بداية ألقي التحية على كل قرائي الأعزاء، وأود الإشارة إلى أنني وبناء على طلب أحد القراء الأعزاء (محمد خضر) من الولاياتالمتحدة أكتب في هذه الموضوع، خاصة وقد طلب مني الحديث في هذا الموضوع أكثر من مرة. تصريح اللواء بهاء الدين حسن مساعد وزير الداخلية لمباحث رعاية الأحداث منذ عدة أيام في جريدتنا الموقرة قد أفزعني حين قال: إن ظاهرة أطفال الشوارع التي زادت في الفترة الأخيرة وبعد ثورة يناير والتيتصل إلى مليوني طفل بالشوارع يمثلون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في حوادث الجنح والجنايات التي زادت في 2013 لتصل إلى أكثر من 18 ألف جنحة وجناية ارتكبها أطفال الشوارع . في الحقيقة إننا لم نلتفت إلى هذه الظاهرة سوى مرتين، الأولى عند القبض على (التوربيني) عام 2006 بعد قيامه وآخرين باغتصاب وقتل ما يزيد على 32 طفلا والثانية بعد حريق (المجمع العلمي). تشير إحصائيات منظمة اليونيسيف إلى ارتفاع عدد أطفال الشوارع في مصر لما يقرب من مليوني طفل! نسبة منهم تقترب من 60 % يتسمون بالعدوانية، وعدم الانتماء للمجتمع مما يجعلهم شوكة تنخر في نسيج الوطن.. هناك عوامل عدة أدت إلى تفشي الظاهرة خلال العشر السنوات الأخيرة، مثل الأمية والفقر والبطالة وانتشار الجهل وعمالة الأطفال في سن مبكرة، مما يؤدي إلى انفصالهم تماما عن المجتمع، وعدم شعورهم بالانتماء، وهذا خطير جدا، مما يسهل استغلالهم من قبل جهات معينة بشتى الطرق السلبية، كان آخرها الاستغلال السياسي في المظاهرات واستخدامهم كوقود ودروع بشرية في مظاهرات (الإخوان) مقابل بضعة جنيهات هم في أشد الحاجة إليها. ويعاني أطفال الشوارع في مصر من تفشي الأمراض فيما بينهم والتي تظهر متجلية في وجوههم الشاحبة وأجسادهم النحيلة، حيث تشير إحصائيات المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة إلى إصابة 25 % منهم بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الأخرى التي يستعصي علاجها في بعض الأحيان خاصة عندما ترفض الكثير من المستشفيات استقبالهم لعدم وجود ضامن أو بطاقة هوية. وللتخلص من هذه القنبلة لابد من إيجاد حلول حقيقية وليس فقط ندوات وأحاديث، لتحديد أسبابها ولوضع رؤية جديدة واقعية، ومن غير المعقول إلقاء عبء مواجهتهم ورعايتهم على وزارة الداخلية فقط، فلابد أن يكون العلاج للمنفلتين والجانحين منهم ليس فقط من خلال مؤسسة عقابية ولكن من خلال مؤسسة إنتاجية توعوية يتم فيها تأهيل هؤلاء الأطفال دينيا وثقافيا ورياضيا وتعليمهم حرفا ومهنا إنتاجية تمثل إضافة في المجتمع حتى يسهموا في تقدمه. و مبادرة الجيش المصري مؤخرا، بقيادة وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي بحصر جميع أطفال الشوارع تمهيدا لإلحاقهم بالمعاهد الفنية للقوات المسلحة، ستشكل خطوة أساسية في القضاء على هذه الظاهرة.. كما تعد المبادرة حلا طيبا للقضية برمتها عن طريق تعليم الأطفال مهنة أو حرفة ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين ويشعرون بالانتماء للمجتمع من جديد. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ يجب على الدولة أن تضع خطة قومية تشارك فيها كافة أجهزة الدولة بما فيها المجلس القومي للطفولة والأمومة المنشأ عام 1989 ، لفتح مدارس داخلية تضم هؤلاء الأطفال وتوفر لهم التعليم الجيد بجانب الاحتياجات الأساسية وأيضا تعليمهم مهنة يعيشون منها فيما بعد.