رسوم الزنزانة

الفن ‬التشكيلي ‬دائما ‬سلاح ‬من ‬أسلحة ‬الثورة ‬والنضال ‬السياسي ‬كالحجارة ‬والمقاومة .. ‬‮ ‬هكذا ‬أعتبره ‬رواد ‬الفن ‬التشكيلي ‬مثل ‬حسن ‬فؤاد ‬وعبد ‬الهادى ‬الجزار ‬وانجى ‬افلاطون .
.‬وغيرهم ‬كثيرون ‬فجعلوه ‬رسالة ‬يصاحبها ‬تاريخ ‬من ‬النضال ‬السياسى ‬ضد ‬الأنظمة ‬الفاسدة ‬التى ‬ألقت ‬بهم ‬فى ‬السجون، ‬حيث ‬خرجت ‬أفضل ‬أعمالهم ‬لتظل ‬شاهده ‬على ‬ديكتاتورية ‬نظم ‬ونضال ‬فنانين.. ‬نستعرض ‬في ‬هذا ‬الموضوع ‬بعض ‬هذه ‬النماذج ‬التي ‬دخلت ‬التاريخ ‬وربطت ‬بين ‬الفن ‬والنضال ‬السياسي ..‬
أولهم ‬الفنان ‬رمسيس ‬يونان ‬أحد ‬مؤسسى ‬جماعة ‬الفن ‬والحرية، ‬ورئيس ‬تحرير ‬مجلة ‬‮»‬المجلة ‬الجديدة‮«‬ ‬التى ‬ساهمت ‬فى ‬الانتفاضة ‬الشعبية ‬عام ‬1946 ‬ضد ‬حكومة ‬إسماعيل ‬صدقى ‬باشا ‬المستبدة ‬واعتقل ‬على ‬أثرها ‬بتهمة ‬قلب ‬نظام ‬الحكم ‬وأفرج ‬عنه ‬بعد ‬عدة ‬أسابيع‬ ،وعانى ‬ابتعاد ‬الجميع ‬من ‬حوله ‬خوفا ‬من ‬نفس ‬المصير ‬مما ‬دفعه ‬إلى ‬للسفر ‬إلى ‬فرنسا. ‬
‮ ‬عبد ‬الهادى ‬الجزار ‬كان ‬فنه ‬رسالة ‬تؤرق ‬النظام ‬السياسى ‬الفاسد، ‬و ‬لوحاته ‬عبرت ‬عن ‬هموم ‬الطبقات ‬المهمشة، ‬ومن ‬أشهرها ‬‮»‬الكورس ‬الشعبى ‬‮»‬ ‬التى ‬اعتقل ‬بسببها ‬وكانت ‬المرة ‬الأولى ‬فى ‬تاريخ ‬مصر ‬يعتقل ‬فنان ‬بسبب ‬لوحة ‬مرسومة، ‬عرضت ‬اللوحة ‬عام ‬1948 ‬فى ‬معرض ‬لجماعة ‬الفن ‬المعاصر ‬التى ‬أسسها ‬حسين ‬يوسف ‬امين ‬مع ‬مجموعة ‬من ‬الفنانين ‬من ‬ضمنهم ‬الجزار ‬الذى ‬قبض ‬عليه ‬وصودرت ‬اللوحة، ‬واقفل ‬المعرض، ‬وقد ‬أعاد ‬الجزار ‬رسم ‬اللوحة ‬عام ‬1951 ‬بعد ‬اختفاء ‬اللوحة ‬الأصلية ‬لتوضع ‬فى ‬متحف ‬الفن ‬المصرى ‬الحديث ‬بعد ‬ثورة ‬يوليو ‬1952 ‬وحتى ‬الآن.‬‮ ‬
