فى الوقت الذى تتدنى فيه شعبية الرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند إلى اقل مستوياتها، خرجت آخر نتائج استطلاعات الرأى لتشير الى انه لم يحصل سوى على 0٫5% فقط من الأصوات ليصبح اقل رؤساء الجمهورية الخامسة شعبية،مقارنة بالرئيس -الأسبق- شارل ديجول بحصوله على 36%، ثم الرئيس الاشتراكى فرانسوا ميتران،يليهما الرئيس ساركوزي. وفى محاولة للوقوف على أسباب هذا التهاوى المتتالى فى شعبيته،نلمح أن الأحوال الاقتصادية غير المستقرة من أهم التحديات التى يواجهها الرئيس الاشتراكي،خاصة ان هذا التدنى الاقتصادى فى تدهور يوما تلو الآخر،ليس فقط منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية التى أطاحت باقتصاديات كبريات الدول في( 2007-2008)، إنما يرجع بعض المتخصصين والسياسيين هذا التدهور الى انضمام فرنسا للعملة الموحدة اليورو. ولأجل هذا السبب تهاجم زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبن هذا الكيان الأوروبي، وتنعته بصفة مستمرة بالفشل، دون أن تغفل الإشارة الى ان تغيير العملة الوطنية من الفرنك لليورو يعد من أهم اسباب تدهور الحالة الاقتصادية لفرنسا، وان فتح حدود الدول الأوروبية فى اطار اتفاقية «شنجن» جلب على البلاد هجرة غير شرعية لن تقوى على تقنينها..وفى هذا الإطار قدمت لوبن للناخب الفرنسى وعدا بالعودة للعملة الوطنية. ويتوجه الفرنسيون والأوروبيون إلى صناديق الاقتراع-غدا 25مايو- لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبى وتؤكد الزعيمة المتطرفة «لوبن» على أنها ستفاجئ الفرنسيين بحصد اعلى نسبة أصوات، مؤكدة أن حزبها سيتصدر الأحزاب السياسية فى فرنسا من اليوم وصاعدا. ويأتى ذلك فى الوقت الذى يعانى فيه الحزب الاشتراكي-الحاكم انتقادات شديدة على كافة الأصعدة الاجتماعية والسياسية والشخصية. فضلا عن ان بيانات رسمية أظهرت تأخر فرنسا عن اللحاق بأهداف الميزانية،مما يؤدى إلى تعميق معضلة الرئيس الفرنسى الذى يتوجب عليه خفض الإنفاق،فهو مكبل بضعف النمو الاقتصادي،والفشل بالوفاء بوعود كبح ارتفاع معدلات البطالة،والعجز العام أو بمعنى آخر الفجوة بين الإنفاق والإيرادات،بينما يتفاقم الدين العام،مما دفع بعض السياسيين لاتهام اولاند بالتخاذل فى اتخاذ اللازم لتحرير فرنسا من أغلالها الاقتصادية. وقد حذرت المفوضية الأوروبية باريس-فى مارس الماضي-من مخاطر عدم الامتثال لهدف تخفيض عجز الميزانية فى عام 2015. ففى الآونة التى من المفترض ان يخوض الحزب الاشتراكى الحاكم والرئيس اولاند غمار الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبى ليعوض الخسارة التى مُنى بها فى الانتخابات البلدية المنصرمة،تلوح فى الأفق خسارة جديدة قد ينتهزها أحزاب المعارضة اليمينية “حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية”من ناحية و”حزب الجبهة الوطنية المتطرفة”من ناحية ثانية. وحسب توقعات استطلاع الرأى قد يحل الحزب الاشتراكى وراء الخضر..وهو ما يفتح الباب من جديد لتقوية حزب المعارضة”الاتحاد من اجل حركة شعبية”الطامح فى العودة للاليزيه..