تشمل أدبيات الأممالمتحدة وغيرها من منظمات عالمية واقليمية العديد من الوثائق والعهود والاعلانات التى تضع قواعد عامة والتزامات أدبية وقانونية بشأن احترام وحماية الحريات السياسية والاقتصادية وحقوق الانسان إلا أن الخبرة الاوروبية والامريكية أخذت تضيف الى هذه المبادئ والقواعد العامة عدداً من الآليات والمعايير التفصيلية الدقيقة والقابلة للتحقق والقياس. ومن أهم تلك الاضافات ما توصل اليه كل من «الاتحاد الأوربى» «ومنظمة الأمن والتعاون فى أوروبا» من شروط وترتيبات لضمان صحة ونزاهة العمليات الانتخابية التى تجرى فى فرادى الدول الأعضاء، وآليات التحقق من الالتزام بها عن طريق الرقابة الخارجية بأشكالها ومستوياتها المختلفة . وقد ظلت مصر وعدد آخر من الدول النامية تتحفظ لفترة طويلة على إمكان الأخذ بهذه الشروط والآليات أو نقلها حرفياً الى تجاربها الوطنية باعتبار أن هذه الأدبيات تعكس ظروفاً وأوضاعاً مغايرة للظروف والاحتياجات الوطنية فى أغلب الدول النامية، وقد تحمل بذاتها نوعاً من التدخل فى الشأن الداخلى. ولكن مع التطور التدريجى لوسائل الاتصال وتنامى ظواهر العولمة والاعتماد المتبادل بين الدول والاقاليم ، وثبوت الأثر الايجابى لمثل هذه الآليات الرقابية فى دعم التحول الديمقراطى والاستقرار السياسى فى الكثير من البلدان راحت الدول النامية – وخاصة فى أفريقيا وأمريكا الجنوبية تتقبل تلك الآليات الجديدة وتتخلى تدريجياً عن وصمها بأنها انتهاك للسيادة الوطنية أو أنها أداة للتدخل غير المباشر فى الشأن الداخلى . تأتى هذه المقدمة تمهيداً للحديث عن الخطوة المهمة التى أقدمت عليها مصر مؤخراً بتوقيع اتفاق مع مفوضية الاتحاد الأوروبى ينظم مشاركة المفوضية وعدد من الدول الاوروبية الأعضاء فى الرقابة على الانتخابات المصرية المقبلة. ورغم أن مصر قد سبق لها السماح لعدة هيئات ومنظمات أجنبية وعربية وافريقية بمتابعة بعض الاستحقاقات الانتخابية التى جرت فى بلادنا خلال السنوات السابقة فإن أغلب هذه المشاركات كان يتم فى اطارات محدودة يغلب عليها الطابع الاحتفالى أو الشكلى وبعضها كان يجرى بطريقة ارتجالية وغير مقننة. أما الاتفاق الاخير مع المفوضية الاوروبية فيبدو أنه يمثل تطوراً نوعياً جديداً فى السياسة المصرية حيث إنه يقوم على اسس تعاقدية وضمانات وتسهيلات محددة تلتزم بها الادارة المصرية قبل وفى أثناء العملية الانتخابية وحتى فرز الاصوات واعلان النتائج . ومن المفترض أن تكون هناك أيضاً التزامات أخرى على الجانب الأجنبى . وتشير سوابق المشاركة الاوروبية فى الانتخابات التى جرت بعدة بلدان أخرى الى عدد من الجوانب والمعايير التى يحرص الاوروبيون على تغطيتها والتحقق من سلامة اجراءاتها، ومنها على سبيل المثال نظم قيد الناخبين وتحديث السجلات، واجراءات وشروط الترشح، والقواعد المنظمة للدعاية الانتخابية وتمويل الحملات، وطريقة تعامل الاجهزة الادارية مع جميع مراحل العملية الانتخابية، وطريقة تشكيل وعمل الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات ، فضلاً عن معايير تقسيم اللجان الانتخابية وتوزيعها الجغرافى وسهولة وصول الناخبين اليها، وتأمينها من الداخل والخارج، وشكل بطاقات وصناديق الاقتراع، ومدى الانضباط فى مواعيد بدء التصويت وانتهائه، واجراءات فرز الأصوات وتجميع النتائج على مستويات القرى والمدن والمحافظات، وترتيبات وحقوق الاعلاميين، الى جانب اجراءات التعامل مع الاعتراضات أو الشكاوى التى يمكن أن تثار . وبعد .......... فلاشك أن نجاح التجربة المصرية مع الاتحاد الأوروبى فى الانتخابات الرئاسية يمكن أن يؤدى الى تكرارها فى الانتخابات البرلمانية اللاحقة. ومن المهم فى كل الاحوال تنويع جهات المتابعة الخارجية باضافة هيئات عربية وافريقية واسلامية الى جانب المنظمات الحقوقية المصرية . والرجاء من قبل ومن بعد أن يصب هذا الجهد فى اثراء الديمقراطية المصرية، وأن يكشف بحق عن سياسة مصر الجديدة الواثقة من نفسها والتى لا تتخفى وراء ادعاءات السيادة المنقوصة والعويل من التدخل الاجنبى . مساعد وزير الخارجية للشئون العربية (سابقاً )