لو كانت اللغة العربية إنسانا لكانت أنثى ولو كانت أنثى لكانت فتاة جميلة فاتنة ،غادة رائعة ، حورية سابغة الرداء ، ريانة الوعاء، ممشوقة القوام تمشي في خيلاء،تنظر إلى أترابها من اللغات من علياء ،نظرة كبرياء،نظرة اللغة المنعدمة النظير،والمنتفية المثيل. ولم لا؟ وهي أكثر لغة اهتمت بالأنثى عموما إنسانا كانت أو غير ذلك بل كائنا حيا أو جمادا ، وأولت المرأة خصوصا اهتماما عظيما لا يوجد ما يناظره في غيرها من اللغات . قد ينكر عليها أعداؤها الحاقدون أو الجاهلون من الناطقين بها ذلك وتشرئب أعناقهم رفضا لما نقول، ويكيلون لها تهما بالإساءة إلى المرأة والإقصاء والتهميش والاضطهاد ،ولكنني لا أقول كلاما مرسلا ولكن أقول كلاما علميا تقوم عليه الأدلة والبراهين. فعلى المستوى الأدبي أتحدى أيا منهم أن يحصي عدد أبيات الشعر ، بل عدد القصائد التي تغنت بالمرأة وتغزلت فيها، منذ عرف الشعر العربي حتى الآن، فقد كانت المرأة هي صاحبة دور البطولة المطلقة فيما نقل إلينا من شعر فضلا عما ضاع وضل طريقه إلينا لأسباب مختلفة، منذ امرئ القيس وحتى الشعراء المعاصرين. وكم من قصيدة وصفت جمال المرأة ورقتها وعفتها ودلالها وإباءها وشموخها، وطفولتها وصباها وشبابها وشيخوختها وأمومتها، وفصلت في وصف شعرها وجيدها وفمها وأسنانها وقوامها ومشيتها، ونشاطها وكسلها ورشاقتها وامتلائها، وبياضها وسمرتها، وطولها وقصرها ،وخفتها وثقلها ووقارها ورزانتها إلى آخره. وكم أبدع الشعراء فى ابتكار الصور البيانية والتشبيهات الجميلة والاستعارات الرائعة التي تصور الفتاة بالوردة مرة وبالنهر مرة وبالنسمة مرة وبغصن البان مرة،وغير ذلك من الصور التي تتيه بها المرأة العربية وتفاخر عبر القرون. وعلى المستوى الدلالي والمعجمي لم تحفل لغة بالمرأة كما حفلت لغتنا فجعلت لكل صفة للمذكر نظيرا لها للمؤنث باستثناء بعض صفات معدودة جعلتها للمذكر والمؤنث على السواء، بل إن هناك صفات لا يوصف بها إلا المرأة فبقيت بلا علامة تأنيث ما دام الرجل لن ينازعها فيهإ مثل : طالق وحامل و مرضع وحائض وطامث وناشز وغيرها. بل إن اللغة العربية من فرط حفاوتها بالأنثى جعلت للتأنيث أكثر من علامة، منها التاء المفتوحة ونون النسوة مع الفعل مثل (خرجت وخرجن) ومع الأسماء التاء المربوطة (عظيمة) والألف المقصورة (كبرى) والألف الممدودة (شقراء). وبرغم كل هذا الثراء الأنثوي أو النسوي في اللغة العربية إلا أن هناك من هم حريصون على تبديد هذه الثروة الطائلة وإهدار التراث المتراكم، والإرث الفريد الغالي، فقد استشرت أخيرا موضة صحفية تنطوي علي خطأ لغوي جسيم يفسد الذوق اللغوي السليم, إذ تذكر المؤنث وتؤنث المذكر. أما تذكير المؤنث فبذكر صفة المنصب الذي تشغله المرأة مذكرا, فإذا كانت المرأة قد عانت حتى شغلت أرفع المناصب ولم تعط لها منحة أو هبة, فلماذا نهضم حقها ونصادر إنجازها لصالح الرجل, بوصفها بعد اسمها بأنها سفير, وأستاذ, ووزير, وقاض, ورئيس, وليست سفيرة وأستاذة ووزيرة وقاضية ورئيسة, كما لو كنا نقصر هذه الوظائف علي المذكر, وبما يخالف قواعد تأنيث الصفة مع موصوفها في اللغة العربية. ولنا في تاريخنا شواهد علي ذلك بوصف شجرة الدر بأنها ملكة مصر لا ملك مصر، فإذا كان المنصب في حد ذاته - كما يدعون- مذكرا فإنه يتطابق مع شاغله فيذكر إذا كان رجلا ويؤنث إذا كانت امرأة تشغله. أما تأنيث المذكر فيأتي في الصحف في صورة اختصار اسم المسئولة بحذف اسمها والاكتفاء باسم أبيها أو زوجها مع إبقاء الفعل مؤنثا معه وهو جريمة في حق المرأة, وفي حق اللغة أيضا, فنقرأ مثلا: أبو النجا تعقد مؤتمرا. الجبالي تقرر.. شرف الدين تعلن الخ ونكتشف أن المقصود فايزة أبو النجا, وتهاني الجبالي ,ودرية شرف الدين.. وهي مخالفة لغوية فجة وشاذة لا يقبلها الذوق السليم, وأري في هذا تمييزا ضد المرأة وإهانة لها, يجب العدول عنها فورا. ودافعُ مبتدعي هذه الموضة هو تقليد اللغة الانجليزية تقليدا أعمي فإذا كان ذلك مقبولا في الإنجليزية حيث الفعل لا يذكر ولا يؤنث, فإنه لا يجوز في اللغة العربية تأنيث, الفعل مع المفرد المذكر مطلقا, ولا يجوز الاستعاضة باسم الأب أو الزوج عن اسم المرأة, فإذا أريد الاختصار يكتفي باسم المرأة وحدها, فالقرآن الكريم قال "مريم ابنة عمران " وعندما أراد الاختصار قال" مريم" ولم يقل عمران وذلك تكريما للمرأة وتمييزا لها وليس ضدها.. فأرجو أن ننتهج النمط القرآني القويم في صحفنا, مراعاة للذوق اللغوي وحفاظا علي لغتنا الجميلة من العبث, هذا من ناحية, وتمكينا لحق المرأة في ظهور اسمها مستقلا عن اسم أبيها أو زوجها من ناحية أخري. وبعد ..ترى هل هناك لغة في العالم احترمت المرأة وكرمتها وقدرتها بل ودللتها أكثر من اللغة العربية؟ أتحدى! لمزيد من مقالات صبرى زمزم