ليس من شك في أن العلاقات المصرية الأمريكية لم تكن أبدا في صحة جيدة.. وإنما كان يضورها علي طول الخط اعتلالات كثيرة, ولاشك أن العلاقات بين مصر من ناحية وبين الولاياتالمتحدة من ناحية أخري تمر منذ ثورة03 يونيو بحالة من حالات الهبوط بسبب أن الأخيرة لم تتحمس منذ البداية لهذه الثورة التي قام بها الشعب وعزل النظام الاخواني وبدأ صفحة جديدة من الديمقراطية وأصبح فعلا( لا قولا) مصدر السلطات.. أقول الحق أن أوباما الرئيس الأمريكي قد حاول أن يكون صادقا في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ووصف النظام الاخواني بأنه لم يستطع أن يحكم البلاد.. لكن هذه اللهجة لم تتغير إلا بعد ضغوط من الشعب المصري الذي ضرب الحائط بأكبر دولة في العالم ورفع شعار: امنع معونة! وساءه كثيرا تلكؤ الولاياتالمتحدة في الاعتراف بثورته.. ناهيك عن أن الولاياتالمتحدة قد استوعبت درس أن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلي الوراء.. وأن الشعب المصري قد شرع في الامساك بزمام نفسه, وأن هناك استحقاقات برلمانية ورئاسية قادمة قاب قوسين أو أدني وأن خريطة المستقبل لا حياد عنها, ونحن في مصر نقترب منها يوما بعد يوم.. ومن ثم اضطرت الولاياتالمتحدة أن تنتهج سياسة واقعية تجعلها تقرأ الواقع المصري, كما هو.. لكن عز في نفس الولاياتالمتحدة أن تخرج مصر من تحت عباءتها, وكانت قديما بحسب وصف الكاتب السويسري جون زيجلر حارس المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط! والثابت أنها أوعزت إلي السيدة كاثرين آشتون المفوضة الأوروبية أن تمارس ضغطا دوليا علي مصر.. وأن تعيد رموز الاخوان إلي المشهد السياسي بعد أن عزلهم الشعب بسبب أن أيديهم ملطخة بدماء المصريين: وبسبب أنهم تآمروا علي هيبة الدولة المصرية. ولذلك جاءت السيدة آشتون إلي مصر للمرة الثالثة خلال ثلاثة أشهر.. ثم أنها جاءت بناء علي رغبتها.. أي أنها لم تدع من قبل الحكومة المصرية! ثم التقت بعدد من رموز القوي السياسية الأخري من قبيل ذر الرماد في العيون.. لكن السبب الحقيقي أنها جاءت للقاء رموز الاخوان, والحرية والعدالة.. وحزب النور لاعادة هؤلاء الرموز إلي المشهد السياسي المصري.. وكلنا يذكر أن آشتون حاولت التدخل في الشأن المصري الداخلي وأعلنت في بروكسل عاصمة أوروبا مثني وثلاث ورباع اطلاق سراح مرسي المعزول وبعض رموز الاخوان.. وتناست أن هؤلاء موجودون في السجون لأن أحكاما قضائية قد طالتهم وليس بسبب انتقامات سياسية! علي أية حال هذه الزيارة لم تكن بريئة.. ولابد أن تضع النقاط علي الحروف.. فأوروبا قد عادت إلي بيت الطاعة الأمريكي.. وطفقت تسير معصوبة العينين وراء أمريكا.. ومن هذا المنطلق أمرتها أمريكا أن تمارس أوروبا ضغوطا علي مصر.. وأن تذهب آشتون للحوار مع الاخوان.. صحيح أن ذكاء الوزير نبيل فهمي جعلها تتحدث في أمور ثنائية ومالية وتتطرق إلي الاستثمار, ولم يدع لها فرصة الحديث عن الشأن الداخلي المصري لأن الفيصل فيه للمصريين وليس للأجانب! الحق ان زيارة آشتون للقاهرة هي زيارة أمريكية ولكن في ثياب أوروبية. وليس خافيا أن آشتون أقصي طموحاتها أن يشرف الاتحاد الأوروبي علي الانتخابات.. وليس هناك مبرر لرفض ذلك.. فكل الأشياء في مصر بعد ثورة03 يونيو تمر من خلال الشفافية. لكن حضور آشتون دون بنود خاصة للمصالحة ودون مبادرات أوروبية.. ولكن فقط للاستماع كما قالت يدخل أوروبا في حيز انها المندوب السامي الأمريكي في غياب السفيرة الأمريكية سيئة السمعة في القاهرة. وقد فطن الشعب المصري لهذين الوجهين اللذين تحاول أن تظهر بهما السيدة آشتون.. وأدهشه أنها تريد أن تعيد الاخوان إلي المشهد السياسي, وقد علمت أن لجنة الدستور قد أقرت انه لايجوز اقامة أحزاب ذات مرجعية دينية! كما لم يغب عن بال أحد دعوتها في بداية الأحداث لنظام الاخوان بالتظاهر في ميدان التحرير.. وما محاولة أتباع مرسي العودة إلي ميدان التحرير قبل أيام سوي محاولة للتأكيد علي مبدأ كريه هو الاستقواء بآشتون.. ثم لم تخرج مظاهرات بعض الطلبة في الجامعات أثناء وجودها في مصر إلا للاعلان عن أنهم موجودون! باختصار: إن زيارة آشتون زيارة غير مرحب بها شعبيا, ثم انها زيارة لجس النبض المصري, ولكن لخدمة الولاياتالمتحدة.. لكنها مرفوضة شكلا وموضوعا! لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي