نجوي عبدالله جاء إعلان تصديق المجلس الأعلي العسكري علي قانون استقلال الأزهر وانتخاب شيخه, الشهر الماضي ليضع المؤسسة الدينية العريقة في دائرة الضوء, ويفتح الحوار حول دور الأزهر بعد ثورة25 يناير. خاصة حول عودة هيئة كبار العلماء, وتفعيل دورها. فقد أثارت ثورة25 يناير الاهتمام بالقوي الناعمة لمصر وعلي رأسها الأزهر الذي بات مادة للبحث والتدقيق في مراكز الأبحاث السياسية والإستراتيجية لعلها تستطيع أن ترسم الصورة النهائية للتغيير الذي يمكن أن يحدث علي المدي القريب والبعيد, كان ابرزها دراسة عن مؤسسة كارينجي للسلام الدولي حول دور الأزهر بعد الثورة أجراها ناثان جيه براون أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطنالأمريكية. وحاول براون مناقشة أهمية استقلال الأزهر عن النظام السياسي. وبحسب براون, فإن أهمية دور الأزهر في المجتمع المصري تتعاظم في هذه المرحلة في ظل رفض المجتمع المصري فكرة فصل الدين عن الدولة, لتصبح القضية الأساسية كيف تكون طبيعة العلاقة بين الأزهر والمجتمع والنظام السياسي ؟. ولكن للأزهر أهمية خاصة تتصل بعلاقته بالجماعات الاسلامية التي يعود تاريخها إلي السبيعينيات من القرن الماضي, فهي علاقة تتسم بالحميمية إلي حد كبير مع جماعة الإخوان المسلمين وحتي مع بعض من يمكن وصفهم بالسلفيين. فالإخوان المسلمون كانوا دائما يدعون إلي دور أقوي للأزهر في الحياة العامة, وفي الوقت نفسه نجد للإخوان مؤيدين داخل الأزهر. بل إن بعض علماء الأزهر انضموا إلي جماعة الإخوان المسلمين. والأمر نفسه ينطبق علي السلفيين فهناك داخل الأزهر من يتبني نهج السلفيين. ولكن يظل هناك نوع من التنافس بين الأزهر والجماعات الاسلامية. فالإخوان المسلمون تري أنها احتلت مكانة الأزهر الذي فقد استقلاليته ونفوذه, وإلا ماكان المصريون انضموا إليهم ورأوا فيها عوضا عن الأزهر الذي فقد الكثير من نفوذه في ظل النظم السلطوية التي حكمت البلاد علي مدي عقود. وهو ما اتفق عليه أيضا السلفيون الذين يرون أن الأزهر أصبح تحت طوع المؤسسة السياسية في البلاد. برغم أن دور الأزهر كان محدودا خلال الثورة, فمع تبني الطلبة وهيئات التدريس مطالب الثورة, أيقن شيخ الأزهر أنه لا يمكن الوقوف في وجه التغيير, وسريعا تبني سياسة أحدثت نوعا من التوازن في مواقف الأزهر. وبدأ في استيعاب جميع الاتجاهات حيث فتح حوارا مع الإخوان المسلمين و الدعاة الجدد من بينهم عمرو خالد, و حتي خالد مشعل القيادي البارز في حركة حماس, وكذلك المرشحون المحتملون للرئاسة كما بدأ حوارا مع الليبراليين حول التغيير السياسي المرتقب للبلاد. وشمل تأثير الثورة أيضا جامعة الأزهر حيث انتفض الطلاب وهيئة التدريس مطالبين باستقالة جميع من جاء بهم نظام مبارك في المناصب القيادية,كما عادت الانتخابات الحرة البعيدة عن أيدي السلطة للجامعة. وأصبحت القيادة المؤقتة للبلاد ممزقة بين مطالب التغيير والحفاظ علي الأمن والاستقرار. كما شهدت باقي أجزاء المؤسسة الدينية تغيرا ملحوظا كان أكثرها دراماتيكية مسيرة كبيرة نظمها في مارس2011 مجموعة من العلماء وخطباء المساجد أطلقوا علي أنفسهم جبهة علماء الأزهر المستقلة طالبوا خلالها المجلس الأعلي العسكري بعودة الاستقلالية والمركزية للأزهر. وجاءت الضغوط أيضا من خارج الأزهر تطالبه بلعب دور سياسي أكبر, وهو ما برز في حالات التوتر الطائفي, وتعزيز الوحدة الوطنية. باختصار الثورة أثارت صراعا حول دوره الأزهر في المجتمع. وذلك في ظل ظهور للسلفيين, ونجاح الإخوان في دعم شرعيتهم وتشكيل حزبهم. وفي الواقع, ليس من الواضح ما إذا كان هناك دور مؤثر للأزهر سيقوض الجماعات الاسلامية إلا أن معارضيهم من الليبراليين واليساريين دائما ما يبحثون عن قوة موازية إن لم تكن أقوي من تلك الجماعات, ويأملون في أن يستطيع الأزهر أن يلعب هذا الدور. خاصة أن الوسطية التي يمثلها شيخ الازهر قد توفر مناخا معتدلا يقبله الليبراليون واليساريون. وكانت نتيجة الثورة هي تفاوض علماء دين بارزين ومثقفين في يونيو2011 علي وثيقة تحمل مجموعة من المبادئ تتيح تفسير مبادئ الاسلام بطريقة تبعد عن التشدد وتتفق مع وسطية شيخ الأزهر وتتماشي والمبادئ الليبرالية. ولاقت الوثيقة ترحيبا كبيرا لدي كل الأوساط سواء دوليا أو محليا. كما استطاعت الوثيقة أن تحظي بدعم القوي السياسية المختلفة, حيث اتسمت بالواقعية السياسية التي تمثلت في مبادئ الوثيقة. وبهذا تمثل وثيقة الأزهر, التي طالبت بإحياء هيئة كبار العلماء ومنحهم الحق في انتخاب شيخ الأزهر, أحد أهم أركان صفقة سياسية تضمن دورا أكبر للأزهر بعد الثورة. وهناك رؤية بديلة لدور الأزهر في المجتمع المصري والتي يدعمها عدد كبير من علماء وطلبة المؤسسة الدينية. فهي تقترح أن يكون هناك دور لدار الإفتاء ووزارة الأوقاف يندرج أيضا تحت عباءة الأزهر وهي خطوة ستمكن الأزهر من السيطرة علي كل الهيئات وتقضي علي هيمنة الدولة عليه.