على الرغم من التذبذبات فى القرارات التى اتخذها الاتحاد الأوروبى إبان ثورة الثلاثين من يونيو والتى بدت وأنها ضد إرادة جموع الشعب المصرى آنذاك فإن دور ومكانة مصر فرضت فعليا على أغلب دول الاتحاد تغيير استراتيجيتها انطلاقاً من سياسة المصالح الاقتصادية المشتركة التى تحكم العلاقة فى الأساس، فالاتحاد الأوروبى هو أحد أهم الشركاء الرئيسيين لمصر.. «الأهرام» التقى مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية السفير حاتم سيف النصر ليتعرف منه على شكل وطبيعة علاقات مصر بدول الاتحاد الأوروبى ودار هذا الحوار . على ماذا تستند العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، وخاصة أنه من الحين للآخر تصدر بيانات عن الاتحاد بعضها إيجابى تجاه مصر والآخر منتقد لبعض الأمور، هل فى ذلك تدخل فى شئوننا الداخلية وكيف يتم التعامل معه؟ أود أن أنوه فى البداية إلى جولة الحوار الاستراتيجى التى عقدتها يومى 11 و12 يونيو الحالى مع المسئولين بالاتحاد الأوروبى وفى مقدمتهم «هيلجا شميدت» الأمين العام المساعد لجهاز التمثيل الخارجى بالإتحاد، والتى نأمل أن تحقق نقلة جديدة فى طبيعة العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى بناء على مكتسبات ثورة 30 يونيو بما يخدم أولوياتنا الوطنية ويلبى تطلعات الشعب المصرى، ويحقق فهما أفضل من الجانب الأوروبى لشواغلنا والقضايا التى تتصدر أولويات سياستنا الخارجية والتى يأتى من أبرزها ملف مياه النيل وسد النهضة، ومكافحة الإرهاب. كما أننا نشهد فى هذا الشهر الذكرى العاشرة لدخول اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية حيز التنفيذ فى عام 2004، وهى الاتفاقية التى مثلت نقلة نوعية مهمة فى العلاقات المصرية الأوروبية، كونها الإطار المؤسسى الحاكم للتعاون المشترك فى المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية، ليصبح الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لمصر، وأكبر مصدر للسياحة ومن أكبر مصادر الاستثمارات الأجنبية؛ أعقب ذلك إطلاق ما يعرف بسياسة الجوار الأوروبية التى هدفت إلى تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبى ودول الجوار الشرقى والجنوبى ومن ضمنها مصر، بما فى ذلك دعم الجهود التنموية والإصلاحات فى هذه الدول. ومن ثم فإننا نظل حريصين فى اتصالاتنا بالمسئولين الأوروبيين على التشديد على استقلال القرار الوطنى المصرى وأن العلاقات المصرية مع الجانب الأوروبي، بل مع سائر الدول الكبرى كالولاياتالمتحدة أو غيرها، يجب أن تحكمها مبادئ أساسية قائمة على «الندية» و«الاحترام المتبادل» و«المصالح المشتركة» و«عدم التدخل فى الشئون الداخلية»، حيث كانت الرسالة التى حرصنا على نقلها للجانب الأوروبى مؤداها أن استمرار بعض الأطراف الأوروبية فى السير على نهجها السلبى إزاء مصر سواء على الصعيد الثنائى أو فى المحافل الإقليمية والدولية سوف يكون له انعكاساته على مسار العلاقات الثنائية وعلى التعاون فى المحافل الدولية، فضلاً عن التآكل فى مصداقية الاتحاد لدى الرأى العام فى مصر، وهى رسالة تلقاها الجانب الأوروبى بمنتهى الوضوح إذ أكد حرصه على مواصلة دعم مصر من أجل تحقيق أهدافنا الوطنية فى بناء دعائم الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة. أما على الصعيدين الاقتصادى والتنموى فأود أن أؤكد أن العلاقة مع الجانب الأوروبى هى علاقة مشاركة تقوم على التكافؤ بين طرفين متساويين وأن أى محاولة لفرض مشروطيات سياسية من خلال ربط المساعدات بتطور المسار السياسى وفقاً لمبدأ «المزيد من أجل المزيد» لا يتسق مع منطق ومفهوم تلك المشاركة، كما أن هنالك إدراكاً من الجانب الأوروبى بأنهم يحتاجون إلى تلك العلاقة بقدر حرص مصر عليها بل بدرجة أكبر، من جانب آخر، فإن على الاتحاد الأوروبى التزاماً بترجمة ما يعلنه من وعود بدعم الاقتصاد الوطنى إلى خطوات ملموسة من خلال تنفيذ مشروعات تنموية مشتركة بما يعود بالمنفعة على الطرفين. كيف يمكن أن نقرأ تصريحات الاتحاد الأوروبى بعد ثورة الثلاثين من يونيو، خصوصا باعتباره الشريك الاقتصادى الرئيسى لمصر؟ رغم ترحيب الجانب الأوروبى بثورة 25 يناير فى إطار انفتاحه على الثورات العربية، بيد أن مواقف الاتحاد ودوله الأعضاء من ثورة 30 يونيو شابها فى البداية قدر من التذبذب حيث تنوعت ما بين مؤيد ومعارض ومترقب، إذ كان التركيز منصباً من قبل بعض الأطراف الأوروبية على محاولة توصيف ما حدث فى ال 30 من يونيو وما تلاها من تطورات سياسية، الأمر الذى انعكس على العلاقات بين الطرفين، إذ رفضت مصر بمنتهى الحزم أى محاولة للتشكيك فى مشروعية ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو أو التدخل فى الشأن الداخلى المصرى تحت أى ذريعة، مستنكرة أى محاولة ترمى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وحرصت الدبلوماسية المصرية على شرح وإيضاح أسباب وبواعث الثورة المصرية فضلاً عما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها من عمليات إرهابية تهدف إلى ترويع المجتمع وعرقلة المسار السياسي، كما حرصنا على توضيح الأسانيد القانونية لقرار الحكومة المصرية إعلان تلك الجماعة منظمة إرهابية. لكن سرعان ما بدأت تتغير المواقف الأوروبية لاسيما مع مواصلة مصر إنجاز استحقاقات خارطة المستقبل بنجاح ولاسيما عملية الاستفتاء على الدستور الجديد فى يناير الماضى ونجاحنا فى إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى إطار من النزاهة والشفافية، وهى تطورات أكدت حرص مصر على تمسكها باستكمال جميع الخطوات المقررة فى إطار خارطة المستقبل من أجل العبور من المرحلة الانتقالية وصولا إلى تثبيت البناء المؤسسى والتشريعى للدولة. تابعنا تحركات دبلوماسية على مختلف المستويات مع عدد كبير من الدول لشرح الواقع المصري... فهل أصبحت الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى ملمة بالقدر الكافى بطبيعة وحقائق الأمور؟ أود التأكيد على نجاح الدبلوماسية المصرية فى تحقيق تفهم أفضل من جانب غالبية دول الاتحاد الأوروبى إزاء حقيقة الأوضاع فى مصر، وهو ما لمسته فى اتصالاتى مع عدد من المسئولين الأوروبيين خلال الفترة الأخيرة، بما فى ذلك خلال الاجتماعات الدورية التى عقدتها مع سفراء دول الاتحاد الأوروبى بالقاهرة التى كان لها دور مهم فى نقل حقائق المشهد السياسى فى مصر بصورة واضحة. فى تصورك هل يمكن أن تبنى مصر الشراكة الاقتصادية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبى وغيره من الدول؟ وما تقييمكم لتطور العلاقة مع روسيا؟ أود أن أنوه أولا بأنه لا يزال هناك مجال واسع لتنامى العلاقات المصرية الأوروبية على مختلف الأصعدة وفى شتى المجالات يتأسس على آليات وأطر التعاون القائمة بالفعل، وعلى المبادئ الحاكمة للعلاقات بين الجانبين، وخاصة أن نقاط التقارب والاتفاق بين الطرفين المصرى والأوروبى أكثر من نقاط الاختلاف فى ضوء ما يجمع الجانبين من قيم ومصالح مشتركة ورصيد تاريخى من علاقات شراكة وتعاون. بيد أنه، وعلى غرار العلاقات المصرية الأوروبية والأورومتوسطية، فلا ريب فى أن الدولة المصرية سوف تواصل العمل أيضاً من أجل البناء على الرصيد التاريخى للعلاقات التى تجمعها بالدوائر العربية والإسلامية والإفريقية والآسيوية، بالإضافة إلى العلاقات مع الولاياتالمتحدة وروسيا الاتحادية، وتعزيز علاقاتها مع مختلف تلك الدوائر والدول تحت مظلة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وبما يتسق مع توجهات الهوية المصرية بمكوناتها الثقافية والحضارية، ومن دون أن يكون التحرك نحو دائرة أو دولة معينة خصماً من حساب دائرة أو دولة أخري، فالهدف هو إقامة علاقات متوازنة مع الجميع وفق الأولويات والأهداف المصرية لاسيما فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار والتنمية داخليا وخارجيا تلبية لتطلعات الشعب المصري. من ناحية أخرى أود تأكيد أن ضرورات الجغرافيا وحتميات التاريخ تعود لتفرض نفسها على التفاعلات المصرية الأوروبية معززة برؤية واضحة لدورنا الدولى ومدعمة بدبلوماسية مصرية نشطة لا تكل، تبذل أقصى الجهود من أجل إعلاء كلمة مصر والدفاع عن مصالحها وعن ثورتها وصون أمنها القومى.