عندما دهمتنا نكسة يونيو عام1967 ظهر المعدن الحقيقي لشعب مصر الذي أدرك منذ اللحظة الأولي أن هذه ليست لحظة للجدل والانقسام أمام تحد رئيسي يستوجب تركيز كل الجهد باتجاه واحد من أجل إزالة آثار العدوان ومن ثم عدم الالتفات إلي أية أصوات أرادت وقتها أن تستنزف قوة الوطن بالتركيز علي الماضي وخطاياه رغم بريق ما ارتفع من شعارات حول ضرورة الحساب والمساءلة عن النكسة كما أن الشعب المصري لم يسمح للطابور الخامس بأن يدق علي أوتار همومه المعيشية وإنما علي العكس جاء الإسهام بغير حدود وعن رضا وطيب خاطر لدعم المجهود الحربي الذي يستهدف إزالة أثار العدوان وبما يؤكد رسوخ القناعة الشعبية بأن مصر تعيش محنة لا ينبغي في مواجهتها أن يكون هناك صوت يعلو علي صوت المعركة. وليس معني ذلك أنني أدعو إلي تكرار التجربة التي أثبتت نجاحها في نهاية المطاف بعد حرب استنزاف شرسة وزلزال للعبور توقف أمامه العالم كله بالاحترام والتأمل وإنما هدفي أن نستلهم من دروس الماضي إشارات تعيننا علي حسن تشخيص الحاضر والقفز بأقصي درجات الحساب الدقيق لصياغة آليات ووسائل المواجهة ضد خطر لا يقل عن خطر ضياع سيناء في يونيو.1967 وصحيح إلي حد كبير ما قاله كارل ماركس من أن التاريخ لا يكرر نفسه وإذا فعل فإن المرة الأولي تكون دراما مؤثرة وأما المرة الثانية فإنها تصبح ملهاة مضحكة... ولكن التاريخ أيضا لا يرحم الذين يتعامون عن قراءة صفحاته والذين يعجزون عن استلهام الرؤي والأفكار الحديثة لمواجهة أزماتهم قياسا علي سابق الدروس والعبر من أزمات الماضي. ومصر التي نجحت في إزالة آثار عدوان يونيو1967 بوحدة شعبها ونضوج الفكر عند نخبها لن يكون صعبا عليها أن تنجح في إزالة آثار حكم جماعة الإخوان بالقانون وتحت مظلة القضاء المدني وحده!... وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الطاحونة بلا قمح تطحن نفسها! لمزيد من مقالات مرسى عطا الله