«زلزال سياسى» هذا هو الوصف الذى أجمع عليه السياسيون والاعلاميون فى أنحاء القارة الأوروبية بعد ظهور نتائج التصويت فى انتخابات البرلمان الأوروبى الذى بات فى قبضة الأحزاب اليمينية المتطرفة، بعد أن حققت نتائج تاريخية بحصولها على 212 مقعدا طبقا للنتائج الأولية، متقدمة على الأشتراكيين الذين جاءوا فى المركز الثانى، وأخيرا الأحزاب المعادية فى أوروبا، فى اقتراع عكس كما اشار المحللون الغضب الذى يعم القارة كلها من سياسات التقشف والبطالة.
أزمة ثقة.. غضب.. يأس، هكذا احتارت الأقلام والمحللون فى تصنيف الأزمة التى تمر بها فرنسا والاتحاد الأوروبى بصفة أعم. حيث تعرض الحزب الاشتراكى الحاكم فى فرنسا برئاسة الرئيس فرانسوا أولاند الى انتكاسة ثانية بعد شهرين تقريبا من الانتخابات البلدية التى مُنى فيها بهزيمة صنفت بالساحقة حين انتزع حزب الجبهة الوطنية لليمين المتطرف(FN) مايقرب من عشر بلديات. وقد تجسدت هذه الصفعة الثانية بفوزه ب 25% من اصوات الفرنسيين، وقد حل ثانيا خلفه حزب اليمين الجمهورى (UMP)المعروف «بالاتحاد من أجل حركة شعبية» بحصوله على 20%.. اما الحزب الاشتراكى الحاكم (PS) فقد حل ثالثا ب14% من اصوات الفرنسيين. يذكر ان هذه النتائج قد تمنح حزب اليمين المتطرف(FN) نحو 24 مقعدا نيابيا تحت قبة البرلمان الاوروبي. وقد اظهرت النتائج ان الأكثرية من المصوتين هم شباب اعمارهم مابين 30و25 عاما. كماان حزب مارين لوبن قد فاز فى 70 بلدة تقريبا على مستوى فرنسا، وسجلت نسبة المقاطعة 56,5%.. ويرى المحللون ان هذه النتيجة تمثل المرة الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وان حزب الجبهة اليمين المتطرف خاض الانتخابات هذا العام باحتراف شديد ومن الواضح ان لوبن وجدت التمويل الذى خول لها اجتياح الأرض بتطويع مايفوق على الف مستشار ومتخصص لحشد ودفع الناخب للتصويت لها. وعلى الصعيد نفسه.. قلل جان بيرشيفنموه وزير الداخلية السابق من حجم الفوز الذى حصل عليه حزب لوبن مشيرا الى ان عدد الاصوات التى حصلت عليها جبهة اليمين المتطرف أربعة ملايين فقط، وتلك الأصوات لاتمكن لوبن من الفوز فى الانتخابات الرئاسية، والوصول الى الاليزيه، كما يروج البعض من المراقبين.. ويرى ان هذا التصويت يخص غضب الفرنسيين من سياسية الاتحاد الاوروبى والأزمة الاقتصادية التى تعانيها البلاد فى ظل الاتحاد، ولايخص باى شكل من الاشكال الرئيس فرنسوا أولاند. فمن ناحيته عقد اولاند اجتماعا عاجلا تحت مسمي «اجتماع أزمة» لاستخلاص العبر، والدروس المستفادة من نتيجة الانتخابات الاوروبية.. وسعى فى كلمة مقتضبة نقلها التليفزيون من الأليزيه ليطمئن الفرنسيين، موضحا انه سيمضى فى استكمال خارطة الطريق الاقتصادية لتخفيف اعباء الفرنسيين، من خلال الخطة التى كشف عنها فى ديسمبر 2013، وأطلق عليها «ميثاق المسئولية والتضامن». وهى ترمى لتقليص الضرائب المفروضة على الشركات، وأرباب العمل، مقابل توفيرهم فرص عمل لمكافحة البطالة، والنهوض بالاقتصاد. كما حرص أولاند فى كلمته على عدم التقليل من حجم الغضب الذى عبر عنه الفرنسيين فى الانتخابات الاوروبية، مؤكدا ان مستقبل فرنسا بداخل الاتحاد الاوروبي..