يعد الأزهر الشريف أهم مؤسسة إسلامية على الإطلاق في مصر و العالم العربى و الإسلامي،لا ينازعه فيها أحد، بالرغم من محاولات بعض الجماعات الإسلامية سحب البساط من تحته، إلا أنها لم تنجح فى ذلك، فالأزهر هو المرجعية الوحيدة فى مجال العلوم الشرعية عبر العصور،فكان يمثل الدعوة الإسلامية والعمل السياسى الإسلامى المستقل عن الحكام فى عصر المماليك والعثمانيين،وحتى بداية عصر محمد على، والذى بدأ فى عهده تراجع القوة الذاتية للأزهر نتيجة للحصار الذى فرضه عليه . وكان الرئيس جمال عبد الناصر مؤمنا بأن الأزهر أحد أهم أدوات سياسة وقوة مصر الناعمة داخليا وخارجيا لذا قام بالكثير من التجديد والتطوير في مؤسسة الأزهر الشريف وتحويله لجامعة عصرية تدرس فيها العلوم الطبيعية بجانب العلوم الدينية، بعد أن لاحظ من متابعته لأوضاع المسلمين فى إفريقيا أن قوى الاستعمار الغربى كانت حريصة على تعليم المسيحيين العلوم الطبيعية، ومنع تعليمها للمسلمين مما أدى لتحكم الأقليات المسيحية فى دول إفريقية غالبية سكانها من المسلمين ، وكانت هذه الأقليات المسيحية تتحكم فى البلدان الأفريقية المسلمة وتعمل كحليف يضمن مصالح قوى الاستعمار الغربى التى صنعتها، لذا صمم عبد الناصر على كسر هذا الاحتكار للسلطة وتعليم المسلمين الأفارقة علوم العصر ليستطيعوا حكم بلدانهم لما فيه مصلحة تلك البلدان، لذا أنشأ عبد الناصر مدينة البعوث الإسلامية التى كان ومازال يدرس فيها عشرات الآلاف من الطلاب المسلمين على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من مختلف دول العالم، يتعلمون في الأزهر مجانا ويقيمون فى مصر إقامة كاملة مجانا أيضا ، فزاد عدد الطلاب المسلمين في الأزهر من خارج مصر إلى عشرات الأضعاف، وأيضا تم بناء آلاف المعاهد الأزهرية والدينية فى مصر وتم افتتاح فروع لجامعة الأزهر فى العديد من الدول الإسلامية. كما وصلت الفتاة فى عهده لأول مرة إلى التعليم الديني، فافتتحت معاهد أزهرية للفتيات، وأقيمت مسابقات عديدة في كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم، وطبعت ملايين النسخ من القرآن الكريم ، وأهديت إلى البلاد الإسلامية وأوفدت البعثات للتعريف بالإسلام في كل إفريقيا و آسيا ، كما تمت طباعة كل كتب التراث الإسلامية في مطابع الدولة طبعات شعبية لتكون في متناول الجميع، فيما تم تسجيل المصحف المرتل لأول مرة بأصوات كبار المقرئين وتم توزيعه على أوسع نطاق فى كل أنحاء العالم، وأيضا ترجمة القرآن إلى كل لغات العالم، وعمل مسابقات تحفيظ القرآن الكريم على مستوى الجمهورية ، والعالم العربى ، والعالم الاسلامى ، وكان عبد الناصر يوزع بنفسه الجوائز على حفظة القرآن،وأيضا أنشأ إذاعة القرآن الكريم . - وأيضا تم فى عهده وضع موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامى والتى ضمت كل علوم وفقه الدين الحنيف فى عشرات المجلدات وتم توزيعها فى العالم كله، وأنشأ كذلك منظمة المؤتمر الإسلامى التى جمعت كل الشعوب الإسلامية .. كذلك تم زيادة عدد المساجد فى مصر من أحد عشر ألف مسجد قبل الثورة إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970 ، أى أنه فى فترة حكم 18 سنة للرئيس جمال عبد الناصر تم بناء عدد ( عشرة آلاف مسجد ) وهو ما يعادل عدد المساجد التى بنيت فى مصر منذ الفتح الإسلامى وحتى عهد عبد الناصر، كما جعل مادة التربية الدينية ( مادة إجبارية ) يتوقف عليها النجاح أو الرسوب كباقى المواد لأول مرة في تاريخ مصر بينما كانت اختيارية في النظام الملكي. وأيضا أصدر عبد الناصر قرارات بإغلاق كل المحافل الماسونية ونوادى الروتارى والمحافل البهائية ، كما تم إلغاء تراخيص العمل الممنوحة للنسوة العاملات بالدعارة التى كانت مقننة فى العهد الملكى وتدفع العاهرات عنها ضرائب للحكومة مقابل الحصول على رخصة العمل والكشف الطبى. ونتيجة خشية الضباط الأحرار من الدور المستقل للأزهر وخوفا علي مصير ثورتهم أصدروا المرسوم بقانون رقم 180 لعام 1952م أي في أول خمسة شهور من حكم الثورة بإلغاء الوقف الأهلي، كما كانت هناك إجراءات صحبت ذلك كله وأخرى تتابعت في السنوات التالية أدت فيما أدت إلى وضع الدولة يدها بشكل كامل على الأوقاف عبر وزارة الأوقاف التي سلمت هذه الأوقاف بشكل أو بآخر إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، حتى أن الهيئة تسلمت 137 ألف فدان من أراضي الأوقاف بسعر 17.5 مثلاً لضريبة الأطيان