بدلا من الاحتفال بذكرى سقوط رأس النظام وخلاصنا من قبضة حكم قمعى وحاشية فاسدة؛ وجدنا بعض القوى السياسية تدعو لعصيان مدنى وإضراب عام، وكأن هناك اتفاقا مسبقا لإلهاء الناس عن التفكير؛ مجرد التفكير، فى الاحتفال بذكرى خلع النظام، وفى الوقت نفسه إيجاد ذريعة يمكن من خلالها توريط الجيش فى احتكاكات مع بعض العناصر المندسة-وليس الشعب- ليشاع بعدها أن الجيش اشتبك مع الشعب، ويجد المتربصون بنا مجالا للتدخلات وتصوير الجيش على أنه غير أمين على الثورة والشعب ومستقبل مصر. ماذا يعنى الدعوة لَإضراب وعصيان مدنى غير القضاء على ما بقى من أمل فى النهوض من كبوتنا؟! كثير من الناس لا يعرف أن للإضراب والعصيان المدنى أثارا وقوة تستطيع أن تسقط أعتى النظم الدكتاتورية، وقد جربنا ذلك فى 11 فبراير عام 2011 يوم سقوط النظام دون أن ندرى أن ما حدث عصيان مدنى غير معلن ولم يتم التجهيز له، فكل الناس تركت أعمالهم وأشغالهم وذهبوا للميادين فى كل محافظات مصر، وجلسوا فى الأرض وأغلقوا الطرق ونصبوا الخيام وناموا فى العراء فى أشد أيام الشتاء بردا؛ لإيمانهم بقضيتهم ومشروعية عصيانهم فنجحوا؛ لأن هدفهم كان نبيلا ومشروعا وهو الامتناع عن العمل حتى يرحل النظام الذى أوصل البلاد والعباد إلى حالة فقر متعمدة وأذل الشعب ونشر فسادا طال كل مؤسسات الدولة. ما هو الإضراب؟.. الإضراب معناه الكف والإعراض عن الشيء والامتناع عنه، وهو توقف أو امتناع العامل عن أداء مهامه التي وكِّل بها بدون سابق إذن من موكله أو رب العمل لغرض الحصول على إحدى حقوقه بالعدل.. ومن أنواعه: الإضراب عن الطعام، ويقوم به الأسير في مكانه، وهو نوع من الضغط على معتقليه ليفرجوا عنه، والإضراب الفئوي؛ وهو الذي تقوم به فئة معينة من الشعب تجمعهم مهنة أو وظيفة واحدة. وكانت البداية الحقيقية له مع ميلاد الثورة الصناعية وتسلط النظام الرأسمالي على العمال، أما أشد الإضرابات أثرا فهو الإضراب العام؛ وهو ما يكون نتيجة أن صاحب العمل (وهو الدولة) قام بإهدار حق من حقوق العمال مثل استيفاء الأجر العادل كاملا، ويكون هناك فجوة بين أجور العمال ومتطلباتهم المعيشية، أو بسبب عدم تدخل الدولة لإقامة العدل وتسوية الخلاف، وعدم جدوى الضغط الشعبي على الدولة وعدم رضوخها عند التهديد بالإضراب. وفى ظروفنا الحالية الدعوة لإضراب أو عصيان مدنى فى هذا التوقيت الحرج فى تاريخ مصر يضر بالبلاد ويجعلنا هدفا سهلا للمتآمرين علينا؛ لأن ذلك لا يعنى إلا شيئا واحدا وهو سقوط الدولة واختراق أهم مؤسسة فيه، وهو ما استشعره المواطن فلم يستجب وسعى على رزقه القليل كعادته كل يوم، وفشل العصيان لسبب بسيط؛ وهو أن الناس تعلم جيدا أن البلد لا تتحمل تبعات الدخول فى انهيار جديد لاقتصادها وحالتها الأمنية. لحظة: فى ذكرى موقعة الجمل حدثت مجزرة بورسعيد وفى ذكرى التنحى دعوة لعصيان مدنى؟!! المزيد من مقالات على جاد