وهل يمكن أن يرحل من كانت أنفاسه دفئا للقلوب.. وسكناته أنسا للنفوس؟ هل يغيب من كانت كلماته إشارات ومعالم علي درب الحياة؟ وهل أنعي إبراهيم أصلان فعلا؟ لم يجل ذلك بخاطري أبدا. .. أو تصورته في الأوقات التي كنت أتذكر فيها إبراهيم فأتذكر عينيه الحزينتين دائما منذ وصل للدنيا وحتي الرحيل.. صامتا دائما.. متأملا أبدا.. فإذا اضطر للحديث.. فإنه يكون مختصرا.. والكلمات دالة علي المعاني بدقة. وبرغم كل الحزن في عينيه كان إذا جلس مع الأصدقاء المقربين منه فإنهم لا يكفون عن الضحك من سخريته اللاذعة من كل ما حوله. حين تعرفت بأصلان عام1992 كان لايزال يسكن وقتها في منطقة إمبابة بالكيت كات.. في شقة متواضعة للغاية.. ومن هذا المكان كتب رائعته مالك الحزين.. وبعد هذا العمر الطويل الذي شقي فيه عامل التلغراف أصلان.. لم يستطع أن يشتري منزلا له ولأسرته فقضي السنوات الأخيرة من عمره مع عائلته في شقة قانون جديد بالمقطم. حتي سيارته الفولكس لم يستطع أن يستبدلها بأخري جديدة.. فكانت كلما تعبت تماما يذهب لبورسعيد يشتري موتورا جديدا لها.. وحين سألته أن يشتري سيارة جديدة ضحك وقال: منين؟ فقد كان مصدر دخله هو إشرافه علي القسم الثقافي بجريدة الحياة اللندنية. أذكر أن دعوة وجهت لنا للعشاء بقصر محمد علي منذ سنوات.. ودخلنا معا وكان الحضور قد بدأوا في تناول الطعام.. قال لي إبراهيم: هل تودين البقاء؟ قلت: لا.. خرجنا.. فإذا به يتأمل كل ما حولنا في سكون الليل ويظل صامتا كعادته.. بعد قليل استأذنني في ذهابه للوقوف علي النيل.. علمت بعدها بعدة أيام أنه ظل واقفا حتي انبلج الصباح وقد عرض هذا جسده النحيل الهزيل للبرد الذي أرقده. كذلك تعب قبله مرات وعرضه ذلك لجراحات دقيقة به أنهكت جسده النحيل.. لم يكن عمره يبين عليه.. فقد كان دائما شابا رائعا بأناقته البسيطة المتمثلة صيفا وشتاء في بنطلون جينز.. وقميص وجاكت اسبور.. وخصلات شعره التي كان لونها مبعثا لتساؤل الكثيرين.. خاصة الخواجات. فقد كانت خصلاته تنزلق علي جبينه وهي تحمل عدة ألوان في داخلها ما بين الأسود والرصاصي.. ولون يميل إلي الأزرق. كان يبتسم عادة علي معظم التساؤلات. لم يكن أصلان بشرا كسائر البشر جسدا وروحا.. بل روح تشع كالشمس الدفء.. أو كالقمر تنير في الظلام.. أو كالزهور تنثر عبيرها.. ويسحرك جمالها.. فهكذا كان إبراهيم.. أحاسيس تستشعر تعطي الأمان للخائف. أقسم أني رأيت وجهه في قرص الشمس ساعة الغسق في نيل أسوان منذ عشرين عاما.. وقت أن تعرفت عليه لأول مرة.. وظل الوجه معلقا أراه في كل غروب.. وبالأمس فقط غرب قرص الشمس داميا بوجهه للأبد. أظن أن الثري سيكون أحن عليك من كثيرين آلموك. أعزي من؟ الأهل.. الأدب.. مصر.. بل أعزي نفسي.. فلقد مات بالأمس إبراهيم في داخلي. المزيد من مقالات شرين المنيرى