لذا نجده يملئ الساحة بوعوده البراقة تطلعا للفوز بغالبية مقاعد البرلمان،فهم يحثون الفرنسيين على المشاركة تحت شعار”من اجل فرنسا..صوتوا فى الانتخابات الأوروبية”، وعلى نفس الصعيد كشف جون فرانسوا كوبيه رئيس الحزب عن سلسلة من الإجراءات التى سيتخذها فى حال فوزه بغالبية المقاعد(ال 74)فى انتخابات البرلمان الأوروبى المرتقبة، أهمها وقف عملية انضمام دول أوروبية أخرى إلى الاتحاد..وهو المطلب الذى أصبح عزيزا على قلب شعوب دول الاتحاد الكبرى فى مقدمتهم جل الفرنسيين خاصة بعد تدنى أحوالهم المعيشية،وتردى أحوالهم الأمنية بانضمام دول مثل،رومانيا وبلغاريا والمجر،وما لتداعيات ذلك على ازدياد معدلات البطالة..كما وعد”الاتحاد من اجل حركة شعبية”بإصلاح معاهدة”شنجن”التى تفتح باب الهجرة غير الشرعية على مصراعيه، منوها بتعديلها من خلال فرض قوانين جديدة وقاسية على المهاجرين الذين يريدون جلب عائلاتهم إلى أوروبا.فضلا عن وعود بالعمل على توحيد السياسة المالية والاجتماعية فى جميع دول الاتحاد، محاولين إقناع الفرنسيين بان ذلك سيدفع إلى تقوية العجلة الاقتصادية بأوروبا، ويجعل من الاتحاد قوة يقدرها العالم ويعمل لها ألف حساب. والواقع ان المراقبين لا يستبعدون ان تفاجأ الساحة بفوز جبهة اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن كما سبق وحدث فى الانتخابات البلدية السالفة بانتزاعها عشر مدن تقريبا من الحزب الاشتراكى الحاكم،وهو ما يقوى من حدة التنافس بينها وبين حزب “الاتحاد من اجل حركة شعبية”. وعن الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي،المتوقع لها نسبة مقاطعة قد تفوق 58%. فهى تنظم كل خمس سنوات،منذ 1979،وتهدف إلى اختيار (751) نائبا يمثلون الشعوب الأوروبية فى البرلمان الذى يقع مقره الرئيسى فى بروكسل عاصمة بلجيكا،اما المقر الفرعى فيقع فى شمال شرق فرنسا بمدينة استرابورج. اما عن الدور المنوط به البرلمان الاوروبى فمن خلاله يمارس النواب الأوروبيون ثلاث سلطات،السلطة التشريعية وهى المشاركة فى سن القوانين المتعلقة بحياة السكان الأوربيين،ثانيا سلطة تحديد الميزانية العامة فالبرلمان الأوروبى يحدد الميزانية السنوية العامة للاتحاد،ثالثا سلطة المراقبة لجميع الخطوات المتبعة من أجل تعيين رئيس المفوضية الأوروبية،وهو يملك صلاحية حظر أو وقف أعمال هذه المفوضية.كما يرتبط عدد النواب الذى يرسله كل بلد من الاتحاد الأوروبى إلى البرلمان الأوروبى بكثافته السكانية-فمثلا- ألمانيا بها حوالى 80 مليون نسمة أى تفوز بالنسبة الأكبر فى الاتحاد، وبناء عليه سيكون لها 96 نائبا فى البرلمان،فيما تأتى فرنسا فى المرتبة الثانية ب 74 نائبا،تليها إيطاليا،وبريطانيا ليكون لكل واحدة منهما 73 نائبا،أما الدول الصغيرة الحجم، مثل قبرص ولوكسمبورج واستونيا ومالطا فلن يتجاوز عدد ممثليها 6 نواب. والجدير بالذكر انه لو تحققت التكهنات بنكسة الاشتراكيين مجددا فى هذه الاستحقاقات الأوروبية المرتقبة فإن ذلك سيؤدى إلى مزيد من التدهور فى شعبية الرئيس الفرنسى فرنسوا اولاند وهو ما ستكشفه الساعات القليلة المقبلة.