف ومعارضين مفادها أن مرض الرئيس وسنه المتقدمة يمنعانه من البقاء في الرئاسة.
وقد دعا حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذى يعد أهم حزب معارض فى الجزائر فى منتصف الشهر الحالي الرئيس بوتفليقة إلى التنحي بسبب تردي وضعه الصحي وعدم قدرته على مباشرة مهامه كرئيس للدولة .
وقال محسن بلعباس رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فى كلمة ألقاها في افتتاح أعمال المجلس الوطني لحزبه إن رحيل بوتفليقة عن الحكم هو الطريقة الوحيدة لكبح تفاقم الأزمة السياسية والمؤسساتية التي تعصف بالبلاد.
وأضاف "أن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة أضحى يمنعه من ممارسة مهامه وأن عزله بناء على المادة 88 من الدستور أصبح أمرا عاجلا لوضع حد للأزمة متعددة الأوجه التي تعيشها الجزائر واعتبر أن آخر الأدلة على عجزه عن القيام بالواجبات البروتوكولية هو التأخر في الإشراف على افتتاح السنة القضائية، وهو تأخير طال قرابة الأربعة أشهر".
جدير بالذكر أن بوتفليقة 75 عاما كان قد نقل سنة 2005 إلى المستشفى العسكري "فال دوغراس" بالعاصمة الفرنسية باريس ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف الشائعات التي تتحدث في كل مرة عن تدهور صحته.
تراجع الإسلاميين
وفى سياق متصل ، بتطورات الأوضاع الداخلية المرتبطة بالانتخابات التشريعية الأخيرة ، فقد خيم تراجع الأحزاب الإسلامية فى الانتخابات التشريعية والمحلية التى جرت على التوالى فى شهرى مايو ونوفمبر الماضيين على الأحداث الساخنة التي شهدتها الجزائر عام 2012 ، خاصة بعد أن تقلص عدد المقاعد التى حصلت عليها تلك الأحزاب بدرجة تجعلها تفقد التأثير على لعب أى دور سياسي خلال الفترة القادمة رغم اتهام تلك الأحزاب للحكومة بأنها لجأت إلى التزوير من أجل فوز حزب السلطة وهما حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي والمجالس المحلية.
ففى الانتخابات التشريعية التى جرت يوم العاشر من مايو الماضي حصل تكتل "الجزائر الخضراء الذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية هى حركة مجتمع السلم وحركتي النهضة والإصلاح الوطني على المرتبة الثالثة بعد حصوله على 49 مقعدا من مجموع 462 فيما جاء فى جاء فى المرتبة الأولى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم منذ 50 عاما ب 208 مقاعد وحل فى المركز الثانى حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه الوزير الأول السابق) رئيس الحكومة السابق ( أحمد أويحيى ب 68 مقعدا وفى الانتخابات المحلية التى جرت يوم 29 نوفمبر الماضى لم تحصل أحزاب "تكتل الجزائر الخضراء" الإسلامية مجتمعة إلا على 30 بلدية من مجموع 1541 بلدية فى جميع أنحاء الجزائر من بينها 5 بلديات تحصل فيها التكتل على الأغلبية المطلقة مقابل 291 بلدية تحصل فيها حزبا السلطة على الغالبية المطلقة (جبهة التحرير 159 بلدية) و(التجمع الوطني الديمقراطي 132 بلدية).
ويرى العديد من المراقبين أن تراجع دور الأحزاب الاسلامية الجزائرية جعل العديد من الأحزاب العلمانية المعارضة تسعى إلى تطوير وتجديد كوادرها وأسناد القيادة بداخلها إلى قيادات شابة بما يتلاءم مع ما شهدته المنطقة من ثورات الربيع العربى ، وهو ما شهده أكبر حزبين معارضين فى البلاد هما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري المعارض المعروف اختصارا باسم " الأرسيدى " وحزب القوى الأشتراكية حيث أعلن زعيم كل منهما التخلي عن منصبه.
فقد أعلن حسين أيت أحمد أقدم زعيم سياسي معارض يوم الجمعة الماضى اعتزال العمل الحزبي كرئيس لحزب "جبهة القوى الاشتراكية" التي تتمركز فى منطقة القبائل) بعد 70 عاما قضاها في النضال ضد الاستعمار الفرنسي والنظام الحاكم في الجزائر بعد الاستقلال عام 1962.
ويعد آيت أحمد 86 عاما الذي يعيش في منفى إرادي بسويسرا منذ سنوات أحد رموز حركة التحرر وثورة التحرير الجزائريتين منذ أربعينيات القرن الماضي حين انخرط في النضال السياسي وهو في سن 16 عاما ضمن حزب الشعب الجزائري ثم أسس يرافقه العديد من المناضلين جبهة التحرير الوطني التي فجرت الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954،.
وعرف حزب جبهة القوى الاشتراكية اليساري التوجه انشقاقات مؤخرا بعد مشاركته في الانتخابات البرلمانية بعد معارضة تيار للمشاركة فيها حيث يعد رابع قوة سياسية في البرلمان الحالي ب 21 مقعدا وبالنسبة لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعروف اختصارا باسم "الأرسيدى" فقد أعلن رئيسه سعيد سعدي فى شهر مارس الماضى ترك منصبه بصورة مفاجئة بعد 23 عاما من رئاسة الحزب خاض خلالها ثلاث مرات معركة الانتخابات الرئاسية الجزائرية.
