علي المصريين إستيعاب حقيقة أن ثورة25 يناير قد أظهرت كل ما في نخبتهم من نبل واع وما في حثالتهم من عنف جاهل. لكن مجزرة بورسعيد ضد ألتراس النادي الأهلي ليست مجرد كارثة شغب كروي عبثي, راح ضحيتها شباب متحمس لفريق, لتلقي مسئوليتها علي مشجعي فريق منافس!! فما جري في ملعب االمصريب جريمة كاملة; أرتكبت بدم بارد ضد شركاء فاعلين في ثورة25 يناير الشعبية, جريمة ينبغي البحث عمن يتحمل مسئوليتها بين صفوف أعداء الثورة; من مدبرين ومتواطئين ومنفذين, يتحملون مسئولية الإنفلات الأمني. ونقرأ في بياني الإخوان المسلمين وحزبهم االحرية والعدالةب بشأن ما جري في بورسعيد, إعلان الإخوان أن اتقاعس السلطة عن حماية المواطنين لا يمكن أن يقع تحت وصف الإهمال أو التقصير, وأن االتستر علي من قاموا بالكوارث التي حدثت قبل ذلك في ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء ونسبتها في كل مرة الي مجهولين وبالتالي افلات المجرمين الحقيقيين من المحاكمة والعقاب أغري كل من يريد الافساد في الأرض من القيام بذلك وهو آمنب. ونقرأ دعوة حزب الحرية والعدالة الي االمجلس العسكري باعتباره رأس السلطة التنفيذية في مصر الآن الي اتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية الشعب ومنشآته وثورته من هذه المؤامرات, والتصدي لهذا التورط من جهاز الشرطة الذي كان يستطيع منع هذه الكارثة, إلا أنه اكتفي بالوقوف متفرجا, مما يحمله مع الأطراف السابق ذكرها المسئولية الكاملة لما تشهده مصر من أعمال عنفب. وقد أصاب الإخوان وحزبهم في الإشارة الي أن اثمة تدبير خفي, وأن ابعض ضباط الشرطة يريدون معاقبة الشعب علي قيامه بالثورة وحرمانهم من الطغيان علي الناس وتقليص امتيازاتهم, وأن ثمة امخططا متعمدا لصناعة فتنة تهدف في الأساس الي إدخال مصر في دوامة من الأزمات, وأن هناك اأصابع لم تعد خفية تريد إدخال مصر في فوضي منظمةب. تتمثل في اأطراف داخلية مازالت لها علاقات قوية مع النظام السابق الذي يدير مخطط الخراب من محبسه في سجن طرة.. وعدد من رجال الأعمال الذين كانوا من أركان هذا النظام ومازالوا يتمتعون بالحرية رغم ملفات الفساد الكثيرة المتورطون فيهاب. بجانب اأصابع خارجية فشلت في الاستحواذ علي الثورة المصرية, إلا أنها لم تيأس من محاولات تعويق مسيرتهاب. وأسجل أولا, أن الإنفلات الأمني والفوضي المدبرة, وما ارتبط بهما من ترويع وتخويف وجرائم مسلحة وبلطجة جنائية وسياسية منظمة وعنف سياسي مفرط وإحتجاجات فئوية فوضوية, تتحمل مسئوليته المباشرة وزارة الداخلية, وخاصة مع استمرار قيادات مؤثرة كانت صنيعة وركيزة النظام السابق علي رأس أجهزتها الأمنية. فلم تقبل الشرطة أن تقدم, وباستقامة, إعتذارا صريحا للشعب عن مسئوليتها إزاء شهداء ومصابي الثورة وعن سجلها القمعي المشين في إنتهاك حقوق الإنسان والمواطن, ولم تتحول الي اخدمة الشعبب; بسبب هزيمة الشعب لأجهزة القمع الشرطية بثورته, وثقافتها الإستعلائية والقمعية الموروثة, وبدت وكأنها تري في الشعب االمنتصرب عليها اعدواب لها تريد معاقبته, فبادلها الشعب عداء بعداء, وبدا وكأنه قد فقد فضيلة التسامح. ولا ريب أن قوي االطرف الثالثب المعادية لثورة25 يناير, وهي قوي النظام السابق, لم تفقد نفوذها وأدوات تأثيرها في أجهزة الدولة الأمنية والاعلامية وغيرها, فواصلت سعيها لإجهاض الثورة بنشر الفوضي المدبرة والإنفلات الأمني; تدفعها نوازع الإنتقام من ثورة أفقدتها سلطة ونفوذا وفرصا للفساد المنظم والإثراء الحرام. وثانيا, أنه رغم حقيقة أن