تنمية ذكاء الابناء ومهاراتهم العقلية ، هو الشغل الشاغل لأي أب أو أم ، فما من وسيلة تحقق لهم هذا الغرض الا ولجأوا إليها ، بدءا من قراءة القصص ، مرورا بالألعاب التي تعتمد على التفكير، و انتهاء بالأنشطة التي تعتمد على الخيال والإبداع كالرسم والتلوين، أو تعلم العزف على آلة موسيقية، وتلك الأخيرة لها مفعول السحر، خاصة اذا كان الأهل حريصين على أن يتقن أبناؤهم لغات أجنبية.. هذا ما أكدته الباحثة الفنلندية "ليزا هنريكسون ماكوليه" في مقال نشرته صحيفة الجارديان البريطانية مؤخرا، معتمدة في ذلك على عدد من الدراسات والأوراق البحثية المنشورة في عدد من المجلات العلمية، والتي أثبتت أن تعلم الموسيقى هو الطريق الذي ثبت بالفعل أنه يزيد من قدرات الطفل العقلية واللغوية والوجدانية, فوفقا لما توصلت اليه إحدى تلك الدراسات ،فإن ساعة واحدة أسبوعيا يقضيها الطفل في تعلم الموسيقى، كافية لتحفيز عقله ليعمل بكامل طاقته، وبالتالي زيادة قدرته على التعلم بما في ذلك تتعلم اللغات. ليزا صاحبة كتاب"معجزة الموسيقي: السر العلمي لإخراج المواهب الكاملة لطفلك"، تقول في مقالها": في بلدي فنلندا، يتحدث أي شخص عادي ما بين ثلاث الى خمس لغات بالإضافة الى اللغة الأم التي لايتحدث بها أحد غيرنا، ولعل السبب في إتقاننا للغات، هو العادة " الفنلندية" بالحرص على تعليم الأطفال الموسيقى مبكرا من خلال الأغاني والألعاب، فالأطفال لدينا عادة ما يتعلمون الموسيقى في سن صغيرة قبل بلوغهم السابعة، ويبدأون في تعلم اللغة عند التاسعة، و لعل أي زائر لفنلندا يتحدث الإنجليزية، سيلاحظ أن اي فنلندي يمكنه تحدث الإنجليزية بطلاقة دون ادني مشكلة". تتابع ليزا ":عندما يبدأ الأطفال في دراسة الموسيقى قبل سن السابعة، فإن ذلك يساعدهم على تطوير حصيلتهم اللغوية من الكلمات، ويكون لديهم إحساس أكبر بقواعد النحو، وهذا ما يفيدهم في إتقان لغتهم الأم ، فضلا عن اللغات الأجنبية؛ ففي هذه المرحلة العمرية المهمة، يكون العقل في مرحلة بالغة الحساسية من التطور والنمو، ويكون تعلم الموسيقى حينها محفزا لقدرة المخ على التعرف على الفروق الدقيقة بين الاصوات، وبالتالي القدرة على النطق الصحيح للكلمات، وتستمر هذه المهارة مع الإنسان حتى الكبر، حيث وجد الباحثون أن البالغين الذين تلقوا تدريبات موسيقية في طفولتهم المبكرة ،تستمر لديهم القدرة على تعلم اللغات بشكل أسرع وأكفأ من أقرانهم الذين لم يتلقوا تلك التدريبات . وتدلل ليزا على فكرتها بأن الإنسان بدأ تأليف الموسيقى منذ 500 الف عام مضت، في حين انه استخدم اللغة والكلام منذ 200 الف عام فقط، وهذا التطور،كما يفسره " روبين دانبار"، أحد أبرز الباحثين في جامعة أوكسفورد، يعني أن الكلام كشكل من أشكال التواصل ، نشأ مع تطور استخدامنا للموسيقى. وتتذكر كاتبة المقال المغني وكاتب الأغاني الأمريكي" كين سترينج فيلو"، الذي تزوج منذ عشر سنوات من سيدة فرنسية ، وكان في الثلاثينيات من عمره، وكيف كانت مذهولة أمام اتقانه للغة الفرنسية وإجادته لها دون أن يكون دارسا لها من قبل، مقارنة بها وهي التي أمضت 12 عاما في دراستها بالمدرسة، والتفسير البسيط لذلك كما تقول هوأنه كموسيقي تربى على الموسيقي منذ نعومة أظفاره، فزادت قدراته العقلية على استيعاب كل ما يتعلق ببناء الجمل والدلالات اللفظية ونطق الكلمات ، وبالتالي تمكن من تعلم لغة جديدة في مرحلة عمرية متقدمة. لكل ذلك تنصح ليزا الآباء بأن يحرصوا أولا على تعليم أبنائهم" اللغة الأم" - وهي الموسيقى - من قبل أن يحرصوا على تعليمهم اللغات الأجنبية !