‮ ‬ ‬أنجى ‬أفلاطون ‬فنانة ‬ارستقراطية ‬ولكنها ‬نادت ‬بالعدالة ‬الاجتماعية ‬اعتقلها ‬البوليس ‬السياسى ‬عام ‬1959، ‬وخرجت ‬من ‬السجن ‬عام ‬1963 ‬لتعود ‬من ‬جديد ‬للدفاع ‬عن ‬المقهورين ‬وتنادى ‬بحق ‬الشعب ‬فى ‬الحياة ‬الكريمة ‬فتتعرض ‬للمطاردة ‬والاعتقال ‬وتستبعد ‬من ‬قوائم ‬التكريم، ‬تقول ‬انجى ‬فى ‬مذكراتها ‬‮»‬ ‬هكذا ‬الإنسان ‬يستطيع ‬أن ‬يتأقلم ‬ويتكيف ‬مع ‬أي ‬ظروف ‬صعبة ‬تحيط ‬به ‬طالما ‬هو ‬قوي ‬وطالما ‬هو ‬إنسان‮«‬، ‬وفى ‬داخل ‬سجن ‬القناطر ‬رسمت ‬السجينات ‬ضحايا ‬القهر ‬والظلم ‬الاجتماعى، ‬من ‬أشهر ‬لوحاتها ‬،‮«‬ ‬من ‬نافذة ‬السجن، ‬الباكيات، ‬وراء ‬القضبان، ‬يعملن ‬كالرجال، ‬لن ‬ننسى»‬.
الفنان ‬حسن ‬فؤاد ‬اعتقل ‬سياسيا ‬عام ‬1959 ‬وظل ‬فى ‬سجن ‬المحاريق ‬بالواحات ‬الخارجة ‬حتى ‬عام ‬1964 ‬وهناك ‬عرف ‬المعنى ‬الحقيقى ‬للحرية ‬وكانت ‬لوحاته ‬التى ‬أبدعها ‬هناك ‬تعبر ‬عن ‬صور ‬القهر ‬والظلم ‬في ‬السجن ‬الذي ‬لم ‬يستطع ‬أن ‬يقهر ‬مابداخله ‬من ‬مبادئ ‬وقيم.‬
عبدالوهاب ‬الجريتلي ‬ظل ‬في ‬السجن ‬لسنوات ‬طويلة ‬وبعد ‬خروجه ‬قام ‬برحلة ‬نيلية ‬ولكنه ‬غرق ‬وتبدد ‬كل ‬تراثه ‬الفني ‬بطريقة ‬غامضة ‬الفنان :‬محسن ‬شعلان ‬لم ‬يتحمل ‬الظلم ‬بعد ‬اتهامه ‬بالاهمال ‬الاداري ‬وسجنه ‬لمده ‬عام ‬بعد ‬سرقة ‬لوحة ‬زهرة ‬الخشخاش ‬فمات ‬كمدا ‬وحزنا ‬ولكنه ‬ترك ‬رصيدا ‬كبيرا ‬من ‬الاعمال ‬آخرها ‬التي ‬سجل ‬فيها ‬تجربته ‬فى اثناء ‬السجن ‬وعرضها ‬بعد ‬خروجه ‬العام ‬الماضي ‬في ‬معرض ‬‮«‬القط ‬الاسود ‬تجربه ‬فنان‮»‬
ويسترجع ‬الفنان ‬عز ‬الدين ‬نجيب ‬ذاكرته ‬وهو ‬احد ‬الفنانين ‬الذين ‬اعتقلوا ‬عدة ‬مرات ‬فيقول: ‬البداية ‬كانت ‬عندما ‬كنت ‬مديرا ‬لقصر ‬ثقافة ‬كفر ‬الشيخ من ‬عام ‮ ‬ ‬1966‬وحتى ‬1968وقمت ‬بعمل ‬ندوات ‬توعية ‬للفلاحين ‬حتى ‬يتمكنوا ‬منا ‬لتعبير ‬عن ‬أنفسهم، ‬بعدها ‬استدعانى ‬وزير ‬الداخلية ‬شعراوى ‬جمعة ‬وهددنى ‬بالسجن ‬وكان ‬ذلك ‬فى ‬عهد ‬الرئيس ‬عبد ‬الناصر، ‬بعدها ‬فى ‬عهد ‬السادات ‬قبض ‬على ‬مرتين ‬فى ‬عامى ‬1972 ‬و1975 ‬ضمن ‬مجموعة ‬الأدباء ‬والفنانين ‬التابعة ‬لجمعية ‬كتاب ‬الغد ‬حيث ‬اعتبرتها ‬وزارة ‬الداخلية ‬حزبا ‬يساريا ‬يعمل ‬تحت ‬مسمى ‬الأدب ‬والفن، ‬المرة ‬الأولى ‬كانت ‬لمدة ‬شهرين ‬أضربت ‬خلالها ‬عن ‬الطعام ‬طلبا ‬لإعادة ‬المحاكمة، ‬والثانية ‬كانت ‬لمدة ‬ستة ‬أشهر ‬قمت ‬خلالها ‬بعمل ‬مجموعة ‬كبيرة ‬من ‬الرسوم ‬والبورتريهات ‬لزملائى ‬المساجين ‬فى ‬عنبر ‬التأديب ‬بليمان ‬طرة، ‬وقد ‬أفرج ‬عنى ‬مباشرة ‬من ‬سراى ‬المحكمة ‬ودون ‬الرجوع ‬لوزارة ‬الداخلية، ‬ويضيف ‬عزالدين ‬اعتقلت ‬للمرة ‬الثالثة ‬فى ‬عهد ‬الرئيس ‬الأسبق ‬حسنى ‬مبارك ‬فى ‬عام1997 ‬بالرغم ‬من ‬تفرغى ‬وقتها ‬للفن ‬وكان ‬ذلك ‬أثناء ‬انتفاضة ‬الفلاحين ‬ضد ‬قانون ‬الإيجارات ‬الزراعية، ‬وأفرج ‬عنى ‬بعد ‬22 ‬يوما ‬وخلال ‬مدة ‬السجن ‬رسمت ‬عدة ‬رسوم ‬وكتبت ‬عدد ‬من ‬الأعمال ‬الأدبية ‬ورغم ‬سجنى ‬كان ‬يوجد ‬قدر ‬من ‬حرية ‬التعبير ‬فقد ‬نشرت ‬مجموعة ‬من ‬المقالات ‬المعارضة ‬وأصدرت ‬كتاب ‬مواسم ‬السجن ‬والأزهار ‬ويرمز ‬اسم ‬الكتاب ‬إلى ‬موسم ‬شهر ‬يناير ‬ميعاد ‬اعتقالى ‬فى ‬الثلاث ‬مرات، ‬والأزهار ‬ترمز ‬الى ‬حديقة ‬فناء ‬السجن ‬التى ‬زرعناها ‬بالريحان ‬فاستطعنا ‬تحرير ‬أنفسنا ‬بتحدى ‬السجان، ‬، ‬ومؤخراً ‬أصدرت ‬كتاب ‬عن ‬تجارب ‬الفنان ‬فى ‬السجن ‬بعنوان «‬رسوم ‬الزنزانة‮»‬، ‬فقد ‬اثبت ‬المبدعون ‬ان ‬قواعد ‬الحرية ‬الحقيقية ‬يضعها ‬المبدع ‬وليس ‬الحاكم. ‬فكثير ‬من ‬الفنانين ‬اعتقلوا ‬خاصة ‬فى ‬عهد ‬جمال ‬عبد ‬الناصر ‬مثل ‬وليم ‬إسحاق ‬وداود ‬عزيز ‬وغايس ‬سمعان ‬الذى ‬اعتقل ‬بتهمة ‬الشيوعية ‬والفنان ‬صبحى ‬الشارونى ‬الذى ‬ظل ‬لمدة ‬طويلة ‬فى ‬سجن ‬الواحات، ‬فهذه ‬التجارب ‬تعطى ‬الفنان ‬مزيد ا‬من ‬الصلابة ‬والقدرة ‬على ‬المقاومة.‬............
.................
.............
.........
.....
.