حبس العالم أنفاسه خلال الأيام الماضية فى انتظار أحدث حلقات المسلسل المثير "الحرب الأمريكية على الإرهاب" أو "الحرب على العراق - الجزء الثالث". فسياسات الولاياتالمتحدة الخارجية باتت تنافس إلى حد كبير مسلسلاتها المملة ذات الألف حلقة، فالأحداث تتكرر مرة تلو الأخرى دون أن يعى الأبطال دروسهم أو يدركوا فداحة الأخطاء التى يرتكبونها هم وآباؤهم من قبلهم. وهذا بالتحديد ما تعكسه استراتيجية الرئيس باراك أوباما "الجديدة" - أو ربما "المتوقعة" - للحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، فهى مجرد حلقة جديدة من سياسات واشنطن العقيمة للسيطرة على مجريات الأحداث فى الشرق الأوسط، من خلال استغلال حلفائها ودعم وتسليح جماعات معارضة متطرفة، غالبا ما تنقلب ضد واشنطن فى النهاية وتتحول إلى خنجر يضرب أمريكا من الخلف، مثلما كان الحال فى أفغانستان ثم العراق ومصر وسوريا، والآن يعود أوباما لتكرار نفس الأخطاء بحذافيرها، وربما بعواقبها المدمرة أيضا. ففى الوقت الذى خيمت فيه ذكرى 11 سبتمبر بظلالها الأليمة على الشعب الأمريكي، خرج أوباما على مواطنيه ليبشرهم باستراتيجية طال انتظارها للقضاء على داعش - الذى يعتبر امتدادا لوحشية وإرهاب تنظيم القاعدة - وذلك من خلال دعم ما وصفه ب"المعارضة المعتدلة" فى سوريا. وعلى الرغم من تعقد المشهد السورى وتعدد أطرافه ما بين معارضة متطرفة ومعتدلة مجهولة الهوية، فإن أوباما بدا كما لو كان قد نجح فى فك شفرات الصورة المعقدة للحرب الأهلية السورية، وتجاهل فى هذا السياق الأخطاء التى ارتكبها أسلافه فى أفغانستان فى السبعينيات من القرن الماضي، عندما دعمت "الجهاديين المتطرفين" آنذاك، وخلقت وحش "القاعدة" الكاسر، والذى عجزت فيما بعد عن السيطرة عليه حتى فتك بها فى 2001. ولا يخفى على أحد أن أوباما قد لجأ من قبل لدعم نفس "المعارضة المعتدلة" العام الماضي، عندما رفض الكونجرس منحه تفويضا لقصف سوريا، ولكن تبين فيما بعد أن هذا المسمى مجرد بدعة "المعارضة المعتدلة"، فقد التقطت الأقمار الصناعية صورا لعناصر من تنظيم داعش الإرهابى وهم يعبرون الحدود التركية – العضو بحلف شمال الأطلنطى "الناتو" - فى طريقهم للعراق على متن سيارات يؤكد البعض أنها كانت جزءا من الدعم الأمريكى للمعارضة السورية المعتدلة، ناهيك عما يستخدمونه من سلاح أمريكى الصنع، ادعى البعض أنهم استولوا عليه من مخازن قوات الأمن العراقية. وعلى الرغم من أن خروج القوات الأمريكية من العراق يعتبر أحد الوعود الانتخابية الرئيسية التى قطعها أوباما على نفسه فى 2008، فإن قراره بتصعيد القصف الجوى للعراق وسوريا ونشر قوات برية أمريكية فى المنطقة - حتى لو كانت محدودة - تحت ذريعة تدريب القوات العراقية يعيد إلى الأذهان مآسى وفضائح القوات الأمريكية فى العراق منذ بداية الغزو الأمريكى لها فى 2003 وحتى انسحابها فى نهاية 2011، لتصبح بذلك الحرب الثالثة على العراق لو أخذنا فى الاعتبار قصف الرئيس الأسبق بيل كلينتون لها فى 1998. وبغض النظر عن رفض الرئيس الأمريكى لاستخدام كلمة "حرب"، إلا أن تأكيده إطلاق عمليات عسكرية واسعة تستهدف القضاء على قيادات داعش والإرهاب فى المنطقة، مهما اقتضى الأمر، لا يحمل سوى معنى واحد، هو حرب طويلة الأمد ذات أبعاد غير محددة. أما النقطة الرئيسية فى استراتيجيته، فتعتمد على تشكيل تحالف دولى يعتمد بالأساس على دول المنطقة وهى مصر والسعودية والأردن وغيرها من الدول الرئيسية فى الشرق الأوسط. ولم يأخذ أوباما فى الاعتبار تخليه عن مصر والسعودية فى حربهما على الإرهاب الذى احتضنته ودعمته جماعة الإخوان الإرهابية، فالإدارة الأمريكية لم تكتف بتخليها المعنوى عن مصر، ولكنها علقت المساعدات العسكرية التى كان من شأنها المساعدة فى القضاء على الإرهاب فى هذه البقعة الحيوية والمهمة من العالم، وربما كان هذا سيردع داعش ويقوض طموحاتها، والخطأ الأمريكى فى التخلى عن مصر تحديدا اعترف به قبل أيام ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكى السابق. فهذا التحالف الذى تسعى الإدارة الأمريكية جاهدة لتشكيله مجرد تحالف شكلى حتى الآن، نظرا لتجرده من الروح ووحدة الهدف. الأكيد أن المصالح الأمريكية فى المنطقة لا تقتصر على القضاء على الإرهاب، بل إنها تسعى بالأساس لتأكيد واستعادة نفوذها فى الشرق الأوسط، بل وتأمين إمدادات البترول العراقى لها، خاصة فى ظل تصاعد الصراع الروسى - الأمريكي، والمخاوف من احتمالات امتداد النفوذ الإيرانى ليسيطر على موارد البترول العراقي، ولكن الأيام ستثبت هشاشة استراتيجية أوباما الجديدة، وعجزها عن حماية أمريكا وحلفائها الغربيين من شبح الإرهاب. والآن، دعونا نشاهد الحلقة الجديدة من المسلسل الأمريكي!