المربوطة عليها أي أن قيمة الفدان بلغت خمسين جنيهًا، في حين زادت قيمته الحقيقية بسعر السوق في ذلك الحين على ألف جنيه، ولذلك عجزت وزارة الأوقاف عن تأدية رسالتها لأن هذه الأراضي كانت تدر على الأزهر في السنة الواحدة 8 ملايين جنيه، وبتطبيق هذه القوانين انخفضت الإيرادات إلى 800 ألف جنيه إذ إن الريع تم تحديده ب3% و 4% من قيمة سندات سلمت لها كبديل للأرض فضلاً عن امتناع الهيئة العامة للإصلاح الزراعي عن سداد الريع المستحق، الأمر الذي جعلها مدينة لوزارة الأوقاف بمبالغ مالية هائلة، هذا فضلاً عن تبديد الهيئة لأغلب هذه الأوقاف لاسيما أوقاف الخيرات الموقوفة على المساجد, وبهذا ضربت ثورة 23 يوليو الركيزة الاقتصادية لعلماء الأزهر؛ تلك الركيزة التي كانت تجعلهم في غنى عن أموال الحكومة، الأمر الذي كان يكفل لهم الاستقلال عنها ويتيح لهم معارضتها دون الخوف من قطع مرتباتهم أو تشريد أسرهم من بعدهم. أما أوقاف غير المسلمين فقد استثنيت من أحكام هذه القوانين حيث وضعت لها قوانين خاصة، وتركت لكل كنيسة أوقافها في حدود مائتي فدان، وما زاد عن هذا كانت الدولة تأخذه وتدفع ثمنه بسعر السوق وهو ما أدى في أواخر السبعينيات إلى مناداة عدد من الأصوات في مجلس الشعب بمساواة أوقاف المسلمين بأوقاف المسيحيين . وفي اطار سعيه لاحكام السيطرة علي الازهر وتسخيره لخدمة رؤيته السياسية أصدر جمال عبد الناصرقانون تنظيم الأزهر ( 103 لسنة 1961م)، والذى أعاد تشكيل الهيكل التنظيمى للأزهر وربطه برئاسة الجمهورية , فشيخ الأزهر ووكيل الأزهر و رئيس جامعة الأزهر يعينهم رئيس الجمهورية, كما أن كل أجهزة الأزهر الرئيسية كالمجلس الأعلى للأزهر و جامعة الأزهر و مجمع البحوث الإسلامية ينفرد رئيس الجمهورية بتعيين القيادات العليا فيها, فمجمع البحوث يرأسه شيخ الأزهر وأعضاء المجمع يعينهم رئيس الجمهورية, أما جامعة الأزهر فبالإضافة لرئيس الجامعة يعين الرئيس عمداء الكليات , و بصفة عامة فالهيكل العام الإداري و المالي للأزهر أصبح وفقا لقانون تنظيم الأزهر جزءا من الهيكل المالي و الإداري للحكومة، وهو ما تم إلغاؤه فى الدستور الحالى والذى ينص على استقلال منصب شيخ الأزهر وعدم قابليته للعزل من قبل الرئيس ، وأن اختيار شيخ الأزهر يكون بالانتخاب من بين أعضاء هيئة كبار العلماء،وهيئة كبار علماء الأزهر هي أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر الشريف بمصر، وجرى إحياؤها في عام 2012 بعد ثورة 25 يناير عام 2011، وسبق أن حلها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وتضم 26 عضوا من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية من جميع المذاهب الفقهية. جاءت بعد ذلك خطوة بارزة قامت بها ثورة يوليو لتقليص دور الأزهر في الحياة العملية للمصريين خارج توجيه الحكومة؛ وهي إلغاء المحاكم الشرعية فعبدالناصر وثورة يوليو كانا يهدفان لتأميم الدين لصالح نظام الحكم فكان لزامًا القضاء على هذه المحاكم التي كان يستحيل تأميمها لصالح النظام الحاكم، وكانت ثورة يوليو واعية بذلك منذ البداية إذ ألغيت هذه المحاكم بقانون رقم 462 لعام 1955م، وبذلك بدأت هيمنة ثورة 23 يوليو على القوة الإسلامية الأكبر في مصر وفي العالم الإسلامي وهي الأزهر الشريف وعلماؤه، حيث شكل إلغاء المحاكم الشرعية تحديًا لنظام الشريعة الإسلامية نفسه في دولة إسلامية يعلن دستورها أن دينها الرسمي هو الإسلام. أما الطرق الصوفية التي كانت تمثل وقتها نحو 3 ملايين منتسب ينتظمون في 60 طريقة فكان لها شأن آخر مع جمال عبد الناصر, إذ أيدته بوضوح في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية من البداية، فعلى سبيل المثال وقفت مشيخة الطرق الصوفية مع عبدالناصر في صراعه ضد الإخوان وأصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية محمد علوان بيانًا في مولد الرفاعي عام 1965م أبرز فيه هذا الموقف، كما أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية بيانًا استنكر فيه ما أسماه المؤامرات الرجعية التي يدبرها الملك فيصل (ملك السعودية) وشاه إيران والملك حسين (ملك الأردن) ورئيس تونس الحبيب بورقيبة،وكذلك أصدر شيخ مشايخ الطرق الصوفية بيانًا يبرر فيه ويؤيد قرارات عبدالناصر بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء في مايو 1967م ،وفي ديسمبر 1967م سار أكبر موكب صوفي رسمي في مصر تأييدًا لعبدالناصر في أعقاب هزيمة يونيو.