الأصل في المرآة أنها تعكس بالحرف الواحد ما يتم حدوثه في مكان ما دون رتوش أو تحريف.. لكن في أمور السياسة قد تعكس المرآة ما لم يحدث في أرض الواقع, كما قد تكون محدبة أو مقعرة.. حسبما يرغب أو يريد المصور ذاته.. والخارج هنا هو القوي الكبري التي تري في مصر ما ليس فيها.. وتغمض عينيها عن الاستفتاء الذي أبهر شعوب العالم لأنه غير مسبوق, فضلا عن إقبال غالبية شعب مصر عليه فأعطي بذلك درسا في الديمقراطية لدول تعتبر نفسها معقلا للديمقراطية. أيا كان الأمر, لقد تعاملت القوي الغربية مع استفتاء مصر وكأنه شيء عادي, وحولت أنظارها عنا, ضد الاستفتاء وكأنه عبث أو تكريس للانقلاب حسب زعمها.. ومثلما نسيت أن هناك ثورة مجيدة في03 يونيو, تناست أن هناك استفتاء يؤرخ لصفحة ديمقراطية جديدة واستحقاقات رئاسة وبرلمانية وخريطة طريق للأجيال القادمة. وللانصاف, لابد أن نقول إن الشعب المصري يثق تماما في قدراته, فعدد سكانه لا يقل عن تسعين مليون نسمة وتاريخه ضارب في العمق( سبعة آلاف عام), ومن ثم فالتعامل معه علي أنه مجرد شعب ومصر مجرد دولة بين دول.. هو خطأ كبير.. والخطأ الفادح أننا ننتظر شهادة حسن سير وسلوك من هذه القوي التي لوثت خصالها الشخصية مرآتها فجعلتها تري ما ليس فينا.. الغريب والعجيب وبرغم شهادات النزاهة والحيادية, التي أعلنت عنها منظمة الشفافية العالمية بحق الاستغناء, فإن هذه القوي لم ترتدع.. فأمريكا مثلا قد زارنا منها أكثر من وفد برلماني اختار وفوده بعناية السيد أوباما نفسه.. وبرغم ذلك وبرغم ما قاله وفد الكونجرس الأخير, فإنه لم يصدر عن أمريكا, حتي الآن, ما يفيد أنها تؤيد ثورة03 يونيو, كما لم تعف عن الجزء العسكري في المعونة الأمريكية برغم أنها تعلم يقينا أن مصر في حاجة إليه لأنها تعيش حربا ضد الإرهاب! العجيب أن أوروبا قد تماهت سياستها الخارجية مع أمريكا, فمثلما منعت أمريكا المعونة الأمريكية, منعت أوروبا المعونات الأوروبية, وتحديدا بعض المواد العسكرية فكأنما تأتمر بأمر أمريكا ولا تتردد في أن تفعل مثلما تفعل! وللانصاف يجب أن نذكر أن السيدة آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي, قد زارت مصر أكثر من مرة بل وأصرت علي لقاء الرئيس المعزول, وصرحت بأنها تطالب بإطلاق سراحه.. وكلفت وزير خارجية إحدي الدول الأوروبية الصغيرة الذي عاد الي جحره كالفئران, بالطنطنة والمطالبة ليل نهار بإطلاق سراح المعزول. طبعا لم يتم الاستجابة إليها أو إليه, لأن هناك أحكاما قانونية يجب احترامها من قبل المعزول ورفاقه. أيا كان الأمر, لم تعلق السيدة آشتون علي الاستفتاء والثورة في مصر إلا أخيرا, لكننا نقول: لن نفرح لما قالته ومثلما لم نحزن لما قالت قبلا, فالقانون يجب أن يكون علي رءوس الأشهاد ولا فرق بين رئيس أو خفير. .. والثابت أن أوروبا قد اختلفت كثيرا عن الفترة الماضية, ففي زمن جاك شيراك في فرنسا, وشرودر في ألمانيا, كانت هناك رغبة في استقلالية القرار الأوروبي.. لكن في الزمن الحالي ومع فرنسوا أولاند رئيس فرنسا, وميركل عادت أوروبا الي بيت الطاعة الأمريكي راضية مرضية.. وبالتالي ما تفعله أمريكا تسير أوروبا معصوبة العينين وراءها. ومثلما لم نفرح أو نحزن لما قالته إيجابا وسلبا السيدة آشتون.. لا ينبغي أن نفرح أو نحزن لصمت أمريكا.. وفي هذا الإطار أذكر جيدا أن معظم دول الاتحاد الإفريقي, تحصل علي معونة من أمريكا.. ولأنه لم توجد معونة مجانية وانما للتأثير علي السياسات الخارجية للدول.. فإن هذه الدول بإيعاز من أمريكا أخذت موقفا معاديا لمصر بسبب ثورتها..! وبدلا من مباركة الثورة وتأييدها كما فعلت روسيا مثلا, جمدت الدول الإفريقية عضوية مصر.. وقد استبعدت أمريكا مصر من القمة الأمريكية الإفريقية بسبب هذا التجميد. وهذا أمر لا ينبغي أن نفرح له أو نحزن من أجله.. فمصر قامت بثورة مجيدة وهيأت كل الأجواء الديمقراطية لاستفتاء تحدث عنه العالم ايجابا.. وشرعت في تنفيذ خريطة المستقبل وبدأت صفحة جديدة من الديمقراطية التي لا تشوبها شائبة. باختصار القوي الكبري قد اعترفت أخيرا بنزاهة هذا الاستفتاء, لكن اعترافها أو عدم اعترافها لا ينبغي أن يفقدنا الثقة في أنفسنا وفي الخطوات السياسية التي نقوم بها.. ومما يخفف من صدمتنا في هذه القوي إياها أنها ليس من أجل سواد عيون الشعب المصري أخذت موقفها سلبا وايجابا, وانما من أجل مصلحتنا.. لذلك نقول: لا يهمنا الموقف.. لكن نحن مشغولون بأن نزرع حديقتنا ومراعاة مصلحتنا الوطنية. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي