"اليمن السعيد" - كما كان يطلق عليه - لم يعد كذلك، بل أصبح محاطا بالغيوم والضبابية ، فهو الآن - وأكثر من أى وقت مضى - مهدد بالانقسام، وانفصال شماله عن جنوبه بعد دعوات من فصائل مختلفة تنادى بذلك ، بالإضافة إلى ما تشهدة البلاد من أحداث متسارعة مع سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة والعاصمة صنعاء، ودخولهم إلى الحديدة ، ومن ثم أحد أخطر المناطق الاستراتيجية فى اليمن هو مضيق باب المندب، الذى يمثل أهمية قصوى للتجارة الدولية. واعتبر البعض أنه تمت الإطاحة بآمال وأحلام اليمنيين فى العبور باليمن لعهد جديد، تسوده الدولة المدنية والديمقراطية والمواطنة المتساوية ، حيث أصيب المواطن اليمنى بصدمة ، أبسط ما يقال عنها إنها ستؤثر على حاضر اليمن ومستقبله لسنوات طويلة ، فبعد الاتفاق على المبادرة الخليجية بين القوى السياسية اليمنية وإقصاء الرئيس السابق على عبد الله صالح 2011 تفاءل اليمنيون بإمكانية بناء دولتهم، التى سرعان ما تحول فيها الحلم إلى كابوس كبير، تمثل فى تمدد الحوثيين وانتشارهم شرقا وغربا فى الجغرافيا اليمنية ، وصولا إلى حصار صنعاء والسيطرة عليها، دون صعوبة او مقاومة. وبالرغم من الاتفاق الدولى على ملف اليمن وربيعه العربى، الذى ظهر بوضوح فى القرارات التى صدرت بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدائمين ، وغيرهم وكذلك البيانات التى تصدر عنه، فإن التدخل الإقليمى الخارجى بات أكثر وضوحا وتأثيرا فى تحول المستجدات فى البلد الأهم جغرافيا، والأكثر فقرا فى الجزيرة العربية والمنطقة، ويتجلى ذلك فى التصريحات المتكررة لوزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل، التى كان أخرها منذ يومين مع وزير الخارجية الألمانى فى مدينة جدة ،و دعا فيها اليمنيين بجميع أطيافهم السياسية والمذهبية إلى تحكيم لغة العقل على صوت السلاح وتغليب مصلحة اليمن الوطنية على المصالح الفئوية الضيقة ، والحرص على عدم المساس بالشرعية وعدم خدمة مصالح أطراف أجنبية فى المنطقة لا تريد الخير لليمن ولا لشعبه ولا حتى للأمة العربية.
والقلق السعودى والخليجى مبرر كون تأثير عدم استقرار اليمن الإقليمى سيفتح أبواب الصراعات المذهبية فى المنطقة ، وذلك ما أشار إليه العديد من البيانات التى صدرت عن اجتماعات وزراء الخارجية لمجلس التعاون لدول الخليج العربى.
وفى خضم المستجدات المتسارعة التى بات تفسيرها يؤرق الخبراء، يوجه المراقبون العديد من أصابع الاتهام لنفوذ الرئيس اليمنى السابق وتأثيره المباشر على مجاميع قبلية وقيادات عسكرية أسهمت فى تسهيل مهمة الحوثيين للسيطرة على العاصمة صنعاء والتمدد فى مختلف المحافظات اليمنية.
" الأهرام " حاور عددا من الخبراء والدبلوماسين المعنيين بالشأن اليمنى، حيث كشف الدكتور عبد الملك منصور، الدبلوماسى والسفير ووزير الثقافة اليمنى الأسبق، عن أن الوضع فى اليمن يكتنفه كثير من ملامح الغموض ولا يمكن التنبؤ بما سيصل إليه ، مشيرا إلى أن الحوثيين قوة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها فلهم حضور فى العاصمة اليمنية وخارجها ولابد من توافق الجميع حول ما تم التوصل له مع رئيس الجمهورية مع الحوثيين وغيرهم من القوى السياسية بشأن اتفاق السلم والمشاركة ، الذى بدأت خطواته من خلال اختيار رئيس وزراء ثم يتبع ذلك خطوات لاحقة.
