ساءني أن أسمع تصريحات لوزيرةالخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تؤكد فيها ان قضية المتهمين الأمريكان في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في مصر في طريقها إلي الحل، وذلك قبل يوم واحد من تنحي المحكمة التي تنظر في القضية، وقبل يوم واحد أيضاً من سماح النائب العام لأولئك المتهمين بالسفر خارج مصر دون إسقاط التهم عنهم، وكأن هيلاري كلينتون تقرأ الغيب أو تصنع المستقبل حتي في مصر بعد الثورة، وتصارح شعبها وتحترم مؤسساتها الديمقراطية. كنت أتمني أن يسمع الشعب المصري من مصدر محلي قبل كلينتون تفسيراً لما جري في القضية من القضاء أو النيابة العامة أو مجلس الشعب أو أحد جنرالات المجلس العسكري حتي لو أشار بإصبعه إلي الشعب المصري الصبور. هذا علي الساحة المصرية الأمريكية، أما علي الساحة العربية والاسلامية فلا يزال العجز واضحاً عن حل الأزمة السورية بكل تشابكاتها وتعقيداتها، ليتيح هذا العجز الواضح الذي قد يكون مقصوداً، أقول - ليتيح الفرصة ويهيئ الجو لكي تملأ أمريكا والغرب واسرائيل الفراغ القادم حتماً في سوريا للأسف الشديد، وطبعاً كما قلنا في شأن الأزمة الليبية إن الناتو ليس هيئة خيرية، فإن أمريكا والغرب وإسرائيل بكل تأكيد ليست من المحتسبين ولا تتدخل في القضايا المعقدة لصالح العرب ولا المسلمين ولا المعارضة السورية التي تتعدد جبهاتها كل يوم، كما رأيت من قبل في الحالة الأفغانية وياليتنا لا نستجير من الرمضاء بالنار ونطفئ نار الاجرام البعثي في سوريا بأنفسنا. أما علي الساحة المصرية فقد نشرت بعض الصحف والمواقع الالكترونية يوم الخميس 16 فبراير 2012 ترجمة عربية لبعض أقوال وتصريحات كاثرين أشتون رئيسة المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، ومن أخطر ما جاء في هذه الأقوال قول أشتون:"أنا حزينة علي مصر وشعبكم فقد تعرضتم في مصر لما يفوق الخيال في الاحتيال والسرقات وتجريف الثروات المادية والطبيعية والافتراضية لو صح التعبير، حتي إن الفايكنج وهم أشرس الغزاة الذين شهدهم التاريخ البشري في أوروبا ما كانوا سيتمكنون من سرقة مواردكم مثلما فعل بكم نظام مبارك، ثم قالت أشتون: إن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة وثروات مصر الطبيعية خلال ال 15 عاماً الماضية من نظام مبارك طبقاً لمعلومات الاتحاد الأوروبي وأرقامه المؤكدة يبلغ"5"تريليونات دولار أمريكي. ثم أضافت أشتون:لا يتعجب أحد حين يسمع أنه ديكتاتورفقد كنا نقول ذلك يومياً في وسائل اعلامنا في أوروبا ولم يكن لنا بديل، إما التعاون معه ونحن نعرف أنه سيخفي ثلثي ما نقدمه لمصروإما أن نحرم الشعب المصري مما يمكنه الاستفادة منه ولو القليل مما نقدم. ثلاثة اقتباسات خطيرة من كاثرين أشتون رئيس المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي ويسرنا كما يحزننا سواء بسواء، أن نقرأ هذه الاقتباسات الثلاث. وأقوال أشتون الخطيرة تأتي علي لسان مسئولة كبيرة، من بيئة ديمقراطية كانت تتعامل مع مبارك من باب المصلحة، رغم ديكتاتوريته المعروفة لهم وهي البراجماتية بعينها. وقالت أشتون إنها حزينة علي مصر، ولكننا نري في مصر من الفلول من هو حزين علي مبارك، مصدر أسباب الحزن خلال ثلاثين سنة، وأشارت أشتون إلي أن المصريين تعرضوا تحت حكم مبارك إلي: احتيال وسرقات وتجريف ثروات مادية وطبيعية بقدر يفوق الخيال، حتي إن الفايكنج الذين تعتبرهم أشتون بحكم حياتها، أشرس الغزاة في التاريخ البشري في أوروبا، ما كانوا سيتمكنون من سرقة موارد مصر مثل نظام مبارك. وهذه تهم واضحة ينبغي أن تضاف إلي المحكمة القائمة حالياً قبل إصدار الحكم في 2 يونيو القدم أو أن يتقدم بها من أعدوا الملفات للمحاكمة الثانية لمبارك وذلك قبل فوات الأوان أو تغير الزمان أو المكان. تطوعت أشتون لتعلن للبشرية كلها وخصوصاً من يقفون وراء مبارك وأرادوا تهريبه أو خروجه الآمن من مصر لينعم بالثروات المنهوبة التي كانت تكفي لبناء وتأثيث وتجهيز الاف المستشفيات المتخصصة ودور الأيتام والملاجئ والعجزة، وكانت تكفي لكي تضع مصر في مصاف الدول القوية المتقدمة المنتجة بدلاً من الدولة الضعيفة المتخلفة المستهلكة المستوردة المقترضة، والتي تطلب المساعدات أو تستجدي أمريكا وغيرها من الأراذل فتتعرض مصرللضغوط ومزيد من التخلف. لو أن هذه الأموال التي سرقها مبارك ونظامه أنفقت في مصر ما رأينا أحداً يأكل من الزبالة أو يحرق نفسه من الفقر أو اليأس أو يعيش في مناطق متخلفة مثل الدويقة