تعمل النخب السياسية المصرية بأحزابها وتكتلاتها الحزبية بعيدة عن ادراك قوة الوعى السياسى للشعب المصرى ظنا منها أنه يمكن التأثير عليه بأى شكل من أشكال الرشوة بالمال أو بأى شكل أخر من الأشكال المستحدثة التى تستخدمها التيارات الدينية أو غيرها ، والحقيقة التى أود أن ألفت الانتباه إليها لهؤلاء السادة أن الوعى السياسى لدى الشعب المصرى قديم قدم الحضارة المصرية القديمة وليس أدل على ذلك من قصة ذلك القروى الفصيح خوان انبوالذى اعتدى عليه وأخذ منه حماره الذى كان محملا بخيرات الله احد موظفى رنسى بن ميرو حاجب الملك فلم يخضع للتهديد ولم يتوقف عن الشكوى الا بعد أن أخذ حقه برعاية الملك نفسه، لقد كان الإنسان المصرى منذ ذلك الزمن البعيد هو من علم العالم المدنية والتحضر وأنهما لايكونان الا من خلال العدالة والنظام (الماعت). وانى لأعجب ممن لايزالون يتصورون أنهم أوصياء على هذا الشعب العظيم !! وانى لأعجب كذلك ممن اندهشوا من الاقبال المنقطع النظير من الشعب وخاصة عامته على صناديق الاقتراع للإدلاء بالرأى فى الدستور الجديد (2013م)، ولذا كثيرا ماأقول بحق أن الشعب المصرى أكثر وعيا من نخبته؛ ففى الوقت الذى تنشغل فيه النخبة بالحديث فى الفضائيات واللهاث وراء المناصب نجد الإنسان العادى منشغلا بالعمل وانتاج الخيرات، وفى الوقت الذى يتصور النخبة أن الشعب غائب عن الوعى يثبت لهم الشعب دائما أنه أكثر يقظة منهم ومستعد لبذل الجهد والتضحية من أجل الوطن !! إن الشعب المصرى اذا خدعته النخب والأحزاب مرة فهم لن يخدعوه مرة ثانية لأن هذا الشعب يؤكد دائما أنه لايلدغ مؤمن من جحر مرتين !! وليس أدل على ذلك من تلك الصورة الموحية التى نشرتها جريدة الوطن فى اليوم التالى للاستفتاء على دستور الإخوان (2012م) لمواطنة مصرية تحمل الرشوة التى أعطوها اياها من الأرز والزيت والسكر ومع ذلك قالت :لا للدستور!! إن على النخبة من فلول الحزب الوطنى الذى أفقر مصر وتسبب فى كل الأزمات التى تعانيها مصر الآن، وكذلك من جماعات المتاجرين بالدين أن يفهموا أن الشعب المصرى أكثر وعيا مما يتصورون وهو يعى مصلحته ومصلحة الوطن جيدا وأنه لو ترك ليعبر عن رأيه بحرية ودون المحاولات المستميتة للتأثير عليه سواء بالرشاوى الانتخابية التى تلعب على وتر فقر الناس وحاجتهم لضرورات الحياة أو باستغلال عاطفتهم الدينية لقدم لنا درسا تلو الآخر عن أنه الشعب العظيم القادر على ابهار العالم وابهار نخبته المثقفة التى تتلون وفق الظروف وتغير من جلدها وآرائها كلما تغيرت موازين القوى !! إن هذا الوعى السياسى المتنامى لدى أفراد الشعب وخاصة طبقاته الدنيا هو السند القوى للرئيس السيسى وهو فى ذات الوقت ما ينبغى أن تتفاعل معه النخب والأحزاب السياسية وتعمل من خلاله على توسيع قاعدة المشاركة السياسية وخاصة أننا مقبلون على الاستحقاق الجديد من خريطة الطريق لمستقبل مصروهو الانتخابات البرلمانية. وليس خافيا على هؤلاء أنهم لايزالون حتى الآن بعيدين عن الاحتكاك بالشارع المصرى وغير قادرين على التأثير الإيجابى فى المواطن المصرى العادى وماذلك إلا لأنهم لايظهرون أمامه الا فى الفضائيات وفى أوراق الدعاية الانتخابية!! وعلى ذلك ومن هنا أحذرهم بأن الأمرلن يكون سهلا وأنهم لن يحصلوا على الأغلبية البرلمانية التى يخططون لها فى الغرف المغلقة ومن خلال البيانات الصحفية لما يشكلونه من تحالفات ورقية لاقيمة لها على أرض الواقع !! إن على هذه الأحزاب المدنية وتحالفاتها أن تسرع فى السعى إلى التوحد وتقديم برنامج عملى يدرك المشكلات الحقيقية للشعب المصرى وكيفية حلها وأليات تنفيذ هذه الحلول والبرامج الزمنية لذلك على أن يتوافق هذا البرنامج مع الرؤية الطموحة للرئيس السيسى وتحقق آمال وطموحات الشعب . ولعلى أقترح على هذه الأحزاب الخطوط العريضة لهذا البرنامج من خلال التساؤلات التالية : ما رؤيتهم لحل مشكلة البطالة وكيف ترتبط مخرجات التعليم بسوق العمل ؟! ما رؤيتهم لكيفية القضاء الحاسم على مشكلة الأمية التى هى سبب تفشى الفقر والجهل والمرض بين غالبية المصريين؟! مارؤيتهم لمستقبل الزراعة المصرية وكيف يمكن اعادة الفلاح المصرى إلى أرضه بعد أن هجرها ؟! وكيف يمكن اعادة الاعتبار للعامل المصرى الماهر باعادة تشغيل المصانع المتوقفة وانشاء عشرات المشروعات الانتاجية والمصانع الجديدة لتعود مصر بلدا زراعيا منتجا لمايكفيه ذاتيا من المحاصيل الاساسية ، وبلدا صناعيا يصنع ما يحتاجه ويصدر مايفيض عنه خاصة فى صناعة المنسوجات والحديد والصلب والاسمنت والصناعات التقليدية التى اشتهرت بها مصر عبر تاريخها المعاصر وليس البعيد ؟! مارؤيتهم للسياحة المصرية وكيف يمكن أن تتحول مصر إلى دولة سياحية عظمى بما يتناسب مع امتلاك مصر لثلث آثار العالم وكل مقومات السياحة غير التقليدية ؟! ماهى رؤيتهم لتطوير النظم التعليمية ومنظومة البحث العلمى فى مصر وهى منظومات تحتاج لتطوير جذرى وليس لمسكنات وقتية علما بأنه يتوقف على هذا ويرتبط به تطوير الرؤية الثقافية لمصر بما يكفل نشر قيم وثقافة التقدم فى مصر وبما يسهم فى الوقت نفسه فى عودة الريادة للثقافة والفنون والاعلام المصرى. ولعل الأهم من كل هذه الرؤى الاستراتيجية والخطط التنموية المرتبطة بها أن تنجح كوادر هذه الأحزاب والتكتلات السياسية فى تسويقها لدى المواطن المصرى واقناعه بكل جدية واخلاص بضرورة وأهمية الوقوف خلفها ودعمها كأساس لتحقيق أحلامه عبر برلمان قوى قادر على وضع التشريعات اللازمة لتنفيذ هذه الخطط وتحويلها إلى واقع ملموس يستفيد منه كل المصريين ويحقق كل طموحاتهم . لمزيد من مقالات د. مصطفي النشار