تم انتخاب محسن بلعباس 42 عاما رئيسا لحزب الذى يعد أصغر شاب يتولى هذا المنصب بالأغلبية لفترة أربع سنوات في المؤتمر الرابع للحزب الذى بدأ نشاطه رسميا عام 1991
وقد لعب سعدي دورا بارزا في ما يسمى "أحداث 20 أبريل 1980" عندما خرج عشرات الآلاف من الطلبة في ولاية تيزي وزو في تظاهرات احتجاجية حاشدة رافعين شعارات مناهضة للنظام ولأمنه العسكري الرهيب وقد سجن سعدي وهو عضو مؤسس للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في عام 1985 وقضى سنتين كاملتين في معتقل تازولت بمدينة باتنة شرقي البلاد قبل أن يستفيد من عفو رئاسي في عام 1987.
وقد دخل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" العراك السياسي في الانتخابات التشريعية في عام 1991 التي فاز فيها حزب "جبهة الإنقاذ" الإسلامية.
وكان سعيد سعدي دعم قرار المؤسسة العسكرية وقف العملية الانتخابية في 1991 وإلغاء الدورة الثانية من الاستحقاق التشريعي ل "عدم الإخلال بالمسار الديمقراطي" و"منع الجزائر أن تسقط في أيدي الإسلاميين".
العلاقات الخارجية
وعلى صعيد علاقات الجزائر بالدول المحيطة .. فقد استحوذت الأزمة في دولة مالى وتداعيات الثورة الليبية على النصيب الأكبر من اهتمامات القيادة الجزائرية.
ورغم سعى الجزائر بكل قوة لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح بالتدخل العسكري لطرد الجماعات المسلحة فى شمال مالى التى تستطر على المنطقة من شهر ابريل الماضي الا أن جهودها أى الجزائر شهدت أخفاقا كبيرا بعد إصدار مجلس الأمن القرار رقم 2085 يوم الخميس الماضي والذي تسمح في مرحلة أولى مدتها عام بنشر بعثة دولية لدعم مالي تحت إشراف إفريقي تكلف بمساعدة السلطات المالية على استعادة مناطق من شمال البلاد تسيطر عليها الجماعات المسلحة الإرهابية والمتطرفة.
ونتيجة لذك صرح الناطق باسم وزارة خارجيتها عمار بلانى أول أمس الأحد بالإعلان أن قرار مجلس الأمن يتوافق مع موقف بلاده ..مشيرا إلى أن هذا القرار يتطابق مع السياسة التى تنتهجها بلاده منذ اندلاع الأزمة في مالي أي ضرورة إعطاء رد متعدد الجوانب لأزمة متعددة الأبعاد من أجل معالجة الجوانب السياسية والإنسانية والأمنية لهذه الأزمة.
وتتخوف الجزائر التي تربطها حدود مشتركة مع مالي بطول 1400 كيلومتر من أن يخلف أي تدخل عسكري واسع شمال مالي مشاكل أمنية معقدة لها، فضلا عن نزوح عشرات الآلاف من الطوارق الماليين كما أنها تتحفظ على التدخل ، وتدعو لفسح المجال للتفاوض بين حكومة باماكو وحركات متمردة في الشمال تتبنى مبدأ نبذ "التطرف والإرهاب".
كما شهد عام 2012 بدء عودة العلاقات الطبيعية الجزائرية الليبية بعد أن كانت قد شهدت فى أواخر العام الماضى توترا كبيرا بسبب موقف الجزائر من الثورة الليبية ومساندة نظام العقيد الراحل معمر القذافى وذلك قيام الجزائر بأيواء أسرة العقيد الراحل معمر القذافى بعد هروبها من ليبيا فى أغسطس عام 2011 ويأمل العديد من المراقبين بأن تشكل الزيارة التى قام بها رئيس الحكومة الليبية علي زيدان يوم العاشر من ديسمبر الماضي بداية صفحة جديدة " حقيقية " بين البلدين فقد أعلن علي زيدان في تصريحات له عقب اختتام مباحثاته مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن ليبيا والجزائر اتفقتا على جملة من المبادرات في مجال التعاون الأمني التي ستنطلق بداية شهر يناير القادم ، مؤكدا في ذات الوقت تطابق "وجهات النظر بين الطرفين حول معظم القضايا .
غير أن زيدان لم يتطرق فى تصريحاته إذا ما كانت مباحثاته مع بوتفليقة قد تطرقت إلى وضع عائلة العقيد الراحل معمر القذافي
وكانت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية قد نقلت فى أوائل شهر نوفمبر الماضى عن مسئول ليبي رفيع لم يكشف عن هويته قوله "إن عائلة القذافي الموجودة في الجزائر غادرت البلاد ما عدا زوجته صفية فركاش وأن أفراد العائلة توجهوا إلى دولة أخرى رفض الإفصاح عنها".
وتتعامل السلطات الجزائرية مع موضوع إقامة عائلة القذافي لديها منذ دخولها)أى العائلة ( إلى الأراضى الجزائرية فى أغسطس عام 2011 بتكتم شديد .
وتعد زيارة زيدان الأولى من نوعها للخارج منذ توليه مهام منصبه فى أكتوبر الماضي ، والزيارة تؤكد حرص البلدين على طى صفحة الخلافات بينهما بعد الجمود الذي طبع العلاقات بينهما منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام القذافي مطلع العام 2011 واتهام الجزائر بأنها كانت تقف مع القذافى ضد الثوار وقيامها بنقل مرتزقه لمساعدة القذافى وهو الأمر الذى نفته الجزائر بشدة
ومنذ نجاح الثورة الليبية فى أكتوبر عام 2011 اقتصرت الاتصالات بين البلدين على التنسيق الأمني على الحدود المشتركة التى تمتد على مساحة ألف وخمسمائة كيلومتر، من اجل الحد من تدفق السلاح الليبي نحو الجزائر وتحرك الجماعات الجهادية.