وواعدا بأنه سيناقش قضية التنمية ويضعها على اولويات رؤساء واعضاء الاتحاد ال 28 دولة فى اجتماع الأوروبيين ببروكسل، مشيرا الى ضرورة التفاف الفرنسيين، ووحدتهم حول هدف واحد وهو الديمقراطية، ومصلحة فرنسا. أما مانويل فالس الذى يواجه اول ازمة له كرئيس للحكومة، فشبه فوز حزب لوبن بالزلزال السياسى الموجه للطبقة السياسية برمتها، وحث الجميع على المواجهة وتحمل المسئولية..ذلك بعد ان اعترف باأن نتائج الانتخابات تجاوزت مستوى الإنذار، وان بلاده وأوروبا تعيشان لحظة غاية فى الصعوبة، وان ماحدث من تقدم اليمين المتطرف وارتفاع نسبة المقاطعة عبر عن قلق وتعب الفرنسيين من تلك السياسات المتبعة فى أوروبا وفرنسا منذ عامين، وانها كشفت عن أزمة ثقة كبيرة. وبالرغم مما ظهر على ملامحه من غضب شديد حاول فالس التخفيف عن الفرنسيين والتوضيح ان رسالتهم وصلت.. ليبعث فالس بدوره برسالة للاتحاد الاوروبى بأن الفرنسيين يريدون العيش فى أوروبا قوية تكون أكثر تضامنا مع شعوبها وأكثر عدالة بينهما، داعيا إلى مواصلة الإصلاحات التى كشف عنها فى خطاباته أمام الجمعية الوطنية (البرلمان) والإسراع فى تنفيذها. اما زعيمة اليمين المتطرفة،مارين لوبن، المعروف عن سياستها،ووالدها جون مارى لوبن،كراهية الاجانب المهاجرين العرب والافارقة والمسلمين بالاخص فقد تحققت نبوءتها بأن يصبح حزبها الأول فى فرنسا، وعبرت عن فرحتها الغامرة خلال مؤتمر صحفى كرسته فور إعلان فوز حزبها.. وجهت فيه رسالة شكر لكل الفرنسيين الذين صوتوا لمصلحة حزبها. منوهة الى انهم بالتصويت قالوا.. إنهم يريدون إدارة شئون بلادهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم، رافضين القرارات التى تملى عليهم من الخارج. ولم تغفل ان تدعو الرئيس اولاند ولو بشكل غير مباشر الى حل الجمعية الوطنية (البرلمان) لتغيير تركيبته ليتناسب مع القوى السياسية التى فرضت نفسها على ارض الواقع.كما دعت لوبن فى كلمتها الى النضال من أجل فرنسا كبيرة وقوية مغازلة الاحزاب الاخرى من الاشتراكيين، واليمين الجمهورى الى وجوب الاتحاد داخليا،وان يكون اعلاء مصلحة فرنسا قاسما مشتركا بينهم وألا يكون بناء الاتحاد الأوروبى ضدهم وضد شعوبهم. ومن جهة رئيس حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» جان فرانسوا كوبيه فقد انتقد تصريحات رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس مشيرا الى أنها لم تتناسب مع نتيجة الانتخابية، وغضب الفرنسيين،موضحا أن نتائج الانتخابات الأوروبية،والنسبة القليلة من الأصوات التى حصل عليها الحزب الاشتراكي الحاكم تعبر عن سوء ادارة الاغلبية الحاكمة للبلاد. وربما تجدر الاشارة الى ان الحزب(UMP) الذى كان يحكم سالفا برئاسة ساركوزي، ويلعب اليوم الدور نفسه الذى كان يقوم به نظيره الاشتراكى عندما كان معارضا.. يعانى رئيسه جان فرانسوا كوبيه من فضيحة تضارب مصالح واختلاسات بعد انفجار فضيحة «بيجماليون» وهى الخاصة بتزوير فى حسابات التمويل للحملة الانتخابية للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، بفواتير مقدرة ب 10 ملايين يورو،هذه الفضيحة قد تطيح بالحزب برمته. وفى غضون ذلك،يطمح البعض من الفرنسيين ان ماحدث بتبوؤ اليمين الفرنسى ل 24 مقعدا تقريبا تحت قبة البرلمان الأوروبى قد يقنن عملية الهجرة غير الشرعية، وربما يعيد الحدود الى عهدها السابق،طمعا فى تشديد اجراءات الامن من ناحية،وفتح ابواب العمل للفرنسيين من ناحية أخرى.