وأوضح أن الرئيس والحوثيين إذا كانوا حريصين على وحدة اليمن وسلامة أراضيه فعليهم أن ينفذوا هذا الاتفاق .
وأكد منصور أن ما يدور حول الانفصال ليس مستحيلا، وليس غريبا لأن المواطنين لابد أن يكونوا متجمعين برضاء من أنفسهم، وأنه لا إكراه فى الوحدة ، فإذا أحب أبناء اليمن فى بعض الأجزاء الاستقلال فلابد أن يكون ذلك وفقا للإجراءات المتعارف عليها دوليا بشكل سلمى، وعدم استخدام القوة، وعدم التوسع، وعدم مد أيديهم لأى دولة أجنبية تكون من مصلحتها تقسيم اليمن.
ويشير منصور إلى ان هناك العديد من البدائل وفى مقدمتها الفيدرالية حيث تبقى الدولة بذات السيادة و يكون لكل اقليم حكومته وميزانيته مضيفا ان الرئيس اليمنى قد بذل جهدا من خلال ما سمى بلجنة الأقاليم حيث تم اقتراح التقسيم الى 6 اقاليم وكل اقليم يتكون من العديد من المحافظات .
ويوضح انه بعد ذلك يبقى ان يتم انجاز الدستور ويصوت عليه ثم تجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومن ثم تصبح الفيدرالية واقعا عمليا وتصبح أقرب الى الدستور وتستجيب الى طلبات الذين يرفضون مركزية صنعاء وبذلك تكون الفيدرالية حلا من خلال الأقاليم التى تم اقتراحها .
وحول المخرج لانقاذ الوضع الإقتصادى فى اليمن يقول منصور ان هذه "معضلة المعضلات" لان الوضع الاقتصادى تحت الصفر ومع ذلك فان تسلح المواطنين متطور جدا فكل فرد لديه مالايقل عن 4 أسلحة. وطالب منصور مجلس التعاون الخليجى بتنفيذ ما كان يعرف بمشروع مارشال مؤكدا ان عدم استقرار اليمن يهدد المنطقة بأسرها.
وحذر منصور من ان التطرف ينتشر فى اليمن بشكل رهيب وهناك ردة فعل لانتشار الحوثى كما ان هناك ردة فعل لزحزحة الاخوان المسلمين من الوزارات والمؤسسات معتقدا ان الكثير من الشباب سيتجه الى الانضمام الى القاعدة مما سيجعل القاعدة فى اليمن قوية ،واذا لم تعجل الحكومة اليمينة بالاجراءات الامنية والسياسية والاقتصادية والحوارية والتنموية فان القاعدة ستصبح قوية وتهدد السعودية ودول الخليج علما بانهم مهددين بداعش .
وحول الدور الايرانى فى اليمن يكشف منصور ان ايران دوله اقليمية لها طموحاتها ولاشك ان قوة الحوثيين قوة لايران معتبرا ان أى قوة تمتلك مضيق باب المندب ستتحكم فى التجارة الدولية والبحر الأحمر وهو خطر يهدد امدادات النفط .
أما الدكتورعلى صالح موسى ،الباحث والخبير بالشأن اليمنى ، فيؤكد ان الحوثيين قوة سياسية متماسكة ومدعومه من الخارج ( ايران ) أصبحت تسيطر على العديد من المناطق والكثير من المفاصل السياسية مشيرا الى ان وقوع "الحديدة" تحت سيطرتهم وهى من المناطق الحساسة يمثل "نقطة تحول" واذا دخلوا عدن فسيكونوا قد سيطروا على كافة المناطق الهامه .
وحول دعوات انفصال شمال اليمن عن جنوه مرة أخرى يقول الخبير اليمنى ان الحوثيين سيواجهون مقاومة فى الجنوب وان عملية الانفصال مستبعده فى هذا الظرف.
ويرى موسى ان الدور الخليجى والمصرى مهمين ولاعبين أساسيين فى تحقيق التوافق وكانت هناك المبادرة الخليجيه لمساعدة اليمن والتى كانت تهدف للخروج باليمن من مأزقها مؤكدا ان الدبلوماسية المصرية عليها ان تكثف اتصالاتها لضمان ان تظل اليمن ضمن الخط العربي.