الفوضي الشاملة والإنفلات الأمني عاقبة موضوعية لأي ثورة, يؤججها منكوبو الثورة وأعداؤها, فان إخفاقات المجلس العسكري الأعلي في إدارة فترة الإنتقال قد كرست عوامل الإنفلات الأمني والفوضي المدبرة. فرغم مأثرة حمايته للدولة المصرية من السقوط, تباطأ المجلس في تنفيذ العدالة الناجزة بمحاكمة المسئولين عن قتل الشهداء, ولم يردع الدور التخريبي للقوي المعادية لثورة25 يناير, ولم يطهر أجهزة الدولة من االطرف الثالث, الذي لم يحدده في أي مرة, ولم يتخذ الإجراءات الواجبة لتطهير جهاز الشرطة ليخدم الشعب ويعيد الأمن, ولم يكشف الستار عن هوية القناصة الذين أغتالوا الثوار, ولم يحاكم من قتل ودهس واغتال وسحل وسفك دماء وفقأ عيون وهدر كرامة شباب مصر بعد الثورة, ولم يردع خطاب التحريض الديني الذي نشر ثقافة الكراهية وأشعل الفتنة الطائفية. وقد زج المجلس بقوات الجيش في مواجهة المظاهرات والاعتصامات السياسية, خروجا علي مهمتها وعقيدتها وتأهيلها, فنال من هيبتها. وفي وقت كانت الحاجة ظاهرة فيه الي أقوي الحكومات, وأقدرها علي بناء جسور الثقة مع الشعب, شكل حكومات ضعيفة ومرفوضة, كرست عدم الاستقرار بتباطئها في الإستجابة للممكن من المطالب الاجتماعية المشروعة, وعدم تصديها للإحتجاجات غير المشروعة فأهدرت هيبة الدولة. وحتي بعد أن تفاقمت أزمة الثقة بين الشعب والمجلس العسكري, لم يقدم الأخير نقدا ذاتيا موضوعيا لإخفاقات حكمه البلاد. وثالثا, إن الاستقرار السياسي وتعزيز الشرعية الدستورية, وخاصة بالتسريع بانتخاب رئيس الجمهورية ووضع دستور يعزز دولة المواطنة, هو الشرط الحاسم لإنهاء الإنفلات الأمني والفوضي الشاملة. وفي هذا السياق علي الأحزاب السلفية مسئولية تعزيز الاستقرار السياسي, بوقف خطاب التحريض الديني وما يدفع اليه من فتنة طائفية, وردع دعاة الفتنة باسم االأمر بالعروف والنهي عن المنكر, وإدراك أن إعلاء االقيم االدينيةب لا يتناقض مع إحترام اقيم المواطنةب. وعلي الإخوان المسلمين, الذين نالوا ثقة الأغلبية في إنتخابات مجلس الشعب, تعزيز الاستقرار السياسي بإعلان إنحيازهم بإستقامة الي إقامة ادولة المواطنةب. وعليهم, بوجه خاص, أن يتداركوا خطيئة نبه اليها الأستاذ فهمي هويدي إذ يقول اإنني لم أجد سببا مقنعا لاحتشاد أنصار الإخوان أمام مجلس الشعب ومحاولتهم عرقلة وصول المسيرة إليه, الأمر الذي أدي إلي اشتباك الطرفين دون أي مبرر. وحتي إذا صح ما قيل من أن بعض المتظاهرين دعوا الي اقتحام المجلس, فإن تأمينه يقع علي عاتق الشرطة والجيش وليست مهمة الإخوانب. ولا جدال أن الدعوات الفوضوية بشعاراتها المغامرة, مهما يكن وزنها محدودا بين صفوف شباب الثورة, من شأنها تكريس الفوضي بدعواتها الي إسقاط الجيش والدولة والتخلي عن سلمية الثورة. وعلي شباب الثورة مع استمرار دورهم في تعزيز الشرعية الثورية, أن يتجنبوا العزلة عن الجماهير والإساءة الي الجيش ونهج الثورة الدائمة, وأن ينخرطوا في أحزاب معارضة ثورية. وتوجب محاربة الفوضي علي الصحافة, مرئية ومطبوعة وإليكترونية, أن تتحلي بالحرية المسئولة; فتنبذ خطاب الإثارة والتحريض والتهييج والبذاءة. وعلي أجهزة الأمن القومي حماية السيادة الوطنية بأن تقدم المتورطين في إنتهاكها الي القضاء, بغير انتقائية وبشفافية كاملة. وأخيرا, أكرر ما كتبته في مقال سابق; فأقول إنه علي السلطة الإنتقالية والمنتخبة إدراك أنه ليس بمقدورها فرض الاستقرار بأدوات القهر والقمع والخداع مع شباب وشعب عرف طريقه الي الثورة. المزيد من مقالات د. طه عبد العليم