والعشوائيات. ولو أن هذه الأموال التي سرقها مبارك ونظامه أنفقت في مصر ما رأينا جامعة واحدة تعاني من نقص في المكتبات ولا المعامل ولا الأساتذة ولا التجهيزات ولا الملاعب أو المدربين أو مساكن الطلبة والعاملين، ولرأينا جامعاتنا في مقدمة الجامعات العالمية. ولو أن هذه المبالغ المسروقة أنفقت في مصر ما اضطررنا إلي الخصخصة بتوجيهات أو أوامر من صندوق النقد وما أدراك ما الخصخصة وما أدراك ما صندوق النقد. كلما أسير في طرق مصر أسيراً للفقر والتخلف والحفر التي في الشوارع وأكوام القمامة المجتمعة والزبالة المبعثرة، وأري أولاد الشوارع والباعة الجائلين الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم سبع سنوات يتيهون في الشوارع دون مدارس أو تعليم حتي الالزامي منه، أشعر مدي الجرم الذي ارتكبه مبارك وعصابته في حق هذا الشعب المصري الطيب الهادئ الوديع الحضاري، الذي لم يكن ليثور لولا أن الخطر تجاوز كل شيء، والفساد أصبح مقنناً، والاجرام والتزوير صار سياسة، وأصبح كذب المسئولين مكشوفاً للأعمي واستهتار الرئيس المخلوع لم يعد محتملاً. لو أنفقت الأموال المنهوبة من مصر في مصر ما رأينا حفرة واحدة في أي طريق، ولرأينا الريف والنجوع والعزب والكفور كلها مضاءة وشوارعها مرصوفة، ولرأينا أهل الريف والبادية، فضلاً عن المدن يشربون الماء الصالح للشرب، ولتجنبنا مئات الآلاف بل ملايين الحالات من الاصابة بالفشل الكلوي وغيره من الأمراض التي صارت من الأمراض المستوطنة في مصر. يؤلمني أن تشهد أشتون كاثرين شهادة علنية في حق المخلوع، ويذهب بعض كبار المسئولين في مصر للإدلاء بشهادتهم سراً في المحكمة، ويؤلمني أن يجد مبارك المخلوع ذئباً يتقدم للدفاع عنه وهو يعلم أنه يدافع عن مجرم. لا تزال آثار عدوان مبارك ونظامه علي الشعب ظاهرة للعيان في السجون والمعتقلات والمدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والكباري والمطارات والأندية، يشعر بها الموظف والعامل والفلاح ولابد أنهم يشعرون بها في المؤسسة العسكرية ذاتها التي حرفها مبارك بعد اغتيال صاحب كامب ديفيد-المدنية-إلي بعض مسئوليات مدنية، فشاركوا أو نافسوا الشعب في أكله وشرابه وإنتاجه من السلع المدنية الاستهلاكية، ولم يشاركهم الشعب في مصادر القوة وموارد العزة وحماية الأمن الوطني والقومي والحدود. يؤلمني أن يتبرأ مبارك من مسئولياته ويمرض أو يتمارض في المحكمة،ولن تنفعه ولن تنفع أولاده ولا سيدة مصر الأولي تلك المسروقات الضخمة مع دعاء المظلومين وأهالي الشهداء والمصابين الذين يتسول بعضهم في الشوارع حتي اليوم. يؤلمني أيضاً أن يكون بيان الجنزوري أمام مجلس الشعب بياناً شكلياً تقليدياً لا يليق بما يسمي حكومة الإنقاذ، ويؤلمني أن يكون هناك من أصحاب المعاشات المحظوظين من يتقاضي بعد تصحيح الأوضاع 200 جنيه شهرياً، وغيره من كبار المفسدين والفاسدين راتبه الشهري يعد بالمليون، وهنا من لا يتقاضي ولا يجد 200 مليم شهرياً. قد يسأل سائل وما هو حجم هذه الأموال المنهوبة والمسروقة وما قدر الثروات المادية والطبيعية التي تم تجريفها؟ تقول كاثرين أشتون: إن معلومات الاتحاد الأوروبي وأرقامه المؤكدة تبين أن حجم السرقات والإهدار خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حكم مبارك بلغ 5 تريليونات دولار أمريكي أي 30 تريليون جنيه مصري. وقدرت أشتون أن هذا المبلغ كان يكفي لظهور 90 مليون مليونير كبير في مصر، أي أن كل مصري كان سيكون مليونيراً وأكثر،حيث إن عدد السكان في مصر لم يصل بعد إلي 90 مليون مواطن، هذا لو أن مبارك لم يسرق وكان نزيهاً ولكنه طغي في الفساد وطغي في كل شيء سلبي، إلا في ميدان الكرامة والعزة والقوة. ياليت الحاكم المقبل أو الرئيس المنتظر يدرك مغزي ما قاله الشاعر وهو يصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما زاره صاحب كسري. رآه تحت ظل الدوح مشتملاًًُ كاد طول العهد يبليها فقال قوله حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهمو فنمت نوماً قرير العين هانيها لم يضر أمير المؤمنين عمر أن يرتدي بردة كاد طول العهد يبليها ولكنها حلال. وطبعاً أصاب وسيصيب الضرر مبارك المخلوع وهو يرتدي بدلة يحمل كل خيط فيها اسمه. أيها الطاغية قم أيها الكنز الاستراتيجي قم من سريرك وتب الى الله تعالى ، واعترف بما قالته اشتون ولكى تعيد المسروقات الى اهلها شعب مصر المكافح ، حتى لايصيبك ما اصاب فرعون وهامان وجنودهما او ما اصب صديقك العزيز شارون . والله الموفق.